«دييغو الذي في الملاعب… لتتقدس يدك اليسرى، لتجلب لنا سحرك. لتكن أهدافك مخلدة كما في السماء كذلك على الأرض، أعطنا بعض السحر كل يوم، اغفر للإنكليز كما غفرنا لمافيا نابولي، لا تَسقط في التسلل ولتحررنا من هافيلانج وبيليه… دييغو». هذه صلاة الكنيسة المارادونية. عبادة مارادونا ليست وهماً أو كذبة، فهناك أكثر من 200 ألف شخص يعبدون ابن مدينة لانوس القريبة من بيونس آيرس، في كنيسة تأسست في عام 1998 من قبل بعض عشاقه. هم لا يعبدون مارادونا الشخص ربما، بل مارادونا الحلم الذي وهب السعادة لشعب بأكمله. مارادونا الذي حمل صليب الأرجنتين، وهزم الإنكليز في عام 1986 ليرفع كأس العالم، ويردّ اعتبار بلاده بعدما احتل «أبناء الملكة» جزر الفوكلاند.
مارادونا أكثر من لاعب بالنسبة الى الأرجنتينيين، والغالبية القصوى من عشاق كرة القدم في العالم تنظر إليه على أنه المخلّص. قاتل وحده بشرف. رفع كأس العالم التي حلم بها صغيراً رغم أنف النظام العالمي، والكروي منه. الجميع حاربوا مارادونا لاعباً ومدرباً، لكنه انتصر واسمه بقي مخلداً. قال عندما كان طفلاً لديّ حلمان «أن ألعب في كأس العالم وأن أفوز بها»، وهذا ما حصل فعلاً.
دييغو لا يشبه أحداً، خرج من بيونس آيرس في الأرجنتين ليسيطر على أوروبا. ابن الجنوب الفقير هزم كل أبناء الشمال المتعجرف. لم يصدق العالم حينها، مارادونا وحده هزم كل نجوم أوروبا، لكنه بذلك حرّك النزعة الاستعماريّة الكامنة داخل الأوروبيين، فتعرّض للمخاشنة في مبارياته في الدوري الإسباني، حتى كاد أن يخسر قدمه في إحدى المباريات، وترك مرمياً على رصيف في إسبانيا من دون إسعاف. مارادونا حقق البطولات في إسبانيا، لكنه وجد نفسه مع أبناء جلدته، مع فقراء الجنوب الإيطالي في نابولي. هناك سيطر مارادونا على إيطاليا وأوروبا وبعدها على العالم. فاز بكل الألقاب الممكنة مع نابولي ورفع بعدها الكأس الأوروبية، ومن ثم كأس العالم على طريقته، بعد هدف بيده، وهدف آخر تجاوز فيه جميع لاعبي الخصم الإنكليزي. الفوز على إنكلترا أعاد الاعتبار للأرجنتينيين الذين خسروا جزرهم بعد العدوان الإنكليزي.
رحل مارادونا في اليوم ذاته الذي رحل فيه صديقه فيديل كاسترو
كان دييغو أكثر من لاعب كرة قدم، كان قدوة ومثلاً أعلى. رسم أحلام الفقراء من خلال كرة القدم، وهم رسموا صوره على جدران منازلهم، وفي الأزقة الضيقة في إيطاليا والأرجنتين. كان شرساً ورفض الظلم، قال ذات يوم «أنا أسود أو أبيض، لن أكون رمادياً في حياتي». قال زميله في منتخب 1986 خورخي فالدانو «لم يكن للكرة تجربة أفضل من الدوران تحت قدمه اليسرى».
حياة مارادونا الصاخبة داخل الملعب كانت كذلك خارج الملعب، فهو أدمن المخدرات. في نابولي مرة أراد الرحيل، فتدخلت المافيا وأبقته على طريقتها بعدما أوقعته في فخ المخدرات، لتبدأ بعدها مسيرته بالتراجع شيئاً فشيئاً، رغم محاولاته التخلص منها. سافر دييغو الى جنيف وتورونتو وإسبانيا وكوريا الجنوبية ليجد الدواء الشافي في مصحّاتها، قبل أن يتعرض لنكسات طبية متلاحقة في السنوات الأخيرة.
في أصعب فترات حياته، لم يجد الى جانبه سوى كاسترو الذي قدم له العلاج في كوبا في أكثر من مناسبة.
فهم مارادونا العالم باكراً، دعم الخير ضد الشرّ، كان وفياً لكاسترو وشافيز ورفض حروب الولايات المتحدة ومنها الحرب على دمشق، معتبراً ان واشنطن لديها نيات واضحة لتدمير سوريا، إضافة الى دعم كامل لجميع أنظمة اليسار في أميركا الجنوبية، سواء في فنزويلا أو نيكاراغوا أو بوليفيا.
أعلنت الأرجنتين الحداد لمدة ثلاثة أيام، وكذلك فعل العالم الذي حزن على مارادونا. الخبر نزل كالصاعقة. وقال رئيس الجمهورية الأرجنتينية ألبرتو فرنانديس «لقد ارتقيت بنا الى قمة العالم. لقد جعلتنا سعداء للغاية. كنت أعظمهم جميعاً. شكراً لأنك كنت موجوداً، دييغو. سوف نفتقدك في الحياة». كما نعاه مواطنه ليونيل ميسي نجم برشلونة الإسباني الذي قال «إنه يوم حزين لكل الأرجنتينيين ولكرة القدم. لقد تركنا، لكنه لن يرحل، لأن دييغو أبدي». وتابع نجم برشلونة «سأحتفظ بكل الذكريات الجميلة التي عشتها معه، وأرسل تعازيّ حارة لعائلته وأصدقائه. فلترقد بسلام».
هو يوم حزين رحل فيه بطل استثنائي، ليس لاعب كرة قدم فحسب، بل مقاتل شرس دافع عن الفقراء بوجه الأغنياء المتغطرسين. مارادونا كما قال عنه كريستيانو رونالدو سيبقى خالداً «إنه ساحر لا يقارن بأحد».