لبنان تقف في وجه كي الوعي التطبيعي.. فمتى يستفيق البقية
الوقت- هناك زحف غير مسبوق من قبل بعض الأنظمة العربية وجنوح نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، في سابقة خطيرة وغريبة ومستهجنة شعبوياً، ويبدو أن هذه الأنظمة القمعية الديكتاتورية التي تأخذ شرعيتها من الغرب وليس من شعوبها بدأت تنصاع لما تريده منها امريكا، وكانت الامارات سباقة للتطبيع مع اسرائيل لتتبعها البحرين ومن ثم المغرب ويبدو ان هناك دولا أخرى ستلتحق بقطار التطبيع. وسط هذه الفوضى اللاانسانية خرجت لبنان لتسجل موقفا انسانيا واخلاقيا غير مسبوق وأصدرت أمراً لتعليم القضية الفلسطينية في المناهج التعليمية.
قرار لبنان استثنائي ويحمل الكثير من الدلالات في ظل فوضى التطبيع، حيث خرجت لبنان لتعيد الأمور الى مسارها وتقول بكل جرأة ان الفلسطينيين أصحاب حق وعلينا مساندتهم في الدفاع عن حقهم، وعدم تشويه التاريخ الذي تدأب بعض الانظمة العربية لتشويهه فقط لخدمة بقائها في السلطة، ولكن ليعلم هؤلاء أن الانظمة ستزول وتبقى الشعوب وما يمارسه هؤلاء من كي لوعي المجتمعات العربية في تشويه صورة الفلسطينيين وقضيتهم في مناهجهم التعليمية واعطاء ذرائع غير منطقية لجنوحهم نحو التطبيع لن تطول، وسينقلب السحر على الساحر في المستقبل القريب.
القرار اللبناني صدر عن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، طارق المجذوب، ودعا المجذوب فيه جميع المسؤولين عن الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة إلى الطلب من الأساتذة والمعلمين تخصيص حصة دراسية واحدة إما حضورياً أو عن بعد، لشرح القضية الفلسطينية وأهمية مقاومة التطبيع، وذلك إحياء لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وبمناسبة يوم المعلمين العرب لمقاومة التطبيع.
هذا الموقف الرسمي اللبناني أظهر للقاصي والداني موقف لبنان الحقيقي من التطبيع، واكد للصهاينة قبل غيرهم ان لبنان ثابت على مواقفه من التطبيع، وانه لن يتخلى عن القضية الفلسطينية، وان الشعب اللبناني شعب حي يعلم جيدا كيف يميز بين الصديق والعدو، وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تأكيد موقف لبنان الرافض للتطبيع وداعما لفلسطين وقضيتها، عبر ترسيخ القضية الفلسطينية في الذاكرة الجماعية والتمسك بها فكراً ومنهاجاً وعملاً. وخصوصاً أن بعض الأنظمة العربية الراهنة تسعى لتهميش القضية الفلسطينية وتشويه وعي المتعلمين وحثّهم على المهادنة والقبول بـ”إسرائيل” كشريك في العيش والعلاقات السياسية، وفرضها كأمر واقع.
الجميع يعلم ان اقدام بعض الانظمة العربية على التطبيع مع الصهاينة، سيرافقه حملة “كي وعي جمعي” للمجتمعات العربية وستعمل هذه الانظمة على تغيير المناهج، ورسم صورة مغايرة للمنطقة، ولا نستبعد أن يقدم هؤلاء الفلسطيني على أنه هو العدو وان الاسرائيلي هو صاحب الحق، لذلك يجب على العرب الاحرار الانتباه إلى هذه المعضلة، والاسراع الى انقاذ التاريخ من ايدي هؤلاء المتغطرسين، إذ يعود السبب إلى المشروع السياسي الذي تنتهجه حكومات الدولة العربية، على اعتبار أن المناهج والمقررات المدرسية تخضع لسلطة الحكومة، وتتولى وزارات التربية والتعليم صياغتها وفق الخط السياسي لكل دولة.
فيما تتكئ “إسرائيل” على دعم وتغطية من أنظمة متداعية، يوجه إليها الكثير من تهم الفساد والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان. في وقت استغلّ الاحتلال الإسرائيلي جائحة كورونا، وانشغال العالم بتبعاتها، وفتح باب الودّ والتطبيع مع الدول الخليجية إلى المزيد من المُصادرات، وهَدْم البيوت، وضمّ الأراضي بعد إطلاق “صفقة القرن” المرفوضة إقليمياً ودولياً.
المناهج التعليمية في المدارس لها أثر كبير على عقول التلاميذ، واليوم يتم العمل من قبل الانظمة المطبعة على تعديل المناهج التربوية، وخاصة أن هذه الانظمة قدمت للاسرائيليين نصرا مجانيا واظهرت الفلسطينيين بأنهم مقصرون وانهم ناكرو للجميل، ومن ناحية اخرى هناك الغرب الذي يحتضن الاسرائيليين ويصورهم على انهم حمامة سلام، حتى ان الصهاينة تمكنوا من شطب اسم اسرائيل وإلغاء قرار أممي يسميها بالعنصرية. وتسابقت دولٌ كثيرة إلى إقامة علاقات اقتصادية وثقافية معها، وعدم شعور أي دولة، إفريقية أو آسيوية، بحرج من إقامة العلاقات الدبلوماسية والسياسية معها، بدعوى أن دولة فلسطين ودولاً عربية أخرى تقيم علاقات “شرعية علنية” أو سرّية مع الكيان الغاصب.
هذه الأوضاع الجديدة والواقع الراهن أثر سلباً على مفاهيم الأجيال الجديدة، عربية وغير عربية، إلى درجةٍ تشكل خطرًا على الوعي الثقافي والأخلاقي العالمي، مثل تبدل الأدوار واعتبار إسرائيل دولة معتدى عليها، والعرب (لا دولهم) معتدون، فالدول العربية تتسابق في حماية نفسها من أن تصنف عدو إسرائيل بطرق وأشكال شتى. ويمكن مقاومة هذه المترتبات الخطيرة على تزييف الوعي العربي والعالمي بالمناهج التعليمية.
يجب العمل من قبل المجتمع المدني والدول الحرة على انشاء منهاج تربوي مزدوج عادي وإلكتروني، وتضمينه القصة الحقيقية للقضية الفلسطينية وواقع هذه القضية ومفاهيمها التي توجد في مناهج التعليم. والكاتب يدعو هنا إلى تسجيل القضية الفلسطينية في خبرة الطلبة ووعيهم، كي لا تضيع مع انتهاء أجيال النكبة والنكسة والمقاومة، وحتى الهزيمة. والقصد بالتسجيل البدء بإعداد مناهج بمفاهيم الوعي العربي، لتسجيل أحداث القضية قبل تزييف وعي الأجيال.
يجب ان يعلم الجيل الجديد أن القضية الفلسطينية قضية حق في وجه الظلم، وهي قضية انسانية علاوة على ذلك وهي قضية العدالة والمساواة والكرامة، وأن تطور حياة الفلسطيني سيسهم في بناء الإنسانية، ويقلل من القيم السلبية والحروب والتوترات في العالم. وحين نطالب بحق الفلسطيني، فإننا نقف موقفًا إنسانيًا مع جميع الشعوب التي تعاني أو التي تبحث عن كرامتها.