برّي وجنبلاط… والحنين لانتفاضة 6 شباط
يعكس مشهد حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي في الشارع، تغيراً في مقاربة الطرفين للاستحقاقات السياسية والإجتماعية في البلد. يستعيد نبيه بري ووليد جنبلاط ما يشبه حقبة إتفاق 17 أيّار وانتفاضة 6 شباط على عهد أمين الجميل. هذا الإتفاق الذي مرّ على لسان الرجلين في الأيام الماضية، وكأنّ المرحلة الحالية تفترض إعادة التناغم والانسجام بينهما في إطار المواجهة المفتوحة مع رئيس الجمهورية ميشال عون. تلك المواجهة تحتاج إلى انتفاضة، تبدأ طالبية وتتوسّع أفقياً، إلى جانب ملفات اجتماعية ومطلبية وسياسية. يستعدّ كلّ طرف على حدة لفتح ما يمتلك من ملفات. إنّها معركة تختلف عن سابقاتها، لا مجال فيها لعامل الانتظار وردّ الفعل، الذي اعتاده الطرفان كثيراً في التعاطي مع التيار الوطني الحرّ، لكن آن أوان تغييره.
يتفق الطرفان على مجموعة نقاط:
– أولاً: عدم الاستمرار في السماح لرئيس الجمهورية وتياره بتنزيه نفسه عن القوى السياسية، فهو شريك أساسي في التركيبة.
– ثانياً: عدم الركون إلى الاتهامات التي يوجّهها لهما عون وجبران باسيل.
– ثالثاً: إعلان المواجهة، ليس على طريقة ردّ الفعل، إنّما التحضير لكمّ من الملفات والذهاب بها إلى القضاء في مختلف الوزارات والإدارات. كما فعل الحزب التقدمي الإشتراكي بشأن مناقصات الكهرباء بأن طلب لجنة تحقيق برلمانية.
تلك المعركة تحتاج إلى مجموعة عوامل: التقاء سياسي، تنسيق ولو بشكل غير مباشر، أو إدارة كلّ طرف معركته على طريقته، على أن تصبّ في نتيجة واحدة.
حاول الطرفان استمالة الرئيس سعد الحريري أكثر من مرّة. نجح برّي حيث لم ينجح جنبلاط. العلاقة بين رئيس تيار المستقبل ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ليست على ما يرام. اختلفا حول الحقائب وحول الإسم الدرزي في الحكومة العتيدة. بعث جنبلاط رسالة هادئة وودية إلى هاتف الحريري الذي لم يُجِب عليها بأيّ تعليق.
لدى توجّه الحريري إلى بعبدا لتسليم تشكيلته الحكومية، تلقّى رسالة من رئيس مجلس النواب بضرورة عدم التنازل عن الثلث المعطل لصالح رئيس الجمهورية، أي عدم منحه 7 وزراء. وتتضمّن الرسالة أيضاً إشارة إلى أنّه حان الوقت لعدم تقديم التنازلات لصالح عون الذي يريد فتح معارك مع الجميع، وما على الجميع إلا التضامن في مواجهته.
استمرّ عون بإثارة الملفات القضائية: من الضمان الإجتماعي، إلى مجموعة صناديق، المهجرين، الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، بالإضافة إلى التدقيق الجنائي. في المقابل، فتح الإشتراكي معركة الكهرباء، ومسألة التحقيق البرلماني، الذي سيواكبه رئيس المجلس. لم يشارك الحريري في هذه المعركة بشكل مباشر إلا أنه دخل على خطّها فيما بعد.
كانت زيارة الرئيس المكلّف إلى السراي الحكومي للقاء الرئيس حسان دياب والتضامن معه، خطوة على طريق إعلان الدخول في المواجهة مع العهد، بعد الخلاف حول تشكيل الحكومة، وبعد تلويح عون بفتح ملفات فساد لابتزاز الحريري في قطاعات محسوبة عليه.
أخذ الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة خطوة على عاتقه: فتح الباب على سجالات لن تنتهي مع الرئاسة. سيستمرّ تلويح عون بفتح ملفات فساد بغية الابتزاز، وسيستمرّ في ابتزازه بأن يرفض توقيع أيّ تشكيلة حكومية للحريري لا تلبّي له كلّ شروطه، حتّى يصل الأمر بالبعض إلى القول إنّ عون لا يريد أن يرى الحريري رئيساً لحكومة في عهده، إلا إذا تنازل عن كل الشروط المفروضة عليه.
هي معركة بآفاق مفتوحة، تخللها سجال هو الأول من نوعه بين بيت الوسط والقصر الجمهوري منذ التسوية الرئاسية، عبر تبادل البيانات بعد مقالة سليم جريصاتي في “النهار”.
بإمكان الحريري توظيف مثل هذه المعركة لاستعادة وضعيته السياسية والشعبية، وإعادة بناء تحالفاته وعلاقاته مع القوى السياسية الحليفة، وبإمكانه أيضاً أن يذهب إلى الكشف عن أسماء التشكيلة الحكومية التي تقدّم بها لرئيس الجمهورية. وهذا وحده سيكون كفيلاً بتغيير ميزان القوى، وإحراج رئيس الجمهورية، الذي سيثبت أنّه يسعى إلى تشكيل حكومة سياسية وكأنّ شيئاً لم يحصل. وهو تصرّف يثير حفيظة حلفاء الحزب أيضاً، الذين يختلفون بشكل جذري مع عون وسياسته.
تحصل هذه المعركة، على وقع مخاوف من تزايد منسوب الاحتجاجات العمالية والنقابية والشعبية في الشارع، وهي قد تؤسس إلى توتر أمني بفعل التوتر السياسي، قد ينعكس على الأرض إما بمشهد يشبه قبرشمون جديدة بسبب التوتير والشحن، أو بحوادث تشبه ما جرى في الحدت وميرنا الشالوحي، بين مناصرين لحركة أمل وآخرين للتيار الوطني الحرّ.
في هذه الأجواء تحلّ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثالثة إلى لبنان، التي تشير كل التقديرات إلى أنّها لن تحقّق أيّ جديد على صعيد المبادرة الفرنسية، فيما سيحمّل الرئيس الفرنسي المسؤولين اللبنانيين مسؤولية استمرار الانهيار، الذي سيزداد بشكل كبير ما بعد الزيارة، إذ سيرفع أيّ غطاء خارجي عن لبنان، وعندها سنكون أمام تطورات متسارعة وخطرة.