ديفيد بولوك – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
الشعب اللبناني منقسم طائفيًا بشكل كبير في ما يتعلّق بالعلاقات مع قوى إقليمية بارزة على غرار إيران أو تركيا. فكل الشيعة تقريبًا (94 في المئة) يرون أنّه من المهم إقامة علاقات جيدة مع إيران ذات القيادة الشيعية. في المقابل لا يوافقهم الرأي سوى ثلث المسيحيين فقط و17 في المائة ليس أكثر من السنّة.
ويمتدّ هذا الاستقطاب ليشمل مسائل خاصة مرتبطة بدور إيران في المنطقة. ففي أوساط شيعة لبنان، تعتبر نسبة 85 في المئة الكبيرة أنّ إنهاء الحظر على الأسلحة الذي كانت تفرضه الأمم المتحدة على إيران الشهر الفائت بمثابة تطوّر إيجابي. وفي تناقض صارخ، 27 في المئة فقط من السنّة و21 في المئة من المسيحيين يتبنّون هذا الرأي. والأمر سيّان بالنسبة للموقف من الحوثيين الذين يُعتبرون عميل إيران في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن: فنسبة 79 في المئة من شيعة لبنان تؤيد هذه الجماعة البعيدة. في حين توافقهم الرأي نسبة 18 في المئة فقط من المسيحيين و9 في المائة من السنّة.
أما بالنسبة لتركيا، وهي بلد ذو أغلبية سنّية، فالصورة معكوسة تقريبًا: 65 في المئة من سنّة لبنان يعتبرون أنّ العلاقات الجيدة مع أنقرة مهمة مقابل 27 في المئة من المسيحيين و7 في المئة فقط من الشيعة الذين يتشاطرون وجهة النظر هذه. وكما هي الحال في أجزاء أخرى من المنطقة، أصبحت تركيا مؤخرًا ناشطة على نحوٍ متزايد في لبنان، ولا سيما في الشمال، وهو الجزء ذو الأغلبية السنّية في البلاد، وكذلك في العاصمة بيروت المختلطة بشكل كبير.
إلا أنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تحظى بتوافق طائفي عليها في لبنان. فنسبة 94 في المئة من السنّة و87 في المئة من المسيحيين و69 في المئة من الشيعة (وهي نسبة غير متوقعة بتاتًا) تعتقد أنّ العلاقات الجيدة مع فرنسا تكتسي أهمية. وشاطرهم الرأي كافة المستطلعين تقريبًا (90 في المئة) من الأقلية الدرزية الصغيرة في لبنان. وهذا الأمر يعكس من دون شك الروابط التاريخية والثقافية إلى جانب المحادثات الدبلوماسية التي جرت في الآونة الأخيرة حول حزمة مساعدة اقتصادية كبيرة مقدّمة من فرنسا.
آراء متباينة بشأن ترامب والروابط مع الولايات المتحدة، وسط احتلال المسائل الاقتصادية الأولوية الآن
في المقابل، أتت النسب بشأن الولايات المتحدة أكثر انخفاضًا على نحوٍ ملحوظ، وبخاصةٍ في أوساط الشيعة. فنسبة 7 في المئة فقط من هذه المجموعة ترى أنّ العلاقات اللبنانية – الأميركية الجيّدة مهمة. والمفاجئ أيضًا أنّ هذه النسبة لا تتعدّى 38 في المئة في أوساط المسيحيين. أما النسبة الأعلى اليوم ضمن هذه الفئة فيسجّلها السنّة، حيث النصف تقريبًا (46 في المئة) يعتبرون أنّه من المهم الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.
ويستقطب الرئيس دونالد ترامب بدوره الجمهور اللبناني، ولو بدرجات متفاوتة بعض الشيء. فالأغلبية الواضحة من المسيحيين (70 في المئة) قالت إنّه “سيكون من الأفضل لبلدنا أن تتمّ إعادة انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة”. لكنّ أغلبية أصغر بكثير، (57 في المئة) من السنّة – ونسبة 16 في المئة فقط من الشيعة – توافقهم الرأي. وأصبح هذا السؤال حاليًا نظريًا بحتًا. لذا سيقيس استطلاع مستقبلي طريقة استجابة كلّ طائفة لتولّي جو بايدن الرئاسة وسياساته المعتمدة.
وعمومًا، وفي ما يخصّ سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ثمّة إجماع أكبر بكثير في أوساط هذه الجماعات الثلاث اليوم. فالأكثرية الشاملة (43 في المئة) تختار “توفير المزيد من المساعدات الاقتصادية والاستثمارات” بوصفه أبرز المقترحات على واشنطن. ويأتي في المركز الثاني (34 في المئة) “الدفع نحو إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”. أما المسائل الأخرى، على غرار إيران أو اليمن أو ليبيا، فتحتلّ مراتب متأخرة للغاية.
اختلافات طفيفة في مواقف الأجيال
على نحوٍ مفاجئ، تُظهر نتائج هذا الاستطلاع اختلافات محدودة للغاية فقط، إن وجدت، بين المواطنين اللبنانيين، سواء الذين هم دون 30 سنة أو ما فوق. على سبيل المثال، ومن أصل إجمالي السكان، فإن نسبة الذين يعربون عن رأي إيجابي للغاية بشأن “حزب الله” من الفئتين العمريتين هي نفسها تمامًا: 35 في المئة.
مع ذلك، وفي ما يخصّ عددًا قليلًا من المواضيع المحدّدة، فإن الشريحة التي هي دون 30 عامًا أكثر اعتدالًا نوعًا ما كما هو متوقّع، أو هي أقلّ تشددًا على الأقل. وفي حين أنّ 78 في المئة من الأكبر سنًا لا يؤيدون تطبيع الإمارات/البحرين مع إسرائيل، تنخفض هذه النسبة بشكل طفيف إلى 67 في المئة في أوساط الجيل الأصغر سنًا في لبنان. وعلى نحوٍ مماثل، ترى نسبة 41 في المئة من الجيل الأصغر سنًا أنّ العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة مهمة بالمقارنة مع نسبة 25 في المئة فقط في أوساط الذين يتخطّون الثلاثين من العمر.
ملاحظة منهجية
استُخلصت هذه النتائج من استطلاع أجرته بين 17 تشرين الأول/أكتوبر و9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 شركة أبحاث تجارية موثوقة ومستقلة وغير سياسية تمامًا في المنطقة مع عيّنة تمثيلية وطنية شملت ألف مواطن لبناني. وبخلاف معظم الاستطلاعات الأخرى، ينطوي هذا الاستطلاع على مقابلات أجريت وجهًا لوجه مع عيّنة عشوائية حقًا (أرجحية جغرافية) من إجمالي السكان، ما أسفر عن نتائج موثوقة تتماشى كليًا مع أعلى المعايير المهنية الدولية.
ويوازي هامش الخطأ الإحصائي لمثل هذه العيّنة نحو 3 في المئة؛ في حين يناهز للعينات الفرعية الرئيسية الطائفية الثلاث، حيث تشكّل كلّ عيّنة نحو الثلث من المجموع العام، 4.5 في المئة تقريبًا. يمكن توفير التفاصيل المنهجية الشاملة، بما فيها إجراءات أخذ العينات وضوابط الجودة والاستبيان الكامل وغيرها من المعلومات ذات الصلة، عند الطلب.