كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: لا حكومة في الأفق اللبناني، وكل ما يُطرح من عراقيل داخلية هي بمثابة لعب في الوقت الضائع الأميركي، بدءا من الخلافات المستحكمة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل الذي شكا همّه أمس الى الرئيس الفرنسي، مرورا بما بات يُعرف بعقدة تسمية الوزراء المسيحيين، وصولا الى تدخل البطريرك بشارة الراعي الى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون وتحميله الحريري بطريقة غير مباشرة مسؤولية التعطيل في محاولة لزيادة الضغط عليه، إضافة الى التجاذبات حول التدقيق الجنائي وقانون الانتخابات، وإطلاق المبادرة الانقاذية في نقابة المحامين، في وقت تؤكد فيه كل المعطيات بأن كل ما يحصل لن يبدل من المشهد السياسي شيئا لأن العقدة الأساسية تكمن وراء البحار.
لبنان المأزوم في منطقة لا تغادرها الأزمات، يجعل فرص الحلول فيه مرتبطة الى حد بعيد بأزمات المنطقة المفتوحة على كل الاحتمالات، من التصعيد الاسرائيلي في سوريا، الى تطورات الوضع في اليمن، الى الاستحقاقات العراقية، وهذا بالطبع لن يكون عاملا مساعدا على الحل في لبنان، بل على العكس فإنه يساهم في تأزيم الواقع السياسي معطوفا على الضغط الاجتماعي والاقتصادي والمالي.
لقاء عاصف بين ماكرون وبومبيو
بات معلوما أن الادارة الأميركية لا تريد حكومة في لبنان، وهي تعمل كل ما في وسعها لقطع الطريق على المبادرة الفرنسية التي باتت بحكم المجمّدة، خصوصا بعد التطورات التي شهدتها فرنسا في هذا الملف عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
تقول المعلومات المتوفرة إن بومبيو إلتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الاليزيه بعيدا عن الاعلام، ولم يصدر عن الرئاسة الفرنسية أي بيان حول هذا اللقاء الذي وبحسب المعلومات كان عاصفا، وفاشلا، حيث أكد بومبيو “إصرار أميركا على عدم تشكيل حكومة في لبنان”، في حين قال ماكرون “إن الادارة الأميركية الحالية ستغادر بعد نحو شهرين وستسلم الادارة الجديدة برئاسة جو بايدن، فلنمرر في هذا الوقت الحكومة في لبنان لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة”، لكن بومبيو أصر على موقف إدارته.
عشاء بومبيو مع شخصيات لبنانية
وتؤكد هذه المعلومات، أن السفيرة الأميركية في فرنسا جايمس ماكروت أقامت حفل عشاء على شرف بومبيو دعت إليه لبنانيين مقيمين في فرنسا من إنتماءات وتوجهات مختلفة، وقد أبلغهم بومبيو بأن لا حكومة قريبة في لبنان، وإذا كان لا بد من حكومة فممنوع على حزب الله وجبران باسيل أن يشاركا أو يتمثلا فيها.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل قامت السفيرة ماكروت بزيارة سفير لبنان في فرنسا رامي عدوان عشية عيد الاستقلال، وأبلغته ما أبلغ بومبيو الشخصيات اللبنانية خلال العشاء، وزادت عليه بأن من يشكل حكومة مع حزب الله سيخضع لعقوبات أميركية.
إستدعاء سلامة الى فرنسا
وبالتزامن، فقد أبلغت السفير الأميركية دورثي شيا الرئيس الحريري بالتوجهات الأميركية، كما تم دعوة حاكم مصرف لبنان الى باريس، والطلب منه بتخفيض الاحتياطي العام الى 15 مليار دولار بدلا من 17 مليار، وأن يتصرف بملياري دولار في تأمين الدعم اللازم للدواء والمواد الأساسية لغاية شهر شباط حيث يمكن للحكومة أن تبصر النور.
وما يزيد الطين بلة، هو الخلاف المستجد حول ترسيم الحدود الذي يبدو أنه يتجه نحو الفشل مع رفض لبنان التخلي عن أي جزء من حدوده لاسرائيل الأمر الذي يزعج الأميركيين وقد نقلت السفيرة شيا هذا الانزعاج الى رئيس الجمهورية، مؤكدة بإسم إدارتها بأن لبنان أخل بالاتفاق الذي حصل.
الحكومة تنتظر بايدن
كل ذلك يؤكد أن تشكيل الحكومة يرتبط بدخول جو بايدن الى البيت الأبيض، ما دفع الرئيس الحريري الى تجميد حركته بإنتظار تمرير هذه المرحلة الصعبة مما تبقى من ولاية ترامب، خصوصا أن العقوبات الأميركية التي يمكن أن تفرض وفقا لقانون ماغنيتسكي سيكون من الصعب على الادارة الجديدة إزالتها.
بات واضحا أن المنطقة برمتها تنتظر وصول جو بايدن الى سدة الحكم، خصوصا أن كل المعطيات تؤكد أن ثمة عناوين عريضة لتفاهمات بدأت تبرم معه وتهدف الى تخفيف الاحتقان في المنطقة لا سيما على الصعيد الأميركي ـ الايراني، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على لبنان.
جنون ترامب
في هذا الاطار، تقول مصادر مطلعة: على كل المعنيين أن يحرصوا على التخفيف من حدة مواقفهم السياسية، لأن الأشهر المقبلة ستكون مفصلية بين جنون ترامب على قاعدة “يا رايح كتر قبايح”، وبين رصانة بايدن الذي يتطلع كثيرون الى أن ينطلق عهده بانفراجات في المنطقة، سيكون منها تشكيل حكومة في لبنان تبدأ بتنفيذ خطة إنقاذية بات الشعب البناني بأمس الحاجة إليها.