وأوضحت الدهيبي: “وبالعودة إلى تاريخ وجود الماركات العالمية في بيروت، نجد أنها مرت بـ 3 محطات بارزة، وفق ما يشير يحيى قصعة رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان. ففي مرحلة التسعينيات، كانت شريحة واسعة من اللبنانيين تحتفل بدخول ماركة جديدة إلى البلاد، بعد أن غادر معظمها خلال الحرب الأهلية. وبين عامي 2000 و2005، أصبح لبنان رائدا في الشرق الأوسط، على مستوى ضم أهم العلامات التجارية العالمية.
ولاحقا، تقدمت دول خليجية عدة على الدور الريادي للبنان في هذا المجال دون أن يفقد ميزته الاستقطابية لهذه العلامات التي عززت القطاع الوحيد الذي كان يرتكز عليه الاقتصاد اللبناني، وهو السياحة والخدمات.
لكن منذ نهاية 2019، بدأت مرحلة جديدة من انتكاسة السوق اللبناني المتهالك، وما زالت مستمرة للأسوأ، مع بلوغ انسحاب الشركات العالمية مستويات خطرة.
في الشهور الأخيرة، أعلنت مجموعة كبيرة من أشهر العلامات التجارية، إقفال فروعها في لبنان، ومن بينها علامات تابعة لشركة “الشايع” الكويتية التي تمتلك نحو 90 من العلامات التجارية العالمية الأكثر شهرة، وكانت تضم على الأراضي اللبنانية 25 علامة تجارية، بعشرات الفروع، وتوظف آلاف الشباب اللبنانيين.
ورغم أن “الشايع” لم تخرج من السوق اللبناني، فإنها قلصت فروعها، كما أغلقت نهائيا علامات عدة من بينها “بينك بيري” (PinkBerry)، “أميركين إيغل” (American Eagle)، “فيكتوريا سيكرت” (Victorias Secret)، "كليرز" (Claire
s) وغيرها.
هجرة 42 علامة
يشير قصعة أن هناك 42 ماركة عالمية أقفلت فروعها في لبنان من تشرين الثاني 2019 حتى اليوم، تتراوح بين علامات ألبسة وأحذية ومستحضرات تجميل ومطاعم وغيرها، ويصف خروجها من السوق اللبناني بـ “الصدمة الكبيرة” رغم أن هذا المسار كان طبيعيا نتيجة الانحدار المتسارع للأوضاع على كافة المستويات.
ويعتبر قصعة -في تصريحاته أن وجود الماركات العالمية كان سابقا دليل عافية اقتصادية، ويأسف أن بعض العلامات التي هاجرت من لبنان كانت تملك ما لا يقل عن 12 فرعا موزعة على مختلف المناطق”.
وتابعت: “عام 2012، أجرت جمعية تراخيص الامتياز، وفق قصعة، إحصاء بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، حول عدد العلامات التجارية العالمية في لبنان، تبين أن هناك 1100 ماركة على الأراضي اللبنانية، تغطي المطاعم والأزياء والمجوهرات والأدوات وغيرها، 50% منها علامات تجارية لبنانية لديها فروع في الخارج، و50% أخرى ماركات أجنبية لديها فروع في هذا البلد. وبدءا من نهاية عام 2019، بدأ لبنان يحصي علامات أجنبية تخرج من أسواقه، دون دخول أي علامة أخرى.
انهيار
بدأ السوق اللبناني ينكمش منذ 2012، بحسب قصعة، لكن الانهيار الكبير الذي أصابه ترافق مع حركة الاحتجاجات التي عمت البلاد في تشرين الأول 2019، وما تبعها من تفشي وباء كورونا وانهيار اقتصادي، ووجود 3 أسعار لليرة مقابل الدولار، الأمر الذي وضع فروع الماركات العالمية أمام تحديات معقدة وصعبة في لبنان.
ويلفت قصعة إلى أن الخسائر التي مني بها قطاع الماركات في لبنان، خلال هذا العام، يوازي أضعاف الخسائر التي تراكمت في 7 سنوات خلت، في وقت تراجعت القدرة الشرائية لدى اللبنانيين لحدودها الدونية.
من جهته، يرى خبير الأسواق المالية دان قزي أنه -بعد استنزاف احتياطي مصرف لبنان المركزي بالعملة الصعبة، وهي مهددة بالنفاد- قد يكون إيجابيا إغلاق العلامات التجارية العالمية لفروعها في لبنان لجهة حصر مسارب استنفاد الدولار إلى الخارج في المدى القصير.
وقال قزي إن لبنان القائم على الاستيراد، وميزان المدفوعات فيه صار سلبيا، والأزمة لا تكمن بهجرة الماركات التي يمكن الحصول على قطعها من أي بلد في العالم، وإنما بغرق لبنان بالديون وعجزه عن تأمين الاكتفاء الذاتي في شتى القطاعات.
وكان انفجار مرفأ بيروت بمثابة ضربة في الصميم لهذا القطاع، لا سيما أن نحو 70% من محلات الفرنشايز (الامتياز التجاري) تقع في المنطقة المحيطة بالمرفأ، في وقت تراجع العمل بقطاع الألبسة والأزياء بنسبة تفوق 60%، وأصيبت الماركات العالمية الفخمة بتراجع تجاوز 70% في لبنان، على حد قول قصعة.
أسباب.. دوافع
ويشير ميشال أبشي، المدير العام لـ “سيتي مول” (أحد المولات في لبنان)، إلى أن إغلاق الماركات العالمية يشكل خطرا كبيرا على المولات في البلاد ومستوى عملها، وقد تراجع عدد روادها هذا العام لحدود 50%، كما يهدد استمرارية بعضها في المدى البعيد، لا سيما أن الماركات التي هاجرت لن تعود قريبا في ظل انعدام أي أفق لحل الأزمات في لبنان.
ويلخص دوافع هجرة الماركات العالمية بعدة أسباب مثل انخفاض المبيعات، لأن تدهور الليرة أدى لرفع أسعار السلع المستوردة، كما تعاني إدارات الماركات العالمية من أزمة الوصول إلى الدولار الذي شحّ في الأسواق وتعددت أسعاره.
وكل الاعتمادات المالية الموجودة بين المستورد المحلي والشركات الأجنبية قائمة على القطاع المصرفي، لكن هذه العلاقة دمرت بعد حجز المصارف للودائع بالعملات الصعبة، وشرط تحويل الأموال بالدولار لتأمين أموال نقدية (كاش) وهذا صار شبه مستحيل.
وخلافا للتجار اللبنانيين الذين يستطيعون التعامل مع السوق وتقلبات الليرة وشراء الدولار ولو بطرق غير قانونية، فإن الشركات العالمية غير قادرة على الاندماج بهذا النمط من التعامل الذي يحكمه التقلب والتحايل وعدم الاستقرار.
ويقول أبشي إن انهيار السوق اللبناني لم يأتِ فجأة، وإنما نتيجة تراكم سنوات من سوء الإدارة وعدم إقدام السلطات الرسمية على تقييم حقيقي لتداعيات الأزمة الاقتصادية والمصرفية، مما أدى للعجز عن إيجاد حلٍ ولو كان مؤقتا.
وفي وقت يتقلص حجم الاستيراد، لا يملك لبنان مقومات الصناعة، وفق أبشي، ويتوقع أن تتصاعد هجرة العلامات التجارية العالمية وإغلاق المحلية في آنٍ معا، إذا استمر الانهيار الأشهر المقبلة”.