زورق كومندوس إسرائيلي وصل إلى الجيّة.. حروب سرية استكمالاً للانهيار!
كتب منير الربيع في “المدن”: يشهد اللبنانيون هذه الأيام تحولاً تاريخياً: تحول لبنان الذي كان دولة في يوم ما، إلى بلد متحلل وساحة مستباحة. واستباحة الدولة اللبنانية لم تكن من عمل الذين دمروا بنية المؤسسات السياسية والدستورية والإدارية للدولة فحسب، باستدخالهم الصراعات السياسية الفئوية في صلبها وصلب عملها واستتباعها.
كومندوس في الجية
فمن أخطر تطورات هذه الاستباحة ومستجداتها – وهي كانت شائعة أيام الحروب الأهلية السابقة – تلك الاستخبارية والأمنية. وكان يحكى عن استباحة إسرائيلية للأجواء اللبنانية، حتى اعتاد اللبنانيون في يومياتهم على تحليق طائرات معادية في سمائهم. لكن المستجد ما كُشف عنه أخيراً: زورق كومندوس إسرائيلي وصل قبل أيام إلى شاطئ الجية، ولم تعرف حقيقة المهمة التي قام بها، ولا ما إذا كان في مهمة استطلاعية فقط.
لذا، يتخوف اللبنانيون من تحول البلاد إلى ساحة لحروب الظل على غرار ما حصل ويحصل في سوريا وإيران، معطوف عليها صراع استخباري يتوسع عمودياً وأفقياً، وهو ليس وليد هذه اللحظة، لكنه قابل للتفاقم والتوسع.
وهذا النوع من الحروب قائم. والدليل عليه سلسلة الأحداث المتفرقة التي حصلت سابقاً، ومنها تفجير سيارة القيادي في حركة حماس محمد حمدان قبل سنتين في مدينة صيدا. وبعدها عملية شارع معوض في ضاحية بيروت الجنوبية، بطائرتين مسيرتين ظل هدفهما مجهولاً، علماً أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله كان قد أعلن سابقاً أن قيادة حزبه علمت ما كان مستهدفاً.
ورافق هذه العملية تحليلات كثيرة واحتمالات حول إمكان حصول تسلل إسرائيلي لتشغيل هاتين الطائرتين والتحكم بهما، سواء عبر البحر أو البر.
هدف واحد: الانهيار
واستمرت الحروب الأمنية والاستخبارية: من عملية استهداف سيارة مسؤولين في حزب الله قرب المصنع الحدودي، إلى عدم إسقاط احتمالات العمل المخابراتي في انفجار المرفأ، وبعده تفجيري عين قانا وجباع.
إذاً، لم يعد من شيء يمنع اتساع أفق مثل هذه العمليات. لا سيما في ضوء الإصرار الإسرائيلي على استهداف حزب الله وبنيته العسكرية والصاروخية. وهذا النشاط قد يُستأنف بعدما تعرقل مسار مفاوضات ترسيم الحدود. وكأن الضغوط التي يتعرض لها لبنان تقود كلها إلى خلاصة واحدة: لا خلاص إلا بالتفاهم مع إسرائيل، على غرار المكتسبات السياسية أو المالية التي تحققها الدول التي تذهب إلى خيار التطبيع.
وبما أن مسار ترسيم الحدود قد توقف، فإن احتمالات التصعيد تتجدد، إلى جانب ممارسة المزيد من الضغوط، وترك لبنان ينهار من دون تكلفة الحرب المباشرة.
ولم يعد لبنان يثير الاهتمام الدولي والعربي، وليس هناك من مستعد لتقديم دعم أو مساعدة في هذه المرحلة. كأن الجميع ينتظر الانهيار الشامل. وبعده يبدأ الكلام والاهتمام.
ماكرون واليونفيل
والطرف الوحيد الذي يبدي اهتماماً بلبنان هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهو يزور لبنان في 22 الشهر الجاري، ويلتقي قيادة قوات اليونيفيل في الجنوب، والقوة الفرنسية العاملة ضمن قوات الطوارئ الدولية. وحسب المعلومات، فإن ماكرون سيحمّل مسؤولية الانهيار الكاملة للمسؤولين اللبنانيين الذين لم يتلقفوا ما قدمته لهم فرنسا لإنقاذ بلدهم وحمايته من الانهيار.
ولدى ذكر زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجنوب، سارع مسؤول سياسي بارز إلى طرح سؤال يحمل الكثير من الاستياء، إذ يسأل: “هل سيمرّ ماكرون من الجية؟”. وهذا في إشارة إلى حادثة الجية الأخيرة، وربطها بعدم الترحيب بزيارة الرئيس الفرنسي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حجم الضغوط الأميركية والأوروبية على الفرنسيين لتغيير وجهة تعاطيهم مع المعضلة اللبنانية، وخصوصاً مع إيران وحزب الله. ولا بد من انتظار ما سيقوله ماكرون خلال زيارة قوات اليونيفيل التي تسعى واشنطن إلى تعزيز نطاق عملها وصلاحياتها.
الجنوب السوري
سياسياً لا أحد يتوقع أن تحدث زيارة ماكرون تغييراً في الواقع السياسي اللبناني. لا الحكومة ستتشكل ولا الضغوط ستخف، وستكون الأبواب اللبنانية مشرعة على الكثير من الاحتمالات السيئة والخطرة، بما فيها الاحتمالات الأمنية والمخابراتية. إما من خلال استهدافات امنية موضعية، أو عبر تسجيل اختراقات في مناطق متعددة، على غرار ما حصل في الجية مثلاً.
وما يحصل في لبنان ليس بعيداً عما يحصل في سوريا. فالأميركيون والإسرائيليون يتوافقون على منع إيران من تشكيل تنظيم جديد مشابه لحزب الله في الجنوب السوري. ومواجهة هذا المشروع تفترض اتساعاً في النشاط العسكري والمخابراتي الإسرائيلي في الجنوب السوري، وربما على الحدود اللبنانية – السورية.