كلّ المعطيات العلنية والسرية لدى الأوساط السياسية والدبلوماسية والأمنية في بيروت وفي بعض العواصم الإقليمية والدولية تشير إلى أنّ الأسابيع المقبلة، حتّى موعد استلام الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الإدارة الأميركية الجديدة، ستكون حافلة بالتطوّرات السياسية والأمنية والعسكرية، مع احتمال تطوّر الأوضاع إلى حرب صغيرة أو شاملة. وقد تكون الأحداث محصورة بساحة معيّنة في بلد ما، ولكن قد تمتدّ أيضاً إلى ساحات أخرى، بحسب حجم التطوّرات وردود الفعل عليها.
هل تعني هذه المعطيات أنّ الحرب الكبرى واقعة لا محالة؟ ام أننا قد نكون أمام مواجهات محدودة أو ضغوط سياسية واقتصادية؟ أم نشهد أحداثاً أمنية متنقّلة في دول المنطقة من بيروت حتّى أفغانستان مروراً باليمن ودول الخليج العربي؟
المصادر المطلعة على أجواء ما يحدث (من محور المقاومة ومن مصادر على صلة بجهات أميركية فاعلة) تقول إنّ الأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالتطوّرات، وإنّ جميع الاطراف تستعدّ لكل الخيارات المحتملة عسكرياً وأمنياً وسياسياً، والمخاوف قائمة لدى الجميع. لكن على الرغم من ذلك، لا يمكن الجزم بأنّنا نتجه إلى حرب واسعة وشاملة لأن الجميع يتخوّف من انزلاق الأوضاع نحو الحرب الكبرى. لكن في الوقت نفسه، لا أحد يستطيع ضبط الأفعال وردودها، ما يجعل الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
مصادر إيرانية مطلعة تؤكد أنّ المخاوف من حصول عمليات اغتيال في دول المنطقة أو حصول هجمات عسكرية وأمنية وسيبرانية على مواقع عسكرية أو نووية أو منشأت حيوية، هي أمر وارد في الحسبان، وأنّ دول وقوى محور المقاومة تستعد لكل الاحتمالات. وإذا اتخذ الأميركيون أو الإسرائيليون أيّ قرار بالهجوم، فالردّ سيكون جاهزاً، وقد لا يقتصر على جبهة واحدة، بل قد يشمل أكثر من جبهة.
في المقابل، تقول مصادر دبلوماسية غربية في بيروت إنّ الأسابيع المقبلة قد تشهد المزيد من الضغوط الأميركية على إيران وحلفائها في المنطقة، وإنّ كلّ الخيارات موضوعة على الطاولة بما فيها احتمال حصول عمل عسكري كبير. وإذا كان هناك حرص أميركي على عدم الاصطدام الشامل والواسع والمباشر مع إيران، فإن ذلك لا يلغي خيار القيام بعمليات عسكرية محدودة في دول المنطقة، وهو ما حصل مرتين خلال أسبوع على الجبهة السورية. وإنّ هناك احتمالاً كبيراً بأن تتطوّر الأوضاع إلى عمل عسكري كبير يستهدف حزب الله ولبنان، وأنه يجب أخذ هذه المعطيات بشكل جدّي.
وعلى ما نشر الصحافي القريب من حزب الله، ابراهيم بيرم، في جريدة “النهار” أمس، فإنّ “حزب الله يبدو عازماً على تنفيذ هدف لم يعد خافياً، وهو التمركز عسكريا بثبات دائم على تخوم هضبة الجولان”، في حين أنّ “إسرائيل رمت منشورات تحريضية ضدّه بعد اكتشافها أن زرع حقل ألغام داخل الهضة المحتلّة… وبادرت بعد ساعات من إعلان الاكتشاف إلى تنفيذ سلسلة غارات جوية على مواقع للجيش السوري والحرس الثوري في محيط دمشق”.
على ضوء هذه المعطيات المتبادلة بين أكثر من جهة، وفي ظلّ حرص جميع الأطراف المعنية على استعراض قواتها العسكرية، وإطلاق التهديدات والتحذيرات المتبادلة، فإن ذلك يجعل احتمال التصعيد الشامل أمراً وارداً، لكنّه أمر غير محسوم، لأن جميع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية تشعر بالخوف الكبير من انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة وكبيرة لا يمكن التكهّن بنتائجها.
هذه المعطيات تؤكد على ضرورة الحذر والانتباه والاستعداد لكل الاحتمالات والخيارات، لأنّه حتّى لو لم يحصل تصعيد عسكري أو أمني، فإنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمالية والاجتماعية ستزداد صعوبة خلال الشهرين المقبلين، ما قد يؤدي إلى توترات أمنية في كلّ المناطق اللبنانية. وقد بدأنا نشهد بعضاً من هذه الأحداث في عدد من المناطق اللبنانية، كذلك أجواء التوتر المستمرة على الحدود الجنوبية، وإقليمياً، التصعيد العسكري على أكثر من جبهة.
حالة الترقّب في الأسابيع المقبلة تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير. والأحداث والتطوّرات المتسارعة في أكثر من اتجاه تؤكد على ذلك اليوم قبل الغد. وإنّ كلّ ذلك لا يعني أنّ الحرب واقعة لا محالة. لكن الاستعداد للأسوأ قد يمنع الحرب من أن تحصل في كثير من الأحيان بحسب القواعد الأمنية والعسكرية المعروفة.