دياب والحريري لعون: تحمّلنا المسؤولية واستَقَلنا.. وأنتَ؟
ككرة الثلج تتدحرج قضية الادّعاءات والاستدعاءات في جريمة المرفأ. وآخر معالم الانهيار الكبير الجنازة “الحامية” للقضاء ورسم خطوط حمر حول استجوابات لن تقف كما يؤكّد مطلعون عند عتبة الاستماع إلى رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والوزراء علي حسن خليل ويوسف فنينانوس وغازي زعيتر، كمُدّعى عليهم.
والأسماء المرتقبة قد تشمل وزراءَ وضباطاً سابقين، ينضمّون إلى مجموعة الـ33 و”مجموعة الأربعة” المُدّعى عليهم في الملفّ. يحصل ذلك في ظلّ تلميح دوائر قريبة من المحقّق العدلي القاضي فادي صوان بأنّ “خيار التنحّي، كما خيار الذهاب “للآخر”، يبقى قائماً دائماً كردّ فعل وتسجيل موقف للتاريخ بوجه التدخلات أو الموانع السياسية أمام عمل القضاء”!!
بالنسبة لفريق سياسي كبير يتصدّره الرئيس نبيه بري، فإنّ مجلس النواب هو الممرّ الإلزامي لأي خطوة قضائية بحقّ أيّ رئيس حكومة أو نائب أو وزير. سبق لـ”الريّس” فادي صوان أن طرق باب ساحة النجمة وسمع الجواب، فاتّخذ بعدها قراره بالادّعاء على الأربعة أمام القضاء العادي لكن بصفته محققاً عدلياً بصلاحيات مطلقة واستثنائية.
لذلك، فإنّ الرسالة التي وجّهها مجلس النواب مجدّداً إلى “الريّس” صوّان لن تعيد الملفّ الى بيت “الطاعة ” النيابي، والدليل إصراره على تحديد مواعيد جديدة لاستجواب دياب وفنيانوس وخليل وزعيتر… والحبل على الجرّار.
وتؤكّد مصادر نيابية في هذا السياق: “في الجواب الأوّل الذي أرسله مجلس النواب إلى صوان لم يقل أن لا شبهات على المُدّعى عليهم، بل طالبه بالمستندات اللازمة والأدلّة التي تؤكّد هذه الشبهة، وهو اليوم يكرّر الطلب نفسه… وإلا فليبلّط البحر”!!
في الوقائع، لن يبلّط صوان البحر. بل سيبلّط الطريق، مدعوماً من مجلس القضاء الأعلى وجزء من الشارع، نحو مزيد من الادّعاءات والتوسّع في التحقيق في مقابل متراسٍ سياسي –طائفي ارتفع بوجهه يحظّر عليه المواجهة المباشرة مع المُدّعى عليهم. هذا أقلّه ما يوحي به الفريق القريب منه. ويؤكد مطلعون: “يصعب جداً حصر الادّعاءات بـ”مجموعة الأربعة” وإلا فسنكون أمام فضيحة قضائية”.
وقد رُصِدَ استثناءٌ في هذا السياق من خلال توجّه وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس إلى مكتب المحقّق العدلي يوم أمس للمثول أمامه، لكن تبيّن أن الأخير حدّد موعداً آخر له. وقد عاكس فنيانوس بهذا التصرّف “سلوكية” النائب السابق سليمان فرنجية الذي جاهر في الإعلام بحمايته لـ “صديقه” سركيس حليس في ملفّ الفيول المغشوش، كما أنّه غير متسلّح بحصانته النيابية كما خليل وزعيتر.
وترى مصادر مطّلعة أنّه “مجرد أن حرّك القاضي صوّان دعوى الحقّ العام، بات من الصعب أن يتراجع كي لا يكرّس تردّده في إدارة الملف، ما ينعكس سلباً على مجرى التحقيق. إذ لا يمكن أن يفيد أوّلاً بعدم اختصاصه ثم يؤكّد اختصاصه بالملاحقة ليعود ويرمي الكرة في ملعب مجلس النواب. وإذا قرّر التراجع مجدداً يجدر بالمحقّق العدلي أن يصدر قراراً بأنّ تحريك دعوى الحقّ العام تمّ بصورة غير قانونية”.
مع ذلك، لا يزال هناك جوّ من الارتياب من أداء صوان. فهو لم يتحصّن، كما يرى كثيرون، بمنهجية واضحة في التحقيق تعكس احترام التسلسل الزمني في الادّعاءات. فهو يعيب مثلاً على رئيس الحكومة أنّه “علِم بوجود النيترات ولم يتصرّف”، فيما سبقه رئيس أركان الجيش السابق اللواء وليد سلمان وقيادة الجيش السابقة بسنوات بعلمهم بخطورة نيترات الأمونيوم ولم يقدّروا خطورة الأمر، إضافة إلى مسؤولية قضاة ووزراء آخرين وربما رؤساء حكومات. وبدا طلب الاستماع إلى إفادة اللواء سلمان كشاهد بمثابة استلحاق لخطوة تأخّرت كثيراً ويفترض أن تكتمل بالاستماع إلى شهادة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي وصولاً الى قيادة الجيش الحالية.
يضيف هؤلاء: “هناك تراتبية في التقصير لم تظهر في ترتيب الادّعاءات، وهذه ثغرة كبيرة في التحقيق سببها ربما الضغط الذي يتعرّض له القاضي أو تأثرًه بالرأي العام والشارع. وهو واقع يستطيع تغييره بأن يستكمل مسار الادّعاءات بشقّها السياسي والأمني والقضائي. الأمر الذي لم يحصل حتّى الآن”.
في سياق موازٍ، تتبلور جبهة سياسية مضادّة تحاول وضع الرئاسة الأولى في قفص الاتهام تماماً كما وضع المحقّق العدلي رئيس حكومة تصريف الأعمال أمام المساءلة، وربما استباقاً لادّعاءات قد تطال رؤساء حكومات سابقين.
وآخر المواقف صدرت عن الرئيس فؤاد السنيورة الذي ذكّر بأنّ رئيس الجمهورية هو قائد جيش سابق وتترتّب عليه مسؤوليات في تقدير مدى خطورة النيترات المخزّنة في المرفأ ولم يتصرّف بما يجنّب اللبنانيين هذه الكارثة.
ويبدو أنّ جلسة الثلث ساعة بين حسان دياب والرئيس المكلّف في السراي قد أنتجت موقفاً مشتركاً من جانب الرجلين يذهب أبعد من “محاكمة” صوّان على “فِعلته” وتعكسه مصادر مطلعة بالقول: “ما قام به المحقّق العدلي هو هروب من الحقيقة. فقد خَلط بين المسؤولية السياسية وبين المسؤولية الجزائية. فالحريري بعد ثورة 17 تشرين بادر إلى الاستقالة، والرئيس دياب بعد انفجار 4 آب بادر أيضاً إلى تقديم استقالته. فيما أطراف أخرى لم تكن جاهزة حتّى الآن لتحمّل أيّ مسؤولية سياسية. واستمرّت في موقعها ولم تهزّها لا ثورة 17 تشرين ولا انفجار 4 آب، ولا انهيار الليرة ولا إفلاس البلد، ولا حتّى أبواب جهنم!”.
وفي استنتاج مشترك أيضاً يشكو دياب والحريري من أنّ “الرئيس عون يسارع دوماً إلى نسب أيّ إنجازٍ إلى نفسه وإلى فريقه السياسي، وعند أيّ إخفاق أو مصيبة تتحدّث الرئاسة الأولى عن عدم مسؤوليتها وتحصّنها بعدم توفّر الصلاحيات التنفيذية اللازمة والكافية. في مكاسب السلطة تريد أن تكون شريكاً مضارباً، وفي إخفاقات الحكم تريد أن تُعامل كضيفِ شرف”.
وبدا لافتاً في هذا السياق تأكيد النائب جبران باسيل في حديث لصحيفة “لوريان لو جور”: “حسب معرفتي، لو كان لرئيس الجمهورية ما يضيفه على بيانه (تلقّيه تقرير أمن الدولة في 21 تموز) لبادر إلى الاتصال بالمحقّق العدلي والطلب منه أن يستمع الى شهادته”.