الصواريخ والطائرات المسيرة: حدود القوة والتغيير “التكنولوجيا مجرد طريقة أسرع لصنع أمور جاهلة”

التغيير الذي أحدثته الصواريخ والطائرات المسيرة على أهميته محدود النتائج (رويترز)

قبل عقود، أصدر بنيامين نتنياهو كتاب “مكان بين الأمم”، وكان هاجسه التركيز على أمرين لمستقبل إسرائيل، أولهما، “ليس صحيحاً أن عصر الصواريخ ألغى الجغرافيا، لأنها لا تحتل الأرض”، وثانيهما “أن إسرائيل قادرة على مواجهة الديموغرافيا التي يراهن عليها الفلسطينيون”. كان على خطأ في الأمرين، فالصواريخ ثم الطائرات المسيّرة أحدثت تغييراً مهماً في الاستراتيجيات العسكرية، والنمو الديموغرافي الفلسطيني هو أكثر ما يقلق تل أبيب. قبل أشهر نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالاً لثلاثة من أساتذة العلوم السياسية مختلفون فيه على أمور كثيرة، ومتفقون على أمر كبير، “الاستراتيجية العظمى كثيرة الكلفة وغير بنّاءة”. وما ركز عليه دانيال درزنز، ورونالد كريبس، وزاندال شويلر، أن “القوة في السياسة الكونية لم تعد على ما كانت عليه. قدرة الدول على ممارسة القوة وطريقتها والإهداف من استخدامها تغيرت جوهرياً. صارت اليوم للإعاقة وسد الطريق، ولم تعد تشتري النفوذ كالماضي”.

الاستراتيجيات العظمى

من الصعب تصور أميركا والصين وروسيا متخيلة عن الاستراتيجيات العظمى، وهي تخوض منافسات ومعارك جيوسياسية وجيواقتصادية. ومن السهل رؤية ما يحدث في الواقع: اقتصادات الدول الكبرى تنوء بأعباء استراتيجيات كثيرة الكلفة، وإمكانات الدول المتوسطة والصغيرة، ومعها الميليشيات، تقود إلى ممارسة هذه الاستراتيجيات الرخيصة. فلا الصواريخ بقيت حكراً على الكبار، ولا الطائرات المسيّرة، وتطور الأولى في كوريا الشمالية دفع اليابان، بعد 75 عاماً من الحرب العالمية الثانية والتزام اللا عنف ومعارضة الحرب، إلى التفكير في شراء منظومات قادرة على تدمير هذه الصواريخ المعادية في مواقعها إذا كانت على وشك التعرض للتهديد. و”النموذج القديم للتحالف الأميركي – الياباني، حيث الأخيرة ترتدي الدرع وتستضيف السيف الأميركي، انكسر “كما يقول إوان غراهام من “مركز أمن آسيا -الباسيفيك في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة”. والطائرات المسيّرة التي كانت أميركا الرائدة في استخدامها ضد الارهابيين في أفغانستان واليمن وأفريقيا هي الآن سلاح في يد الحوثيين يستخدمونه ضد السعودية وفي يد الأذريين والأرمن المتصارعين في قره باغ على الجغرافيا والتاريخ.

إيران تكاد تصبح الدولة الأولى في إنتاج الصواريخ، و”حزب الله” في لبنان يملك ترسانة هائلة منها يصل مداها إلى “ما بعد بعد حيفا” وتقود إلى الردع المتبادل مع إسرائيل، ولـ “حماس” و”الجهاد الاسلامي” الأمر ذاته في غزة، حيث تل أبيب في مرمى الصواريخ. وليس ما أحدث تبدلاً في موازين القوى في حرب ليبيا سوى الدور التركي والمرتزقة الذين أرسلهم أردوغان والطائرات المسيّرة التي ينتجها مصنع يملكه صهره.

تأثير محدود

التغيير الذي أحدثته الصواريخ والطائرات المسيرة يبقى، على أهميته، محدوداً في النتائج، فالصواريخ تردع وتدمّر وتبقى الأرض محتلة من دون عمليات مشاة، والطائرات المسيّرة تؤذي إن لم تفجرها الصواريخ المضادة في الجو، فضلاً عن أن المقاومة باتت تستسهل إطلاق الصواريخ عن بعد كبديل من عمليات المقاومة النوعية، وأيضاً الردع شيء والانتصار عبر تحرير الأرض شيء آخر، إلا إذا صار مفهوم النصر هو البقاء على قيد الحياة ومنع الهزيمة الكاملة.

المسألة في النهاية أبعد من الصواريخ والطائرات المسيّرة، والسؤال: إلى أيّ حد يمكن الاستمرار في معادلة: صواريخ حديثة وأفكار قديمة، وماذا عن التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تريد فرض أفكارها المتخلفة بالفؤوس والسواطير والسكاكين؟ حتى تحرير الأرض، إذا حدث، فإنه يبقى ناقصاً من دون تحرر وطني واجتماعي، والمفاخرة في إيران بالصواريخ لم تمنع نائباً في مجلس الشورى من القول: لدينا صواريخ حديثة، لكن أين الدجاج والبيض؟ ألم يقل الإمام الخميني لمن شكا إليه ارتفاع الأسعار، “هذه الثورة لم تكن حول سعر البطيخ؟”.

ألدوس هكسلي يقول، “التكنولوجيا مجرد طريقة أسرع لصنع أمور جاهلة”، وأخطر ما نفعله استخدام التكنولوجيا العسكرية المتطورة في خدمة الأفكار المتحجّرة ما يؤكد نظرية هكسلي.

Exit mobile version