على الرغم من مُرور أكثر من شهر كامل على تكليف رئيس «تيّار المُستقبل» النائب سعد الحريري مهمّة تأليف الحُكومة، فإنّ هذه الحُكومة الإصلاحيّة والإنقاذيّة المَوعودة لم تُولد بعد. فما هي العوائق الحقيقية أمام عمليّة التشكيل؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة، إنّ الضُغوط لمنع تمثيل «حزب الله» في الحُكومة – ولوّ بشكل غير مُباشر، وكذلك لمنع حُصوله على بعض الوزارات الحسّاسة، تُعيق التشكيل. والضُغوط الدَولية لجعل لبنان يرضخ لبعض المطالب السياسيّة غير مخفيّة أيضًا، وهي تتسبّب بإستبعاد بعض الأسماء المُرشّحة وبمُحاولة فرض أسماء أخرى. والخلافات الداخليّة بشأن توزيع بعض الوزارات السياديّة والخدماتيّة، تؤخّر بدورها التشكيل، في حين أنّ النزاع الدُستوري بين رئيس الجُمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، بشأن الحقّ في تسمية الوزراء، وتحديدًا المسيحيّين منهم، يُمثّل مزيدًا من العراقيل أمام ولادة سريعة للحكومة، إلخ. وأضافت أنّ كلّ ما سبق حقيقي، وقد حال دون تشكيل حُكومة جديدة حتى تاريخه، لكنّ العقدة الكُبرى المَخفيّة أمام مساعي التشكيل، تتمثّل في مسألة التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان كلّها، ومن دون أيّ إستثناءات.
وأشارت الأوساط السياسيّة نفسها، والتي تُعتبر قريبة سياسيًا من «التيّار الأزرق»، إلى أنّ هذا الملفّ لا يرتبط بمسألة رفع السريّة المَصرفيّة من عدمه، بل بنهج مالي كامل عُمره ثلاثة عُقود. وأوضحت أنّ رئيس الحكومة المُكلّف وصلته مُعطيات مَلموسة ومُتقاطعة، من أنّ الهدف من التدقيق الجنائي ليس كشف سرقة في صفقة هنا أو فساد في مشروع هناك، بل مُحاكمة النهج المالي لما يُسمّى «الحريريّة السياسيّة»، وذلك منذ ثلاثة عُقود حتى تاريخه، ومن ثمّ تحميل حُكومات الحريري الأب، وحُكومات الحريري الإبن، إن تلك برئاسة الشيخ سعد شخصيًا أو تلك التي حازت على مُباركته، مسؤوليّة الإنهيار المالي الذي ضرب لبنان. وتابعت أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف عازم على إفشال هذا المُخَطّط، وهو بدأ هذه المُواجهة من خلال تغيير رأيه بالنسبة إلى الإنكفاء عن السُلطة، وإتخاذ قرار العودة إلى رأس السُلطة التنفيذيّة بالتعاون مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وبعض القوى الحليفة الأخرى. وأوضحت الأوساط عينها أنّ الحريري يُواصل مُواجهته لهذا المُخطط الذي يستهدفه شخصيًا مع «تيّار المُستقبل» وبعض الحُلفاء ـ بحسب ما نُقل إليه، عبر منع سيطرة فريق رئيس الجمهوريّة، ومن خلفه «التيّار الوطني الحُرّ» على أغلبيّة الثلث زائد واحد في الحُكومة المُقبلة. وأكّدت هذه الأوساط أنّ الحريري عازم على منع الإستفراد به مُستقبلاً، من خلال التمسّك بتكليفه مهمة تشكيل الحُكومة، ولوّ بقي رئيسًا مُكلّفًا حتى نهاية عهد الرئيس عون!
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف يُدرك في الوقت عينه أنّ المُجتمع الدَولي لن يُقدّم أيّ مُساعدة للبنان في المُستقبل، ما لم يتأكّد من الوجهة الماليّة الحقيقيّة للمُساعدات التي ستُجمع لصالح الدولة اللبنانيّة، وللقروض التي سُتعطى للبنان، وهذا الأمر يمرّ بمجموعة من التدابير الإصلاحيّة المَطلوب أن تنجزها الدولة وأجهزتها وهيئاتها، ومن بينها التدقيق في حسابات مصرف لبنان. وأشارت إلى أنّ الحريري لا يُمانع بالتالي من حُصول التدقيق المَطلوب، لكن بشرط أن يشمل كل الحسابات وكلّ الوزارات وكلّ المؤسّسات، والأهمّ بشرط أن يكون التحقيق المَطلوب غير مُسبق النتائج، أي أن لا يتمّ تحويل حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، إلى كبش محرقة لفشل مالي تتحمّله الدولة برمّتها، وأن لا يتمّ تحميل «تيّار المُستقبل» ورموزه، بدءًا من الشهيد رفيق الحريري نزولاً، مسؤوليّة الإنهيار، إضافة إلى إلصاق تهمة الفساد بهم! وقالت إنّ هذا الموقف ستعكسه خُطابات نوّاب «تيّار المُستقبل»، وكذلك نوّاب بعض القوى الحليفة، خلال الجلسة العامة التي ستُعقد في قصر الأونيسكو في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم غد الجمعة، لمُناقشة مَضمون الرسالة التي وجّهها رئيس الجُمهوريّة، والتي دعا فيها إلى «تعاون السُلطة الإجرائيّة من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المُحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان…».
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة بأنّه ما لم يتمّ التوافق مُسبقًا على منحى التحقيق الجنائي، وما لم يتمّ تغيير هذا الموقف العدائي المُتخذ من جانب «التيّار الوطني الحُر» ضُدّ «تيّار المُستقبل»، من المُستبعد جدًا أن نشهد ولادة قريبة للحُكومة!