كيف حذفت أسماء رؤساء الحكومات من رسالة القاضي صوان إلى مجلس النواب؟
ملاك عقيل – أساس ميديا
نصيحة من “وسيط وصاحب تجربة”، دفعت المحقّق العدلي القاضي فادي صوان إلى حذفِ عبارة من نصّ الرسالة التي أرسلها إلى مجلس النواب عبر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، التي طلب خلالها منه اتّخاذ ما يراه مناسباً في شأن مسؤولية بعض الوزراء عن إهمال وتقصير أدّيا إلى وقوع انفجار مرفأ بيروت.
فالرسالة بنصّها الأصلي ذكرت بالاسم رؤساء حكومات سابقين هم نجيب ميقاتي، وتمام سلام، وسعد الحريري، وحسان دياب، اعتبر القاضي صوان أنّ مجلس النواب عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو صاحب الصلاحية في تبيان مدى مسؤوليتهم حيال انفجار 4 آب.
لكنّ صوان اكتفى بالطلب من مجلس النواب التحقيق مع وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، ووزراء الأشغال السابقين غازي العريضي، وغازي زعيتر، ويوسف فنيانوس، ووزير المال الحالي غازي وزني، والسابق علي حسن خليل، ووزيرة العدل ماري – كلود نجم، ووزراء العدل السابقين أشرف ريفي، وسليم جريصاتي، وألبيرت سرحان، كاشفاً أنّ التحقيقات التي أجراها مع وزراء حاليين وسابقين أفضت إلى شبهات حول مسؤولية الوزراء وتقصيرهم.
لأكثر من سبب، حيّد صوان رؤساء الحكومات السابقين، أوّلاً لتداعيات ذلك على المستوى السياسي، وثانياً لاكتفاء المحقّق العدلي بالاستماع فقط إلى إفادة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بعد انتقاله شخصياً إلى السراي، فيما لم يفعل ذلك مع ميقاتي، وسلام، والحريري.
ولذا، لم يكن منطقياً، برأي مطلعين، أن يطلب من مجلس النواب التحقيق في تقصير هؤلاء في حين أنّ صوان لم يستمع إليهم أصلاً.
وبحسب تأكيد مطّلعين، فقد أخفق صوّان في وضع القطار على سكتّه الصحيحة مع أنّه يضع في حساباته الضغط الذي يتعرّض له من أهالي ضحايا انفجار المرفأ والرأي العام الذي ينتظر بالحدّ الأدنى محاسبة من “أكبر رأس” ونزولاً، وليس الاكتفاء بتوجيه تهمة التقصير لموظفين صغار، إداريين كانوا أم أمنيين.
ويؤكد مصدر قضائي بارز في هذا السياق أنّه “لم يكن هناك أيّ عائق يحول دون استماع صوان إلى كافة رؤساء الحكومات من دون أخذ الإشارة أو الإذن من أحد، لا مدّعي عام التميييز ولا رئيس مجلس القضاء الأعلى. هو مطلق الصلاحية وغير مقيّد من أيّ مرجع قضائي. وبناءً على إفاداتهم، يراسل مجلس النواب ليتّخذ الإجراء اللازم. كما كان يمكن له أن يدّعي على الوزراء موضع الشبهات، ويحيل الادّعاء إلى مجلس النواب لا رمي المسؤولية على مجلس لن يُحاسِب، ولن يفتح تحقيقاً برلمانياً، ولن يقوم باللازم منه لإحياء عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء… وإن “بُعِث” المجلس الأعلى من تحت الركام، وتمّ تعيين قضاته، سيبقى الأمر محتاجاً إلى “معجزة”، وهي موافقة تأمين ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب لإدانة أيّ رئيس حكومة أو وزير”.
عملياً، تجربة الوزير الأسبق شاهيه برصوميان لا توحي بأن الطبقة الحاكمة من “يَوم يومها” قد تدخِل هدفاً في مرماها وتسمح للقضاء بمحاكمة سياسي من جلدِها. تسجيل سابقة في هذا السياق يشكّل كابوساً للطبقة السياسية. والنتيجة، أنّ المحاسبة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء متعذّرة سياسياً وقانونياً.
الوزير برصوميان الذي اتّهم في عهد الرئيس إميل لحود ببيع رواسب نفطية وجني أرباح غير مشروعة، لوحق بداية أمام القضاء العادي عام 1999، ثم أصدرت محكمة التمييز الجزائية قراراً بصلاحية القضاء العادي النظر في ملاحقة برصوميان. وعلى أساس ذلك، سُجن الرجل 11 شهراً من دون محاكمة.
وبعد خمس سنوات، وضع مجلس النواب يده على الملف عبر لجنة تحقيق نيابية، على اعتبار أنّه المرجع المختصّ للملاحقة من خلال “المجلس الاعلى”، وذلك بعد الأخذ باجتهاد محكمة الجنايات التي أصدرت قراراً في كانون الأول 2002، بعدم صلاحية القضاء العدلي النظر في قضية مرتبطة بالإخلال بالواجبات الوظيفية المنصوص عليها في المادة 70 من الدستور.
وتنصّ المادة 70 من الدستور على أنّ “لمجلس النواب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس”. أما المادة 71، فتفيد بأنّ “المتھم يُحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
وعام 2005، اجتمع مجلس النواب مجدّداً، وناقش تقرير لجنة التحقيق النيابية التي اعتبرت أنّ الافعال المنسوبة إلى برصوميان غير ثابتة، ولا مبرّر قانونياً لاتهامه أو ملاحقته. فتقرّر طيّ الملف، وتبرئته بأكثرية أصوات مجلس النواب!
33 شخصاً حتّى الآن مدّعى عليهم في قضية انفجار المرفأ، بينهم قادة أمنيون وعسكريون، فيما يرجّح أن يرتفع عدد الموقوفين في القضية الى 27. لكن لا أفق حتّى الآن للقضية.
المؤكّد أنّ صوان قبِل مهمّة رفضها قضاة آخرون بسبب صعوبة تحقيق العدالة على مستويين: نظام فاسد يُبدِع في حماية رجالاته حتى لو كانت الجريمة على مستوى “انفجار عاصمة”، فلا تتعدّى المحاسبة عتبة الموظفين الصغار، ولأنّ تطبيق القانون في حالة انفجار المرفأ يعني الاكتفاء باتهام بالإهمال الوظيفي والتقصير والتقاعس، في حال عدم توفر النية الجرمية أو القصد الجرمي، وهو الأمر المثبّت حتى الآن.
يعترف أحد القضاة البارزين أنّ “هذا النوع من الملفات لا يصل إلى مكان، لأنّ تحقيق العدالة فيها لا يرضي سوى من يعرف في سرّه أنه ساهم في الجريمة، وإن عن غير قصد، والنظام جاهز لحمايته”.
ويشير إلى “عوائق أخرى منعت بعد نحو أربعة أشهر من انفجار المرفأ تكوين صورة شاملة لسبب الانفجار، ومنها عدم تسلّم القاضي صوان حتى الآن رسمياً تقرير الخبراء الفرنسيين الذين حقّقوا في الجريمة واكتفوا بتقديم استنتاجات أوّلية قبل مغادرتهم بيروت”.
مع ذلك، تؤكّد المعطيات أنّ مسؤولية صوان مضاعفة في تحميل الرؤوس الكبيرة المسؤولية إضافة إلى المسؤولين الآخرين، وذلك بسبب استبعاد فرضية العمل الإجرامي المقصود، كذلك فرضية الإرهاب. فقد تقاطعت المعطيات لدى خبراء الـ FBI مع تقرير واستنتاجات “شعبة المعلومات” لناحية إمكانية حصول هذا الانفجار الهائل ربطاً بتسلسل الأحداث من تخزين كميات نيترات الأمونيوم على مدى سنوات، ووجود المواد القابلة للاشتعال بجانبها وصولاً إلى ما حدث في اليوم السابق للمأساة ويوم الانفجار من عمليات تلحيم قادت إلى الانفجار الأول ثم الثاني.
ومن جهة أخرى، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI رسمياً، أنّه لم يتوصل إلى نتيجة قاطعة في شأن أسباب الانفجار، ولا بد من توجيه المزيد من الأسئلة للسلطات اللبنانية.
كما سبق لوزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق إن أشار الى “تواطؤ أميركي – اسرائيلي – لبناني لتضييع التحقيق في انفجار المرفأ”، مشيراً الى أنّ “الصور الجوية لم تصل منذ اغتيال رفيق الحريري حتى الآن. فكيف ستصل صور الانفجار من فرنسا أو أميركا”؟
وأصلاً، سواء كان الانفجار نتيجة “الإهمال والحظ السيء”، أو كان عملاً مقصوداً، تبقى المسؤولية الأولى، أخلاقياً وقانونياً، على من سَمح بإهماله في تجميع مكوّنات قنبلة وتخزينها في بقعة واحدة قرب منطقة مكتظّة سكنية، ما أدّى إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات في تاريخ البشرية.