مريم مجدولين لحام-نداء الوطن
“إذا كان اليوم ينتمي إلى “الميليشيات” والفساد… فغداً ستنتصر رؤية الشعب والسيادة”، بهذه الكلمات إختار أن يبدأ الحوار. فما الذي دفع الشيخ بهاء الحريري لدخول المشهد السياسي اللبناني بعد خمسة عشر عاماً من استشهاد رفيق الحريري؟ وهل كانت الصورة ستختلف اليوم لو تولّى الإبن البكر مكان والده في العام 2005؟
جاء رده التلقائي عفوياً: “أنا لا ادخل المشهد السياسي. ما أسعى إليه بصفتي لبنانيًا ملتزمًا بشدة تجاه بلده هو دعم من يسعون إلى التغيير الإيجابي وإلى طرح بديلٍ يليق بمطالب الناس ويحاكي أوجاعهم بعيداً عن العراضات والاستعراضات. لبنان اليوم في حالة انهيار اقتصادي، ومنظومة الدولة أثبتت فشلها في مختلف الملفات، وعلى مقاربة السياسيين لمطالب الناس أن تختلف، فلا يمكن أن يدور الشعب في حلقة مفرغة. طالب الناس بالتغيير بكل وضوح، ولا بد من أن يستمع السياسيون إلى مطالبهم”.
ويكمل: “لست سياسيًا ولا أسعى لأكون رجل سياسة. ركزت على مجال الأعمال طوال العقدين الماضيين ولكن أعتقد أنني أستطيع أن ألعب دورًا فعالاً وإيجابيًا في دعم كل من يسعى إلى التغيير”.
وهل يرى انّ “إرث” رفيق الحريري، الرجل الذي أعطى منصب رئاسة الوزراء بعداً إقليمياً ودولياً ووطنياً لا يزال حاضراً أم ان الأداء المتعثر للوريث السياسي أضعف منصب رئاسة الحكومة؟ قال: “أولاً أنا على يقين أن أبناء لبنان من جميع الطوائف، ومختلف التوجهات، يحترمون الشهيد رفيق الحريري على الدور الذي لعبه في إنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء لبنان وانتشاله من حالة الدمار. ثانياً، أعتبر أنّ كل المناصب في الدولة، فقدت من قيمتها فهي مقيّدة القرار لصالح حزب الله. وإذا كان للبنان أن يأخذ مكانه الصحيح بين المجتمع الدولي، فعلى القيادة الحالية، التي تتحمل مسؤولية الإنهيار الحالي للبنان، أن ترحل. رأينا إلى أين قادنا أمراء الحرب، قادونا إلى الخراب الاقتصادي وعدم الاستقرار والفساد وسيناريو المعاناة المتواصل للشعب. نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي ودائم بعيد عن الخطابات التي لا تقدّم أو تؤخّر. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت لدينا حكومة إنتقالية غير خاضعة لأي دين أو حزب أو جماعة بعينها، ولديها الوسائل لإعادة بناء البلد. وهذا ليس خياراً بل هو واجب يجب أن يُنفّذ!”
عقوبات وسلاح
وعن موقفه من “العقوبات الأميركية” خصوصا اذا وجهت الى احد افراد عائلة الحريري، قال: “لم أطلع على المعلومات الخاصة بالتهم الموجهة إلى أي من أولئك الذين عاقبتهم حكومة الولايات المتحدة. ولكن ما يمكنني قوله في هذا الشق، هو أنني أرحب بإجراءات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمحاسبة أي من المسؤولين عن الفساد ومخالفة القانون الدولي أياً كان، فلبنان لن يكون مرتعاً للفساد أو ساحة حرب للآخرين”.
كيف لبهاء الحريري المعادي للسلاح غير الشرعي أن يفرض رؤيته السياسية التغييرية والخطاب العلماني اللاطائفي في ظل سطوة السلاح وفائض القوة وهو ما أفشل المبادرة الفرنسية؟
قبل أن يجيب على السؤال، ضحك واستعاد صور طرابلس تغني النبطية، وصور تحيي جل الديب، وبيروت ترسل حباً للجنوب، معتبراً أنه في الحقيقة موهوم من يقتنع بأن أحداً ما يريد إقصاء أحد، الجميع يريد إقصاء الفساد ووقف استنزاف الموارد، والغالبية تريد أن تعيش في وطن آمن لا يحكمه السلاح غير الشرعي ولا يهدّده التوسع الإيراني. ولكن هذا أسلوب الترهيب الذي يريدون إقناع الناس به، أن هناك طائفة تريد إقصاء أخرى. هناك مشروع ايراني يسعى إليه حزب الله يريد ابتلاع الجميع، ولا يأبه لمصلحة أحد. فالمواد المدعومة التي تهرّب على الحدود ليست للسنة والمسيحيين فحسب، بل هي للجميع. والكهرباء ليست مقطوعة في منطقة معينة دون أخرى. وعلى أي حال الشيعة كالسنة والمسيحيين في لبنان هم جزء حيوي ومهم من بلادنا ومن المهين أن يطرح الثنائي الشيعي بعد 17 تشرين هكذا طروحات. من الضروري أن يشترك الشيعة كغيرهم بالكامل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان والاعتدال سيد الموقف. ما نطالب به هو أن تلقي الميليشيات أسلحتها وتنقلها إلى الدولة اللبنانية، وأن يسلّم أمراء الحرب مقاليد الحكم للآخرين غير الفاسدين والملتزمين بإعادة بناء البلاد”.
وهل يقبل أو يطرح نفسه بديلاً قادراً على تشكيل حكومة من المستقلين من خارج المنظومة السياسية بدعمٍ مباشر من الرئيس بايدن والخليج؟ أجاب:”، أرفض أن أفرض نفسي قائداً “طبيعياً” لرئاسة الحكومة. أوضحت في مناسبات عدّة أنني لا أطمح إلى تولي منصب رئيس الوزراء، بل أرى دوري في دعم أي مجموعة تسعى للتغيير الحقيقي، وأنا جاهز لتقديم كل ما بوسعي للمساعدة في تحقيق حلم إصلاح النظام واستعادة لبنان القوي. بابي مفتوح لتوحيد المجموعات أو القوى السياسية الملتزمة إعادة بناء لبنان.
وعن ملف التفاوض مع العدو الإسرائلي، أعلن بهاء الحريري صراحة أنه “غير مقتنع بقدرة رئيس الجمهورية، وقبله رئيس مجلس النواب، على إدارة الملف بالشكل الذي يضمن مصلحة الدولة اللبنانية، إذ وفق رأيه “كلّ من الرئيس ورئيس مجلس النواب يسعيان للدفاع عن مصالح حزب الله الإيراني ويجب أن “نبحث عن حلّ لهذا الأمر بطريقة تضمن مصلحة كل اللبنانيين بملف الحدود والنفط”.
أما بالنسبة الى الدور التركي في لبنان، فقال إنّ “تركيا قوة إقليمية وفاعلة، ونسعى إلى إقامة علاقات طيبة وإيجابية معها لما يربطنا بها من علاقات وثيقة، لكن يتوقف الأمر عند تلك العلاقات الديبلوماسية الطبيعية بين لبنان وأي بلد آخر، ويجب أن يكون لبنان دولة حيادية كما قال البطريرك الماروني بوضوح ونحن ندعمه في ذلك. لا نعتقد أن للبنان المصلحة في أن يميّز تركيا دون غيرها مثلاً”.
هل يمكن أن يصطدم مشروعك السياسي الذي ستتطرحه في نهاية العام بمشروع شقيقك؟ وهل نشهد المزيد من الشرذمة داخل الشارع السني؟ يجيب: ليس في نيتي في الوقت الحاضر إنشاء حزب سياسي، ولا إنشاء حزب سني على وجه التحديد. اسعى إلى الإصطدام مع أي مشروع يغطي على الفساد أو قائم على مجموعة دينية دون أخرى. رسالة الناس في الساحات كانت واضحة وضوح الشمس. الناس تريد التحرر من قيود طائفية استنزفت طاقاتهم، وتريد حتماً الإتحاد وليس الشرذمة. بالتالي إنّ الطرح الذي يمثلني هو الجمع بين الأشخاص المعارضين للقيادة السياسية الحالية وأمراء الحرب الفاسدين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية التي لا تعنيني. ما أطمح إليه فعلياً هو قيام بلدٍ لاطائفي، وحكومة كفاءات فعلية لا كفاءات دينية ولا كفاءات حزبية. وعلى هذه الحكومة أن تمثل جميع اللبنانيين”.
وختاماً، وبما أنّ البعض يدعو إلى عقدٍ اجتماعي جديد، يتساءل: وهل طبقوا الطائف أساساً؟ أخذوا منه القشور ليس إلا. ففي صلب الطائف إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي ينبغي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، ولم يتحقق ذلك… ويتابع: “ماذا عن الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً؟ ماذا عن العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة عبر الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي؟ ماذا عن أن أرض لبنان لكلّ اللبنانيين، فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين. هل هذا فعلاً ما يطبّق في لبنان؟ أم أن الشعب، مقسوم عن قصدٍ أو غير قصد؟ إذا أردت التحدث في كلّ النقاط لن نتوقّف عن الكلام… خلاصة الأمر برأيي هو أنّ تطبيق اتفاق الطائف بشكلٍ جدي، هو السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدماً في لبنان، خصوصاً أنه تمّ بالفعل التفاوض والاتفاق عليه من جميع الأطراف وبالتالي ليس لبنان بحاجة ٍ إلى التفاوض على اتفاقية أخرى تحت أي ضغط. حان وقت العمل فقد شبع الناس من النظريات”!