يُعتبر الرئيس المكلف سعد الحريري من أكثر رجال السياسة محبةً للتسويات والتي يذهب البعض إلى وصفه برجل التنازلات، لكن في النهاية تبقى سمة عدم رغبته في الصدام طاغية على شخصيته.
وعلى الرغم من كل هذه العقلية التسووية، يبقى الرئيس الحريري يواجه المشاكل عند تسميته لرئاسة الحكومة، فصحيح أن الحكومات في لبنان وخصوصاً بعد انسحاب جيش الإحتلال السوري تأخذ وقتاً بسبب غياب راعٍ إقليمي واحد، إلا أن للحريري تجارب مرّة في هذا السياق.
وإذا كان الرئيس فؤاد السنيورة يعتبر رجلاً إستفزازياً بالنسبة إلى “حزب الله” وحلفائه، إلا أنه لم يكن يواجه الصعوبات التي يواجهها الحريري عند استحقاق التأليف، فقد شكّل السنيورة حكومتين، الأولى بعد انتخابات 2005 النيابية والثانية بعد “اتفاق الدوحة” وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، ولم يأخذ التأليف مع السنيورة أكثر من 40 يوماً.
أما الحريري، فقد كُلّف للمرة الأولى في حزيران 2009 بعدما حصد فريق “14 آذار” الغالبية النيابية، وعلى رغم ذلك أعلن عشية صدور النتائج أنه ذاهب إلى حكومة وحدة وطنية لا أكثرية، لكن العراقيل وضعت في دربه ما اضطره إلى الإعتذار بعد 3 أشهر على التكليف، وأعيد تكليفه في 16 أيلول 2009 ولم ينجح في التأليف إلا في 16 كانون الثاني 2010، أي بعد 4 أشهر على التكليف.
التجربة الثانية للحريري مع التأليف كانت بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016، يومها كانت البلاد خارجة من تسوية رئاسية حيث نجح الحريري بتأليفها سريعاً في 19 كانون الأول، وربما كانت الأسرع في تاريخ الحكومات بعد 2005، ليعود ماراتون التأليف مع الحريري وهدر الوقت بعد الإنتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار 2018، عندها إستغرق التأليف نحو 10 أشهر وسقطت الشروط كالشتاء.
اليوم يعود الحريري رئيساً مكلفاً، ولا يعلم أحد إذا كان التأليف سيستغرق مدة كالمرة الأخيرة، لكن الفارق ان وضع البلاد لا يحتمل ترف الوقت والإستمرار بالمماطلة سيسرّع الإنهيار. ومن أهم النقاط التي تدفع بالخصوم إلى المماطلة وضرب مهمة الحريري هي معرفتهم بشخصيته، أي إنه شخص يحب التسويات لا الصدام، ويقدّم الكثير من التنازلات من أجل النجاح في مهمته بعكس السنيورة أو آخرين.
أما النقطة الثانية والمهمة أيضاً فهي أن الخصوم وعلى رأسهم الثنائي الشيعي يتعاملون مع الحريري من منطلق أنه الممثل الاقوى للطائفة السنية، لذلك بامكانهم جرّه لتقديم العدد الأكبر من التنازلات، وهذه التنازلات تكون مغطاة طائفياً، أما أي شخص سني آخر يحتل منصب رئاسة الحكومة فلا يملك الغطاء السني ولن ينجح في مهمته، وهذا ما حصل مع الرئيس المستقيل حسان دياب، فما يؤمنه الحريري لا يستطيع سني آخر فعله.
ويذكر الجميع أن حكومة الحريري الأولى أسقطت تحت شعار معرفة حقيقة “شهود الزور”، لكنّ “حزب الله” وحلفاءه أتوا بالرئيس نجيب ميقاتي إلى السراي ولم يفتحوا ملف الشهود، بل ذهب ميقاتي أبعد ونجح بانتزاع تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهذا البند كان يواجه العراقيل عندما كان الحريري رئيساً للحكومة.
ويُعتبر الحريري رئيس تكتل سياسي لذلك تتعامل معه بقية الأطراف من هذا المنطلق، أي محاولة تحقيق أكبر قدر من المكاسب، لذلك لا يسهّلون مهمته، لكن الأساس أن القضية ليست متعلقة بالحريري الآن بل هناك مصير بلد، فهل يتم فك أسر الحكومة أو تستمر المماحكات؟