تركيا تضيف توتراً آخر إلى توتراتها المتراكمة.. هل يؤدي سلوك أردوغان القومي والعرقي إلى تفاقم مشاكل تركيا؟
الوقت- مع انخماد حريق الحرب في ناغورنو كاراباخ وتهدئة الوضع، أدلى الرئيس التركي المثير للجدل رجب طيب أردوغان بتصريحات مثيرة خلال زيارته إلى باكو، والتي أثارت الكثير من ردود الفعل والغضب، وخلال الزيارة الأخيرة إلى باكو أثناء العرض العسكري، قرأ أردوغان قصيدة مثيرة للجدل ذات مواضيع حساسة وعرقية.
وقوبلت القصيدة التي قرأها أردوغان بالعديد من ردود الفعل في إيران، بما في ذلك تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رداً على تصريحات أردوغان المثيرة للجدل، حيث قال ظريف: “لم يتم إخبار أردوغان أن القصيدة التي ألقاها خطأ في باكو كانت عن الفصل القسري بين مناطق آراس الشمالية عن وطنهم إيران! ألم يفهم أنه تحدث ضد استقلال جمهورية أذربيجان؟”.
استهداف أردوغان للعلاقات بين طهران وباكو
يعتقد الكثير أن أردوغان بهذه القصيدة المثيرة للجدل يسعى في الواقع إلى زرع الفتنة في العلاقات بين إيران وجمهورية أذربيجان، في حين سعى البلدان إلى تعزيز العلاقات أكثر وبأقل التوترات منذ استقلال جمهورية أذربيجان في السنوات الأخيرة واحترام الاستقلال المتبادل والسيادة الوطنية، لكن يبدو أن أردوغان من خلال قراءته لهذه القصيدة القومية، يسعى لاستهداف العلاقة بين إيران وجمهورية أذربيجان.
بمعنى آخر، هذا الشعر القومي الذي ألقاه أردوغان بعد يوم من زيارة وزير خارجية جمهورية أذربيجان إلى طهران واللقاء الودي والمحادثة التي أجراها الوزير الأذربيجاني في طهران، لم يُسعد أردوغان كثيراً لكونه يعزز التقارب بين جمهورية أذربيجان وإيران.
أردوغان والحس البطولي
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن تصريحات أردوغان القومية تم الإدلاء بها خلال زيارة إلى باكو وأثناء عرض عسكري، وجاءت هذه الزيارة بعد انتهاء الحرب في ناغورنو كاراباخ، في حين يرى أردوغان أن نيران الحرب في ناغورنو كاراباخ قد أخمدت بسبب تحركاته، ومع ذلك، لو كان أردوغان هو مركز التطورات في ناغورنو كاراباخ، لاستمرت الحرب في هذه المنطقة الحساسة.
وكما ادعى مؤخراً، فإن الحرب في كاراباخ لم تنته بعد، الرئيس التركي، حتى في الفترة التي كانت هنالك محادثات بين باكو ويريفان حول وقف إطلاق النار، كان يعارض بشدة وقف إطلاق النار حتى لأسباب إنسانية وكان يصرّ على ضرورة استمرار الحرب.
في الواقع، ما ميز نهاية الحرب في ناغورنو كاراباخ هو مخاوف عالمية بشأن التوترات الأمنية ووقوع المزيد من الحروب وعدم الاستقرار، وكذلك بسبب التحركات الروسية والتوسط الإيراني، إلى جانب ضغوط بعض الدول الأوروبية الأخرى، ما أدى في النهاية إلى وقف الحرب في ناغورنو كاراباخ، ومع ذلك، لو كان لأردوغان قرار في حرب ناغورنو كاراباخ، لاستمرت الحرب وامتدت الى جميع مناطق ناغورنو كاراباخ المتوترة، وكان من غير المرجح أن تسعى حكومة أردوغان إلى وقف إطلاق النار في كاراباخ.
العثمانية الجديدة لتركيا
إن النهج العثماني لحكومة أردوغان واضح للغاية في تصريحاته القومية والمثيرة للانقسام في باكو، حيث يعتبر أردوغان نفسه زعيم الأتراك ويعمل بجد لإنشاء محور قومي تركي، رغم أن خصومه كثر حتى في بلاده.
وتعكس زيارته الأخيرة إلى باكو وتصريحاته الأحلام العثمانية الجديدة التي لم تتحقق حتى خلال الفترة العثمانية، لقد كان نهج أردوغان تجاه العثمانية في باكو واضحاً بشكل خاص من خلال أنه قبل الخطاب الرسمي للرئيسين، تم تنظيم مسيرة خاصة تسمى “مهتر”، والتي كانت واحدة من مسيرات الجيش العثماني، في جمهورية أذربيجان وهذه المسيرة كانت غير ذي صلة ولا تتناسب مع زيارة باكو، وفي الخطاب الحماسي خلال العرض، ذكر العريف أيضاً “أراك تبريز” و”جبل سبلان” اللذين لا علاقة لهما بجمهورية أذربيجان ووصف هذه الأماكن بأنها استفزازية.
تعكس هذه السلوكيات، المزاج التوسعي لرئيس تركيا، والذي شوهد مرات عديدة في الماضي من خلال عمليات عسكرية في شمال سوريا وشمال العراق، وكذلك المساعي للإطاحة بالحكومة الشرعية في دمشق. حيث كان أردوغان في يوم من الأيام يرغب بأداء صلاة النصر في المسجد الأموي في دمشق، لكن من الواضح أنه اليوم أصبح طرفاً فاشلاً في الأزمة السورية، وحتى فشل المرتزقة المدعومون من أردوغان حتى الآن في تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم.
حتى إن أردوغان لديه تناقض وظيفي مع أحلامه العثمانية الجديدة في جمهورية أذربيجان، لأن العثمانيين انتهجوا تاريخياً نهجاً معادياً للشيعة، بينما شعب جمهورية أذربيجان هم شيعة لا يحبون سلوك العثمانيين عبر التاريخ، حتى في وقت انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال جمهورية أذربيجان، عندما طُلب من رئيس وزراء تركيا آنذاك مسعود يلماز مساعدة أذربيجان، وصف شعب جمهورية أذربيجان أنهم أذريون مختلفون عرقياً وقومياً عن المواطنين الأتراك.
زعزعة السلام مع دول الجوار
كانت السياسة الخارجية لحكومة أردوغان خلال فترة توليه منصب رئيس وزراء تركيا قائمة على شعار “إزالة التوترات مع الجيران”، والذي كان الشعار المركزي لحكومة أنقرة، ومع ذلك، يبدو أن هذا الشعار قد أفسح المجال لزعزعة السلام مع جيرانه، حيث تواجه تركيا العديد من المشاكل والتوترات مع جميع جيرانها تقريباً في المنطقة.
إذ دخلت الحكومة التركية في حرب غير مربحة مع حكومة دمشق في سوريا، ولا تزال العلاقات بين أنقرة ودمشق متوترة، كما قوبلت الاعتداءات والعدوان التركي في شمال العراق بشكل متكرر بمعارضة شديدة من بغداد، وتم استدعاء السفير التركي في بغداد إلى وزارة الخارجية العراقية عدة مرات، وحتى البرلمان العراقي رفع شكوى ضد تركيا في مجلس الأمن.
في حين كانت تركيا على مقربة حرب مع جيرانها الشماليين الآخرين، أي أرمينيا واليونان، ولديها حالياً علاقات متوترة معهم، ودفعت التوترات بين أنقرة وأثينا والحركات القومية في جزيرة قبرص الاتحاد الأوروبي إلى السعي لفرض عقوبات على تركيا، ومن ناحية أخرى، كانت تركيا على علاقة جيدة مع جارتها الإيرانية على مرّ السنين، لكن يبدو الآن أن تركيا تحاول إضافة توتر آخر إلى توتراتها المتراكمة في المنطقة وجعل علاقاتها مع طهران متوترة مثل جيرانها الآخرين.
إن مسار تركيا في المنطقة بشأن تزايد توتراتها، يعتمد على نهج وسياسات قادتها وحكومة أردوغان، لكن لا شك في أن سلوك أردوغان القومي والعرقي سيؤدي إلى تفاقم مشاكل تركيا في المنطقة.