كتب المحرّر السياسيّ-البناء
صار كل شيء متوقفاً على ولادة الحكومة الجديدة، بعدما أفادت مصادر متابعة لملف التدقيق الجنائي الذي يحضر غداً أمام مجلس النواب، وسقف التوقعات بتوصية تؤكد التمسك بالتدقيق الجنائي، ومع فرضية السير بقانون يرفع التحفظ عن تقديم المعلومات عندما يتصل الأمر بالتحقيق القضائي او التدقيق المالي، فانسحاب شركة الفاريس ومارسال يعني التوجّه لتعاقد مع شركة جديدة لا تبدو حكومة تصريف الأعمال مستعدة للمخاطرة بتحمل مسؤولية الإقدام عليه وسط التباين في الآراء حول صلاحيتها بالقيام بذلك في مرحلة تصريف الأعمال، ما يعني عملياً ترحيل الملف للحكومة الجديدة، وبالمثل ترى مصادر نيابية ان الانقسام الطائفي الذي شهدته اللجان المشتركة في اجتماع موسّع ضم أكثرية نواب المجلس النيابي، في مناقشة ملف قانون الانتخابات النيابية، بحيث وقف نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تحت سقف واحد عنوانه اعتبار الذهاب لتطبيق المادة 22 من الدستور لجهة انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، ولو تمّ الحفاظ على المناصفة فيه وجرى إنشاء مجلس للشيوخ، تفريطاً بمكاسب القانون الحالي لجهة التمثيل المسيحي في المجلس النيابي، ما طرح إشكالية أبعد مدى من قانون الانتخاب تطال مبدأ إلغاء الطائفية المنصوص عليه كتوجه في مقدمة الدستور وهدف وطني والتزام دستوري بموجب المادة 95 من الدستور، وفي حصيلة النقاش بدا أن الموضوع سيصعب بحثه في جلسات تنتهي بتفاهم، وترجيح ترحيله لجلسات الحوار الوطني، أو الحكومة الجديدة، وهذا هو الأقرب للواقع، فيما تواصل الجدل حول القانون وتحول سجالاً في وسائل الإعلام بين كتلتي التيار الوطني الحر وحركة أمل.
في الطريق المغلق نحو الحكومة الجديدة، تلقى المجلس النيابي رسالة من المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي فادي صوان، رسالة تحيل اليه التحقيق مع الوزراء الحاليين والسابقين منذ العام 2014 الذين تولّوا حقائب الأشغال والعدل والمال بدلاً من توليه توجيه الاتهام في قرار ظني مفصل يوضح المسؤوليات ويوزعها وفقاً لما توصّل اليه التحقيق، وعندها يمكن البحث بالمكان المناسب للمحاكمة، فيما قالت مصادر قانونية إن الوزراء السابقين يمكن محاكمتهم أمام القضاء العادي، بينما اعتبرت المصادر تصرف القاضي صوان مؤشراً سلبياً على مسار التحقيق الذي كانت الآمال معلقة على نجاحه بتخطي الحواجز السياسية.
الآمال التي يركض وراءها اللبنانيون متعلقين بأي بصيص نور، انتقلت نحو الاتصال الذي جرى بين الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن والرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، مع التقارير التي تحدّثت عن تعاون أميركي فرنسي في ملفات السياسة الخارجية وتطلّع فرنسيّ لانعكاس التعاون دعماً أميركياً للمبادرة الفرنسية في لبنان يزيل الفيتو الأميركي عن تشكيل الحكومة الجديدة.
انقسام سياسيّ – طائفيّ حول قانون الانتخاب
وفيما تراجع الملف الحكومي إلى آخر سلم الأولويات في ظل الأجواء السلبية التي تظلل العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط، خطف المجلس النيابي مجدداً الأضواء إن لجهة اجتماع اللجان النيابية المشتركة في ساحة النجمة أمس، لبحث قوانين الانتخاب المطروحة، وإن لجهة الجلسة النيابية المرتقبة يوم غدٍ لمناقشة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المجلس النيابي المتعلقة بالتدقيق الجنائي.
أما جلسة اللجان المشتركة التي كانت مخصصة لدراسة قوانين الانتخاب فتميزت بكثافة الحضور بعدد نواب بلغ 65 نائباً. وإن لم يشكل هذا العدد مفاجأة لكن ليس من المعتاد أن يحضر هذا العدد في جلسات اللجان المشتركة والذي يعبر عن انقسام سياسي وطائفي إسلامي – مسيحي، فنواب تكتلي لبنان القوي والقوات اللبنانية التقوا على موقف واحد رافض لطرح قوانين الانتخاب في هذا التوقيت ويعتبران أنه يؤجج الانقسام السياسي والمذهبي الطائفي.
ولفتت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» أن بعض قوانين الانتخاب التي تطرح قد تؤدي الى تغيير النظام السياسي، وبالتالي نحن بحاجة الى طاولة حوار وطني تبحث هذه القوانين وكل القضايا المصيرية والمتصلة بالنظام السياسي في البلد»، مشيرة الى «أننا لا نناقش قانون الانتخاب من الناحية التقنية بل من الناحية السياسية والدستورية والميثاقية، وبالتالي تجب مناقشة هذا الأمر على طاولة حوار وطني لمناقشة النظام السياسي برمّته إن لجهة تطويره أو تعديله وصولاً الى الدولة المدنية».
وفي السياق أكد عضو لبنان القوي النائب ألان عون أن «الحوار كان هادئاً وعميقاً ومسؤولاً وحاولنا تثبيت أن النقاش يجب أن يُسلّم وجود قانون انتخاب قائم ونحن أمام طرح يحاكي أموراً دستوريّة وتغييراً في النظام السياسي، لذلك اقترحنا ترحيل موضوع قانون الانتخاب الى طاولة الحوار الوطني لأنها المكان المناسب لطرحه».
أما موقف القوات اللبنانية فعبر عنه رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان الذي لفت الى «وجود قانون انتخاب ساري المفعول وتجري الانتخابات على أساسه وأي رهان على تأجيل الانتخابات ساقط حكماً، فان هدفنا اجراء انتخابات نيابية مبكرة على القانون الحالي». وتلتقي القوات ظرفياً بحسب ما قالت مصادرها لـ«البناء» مع موقف التيار الوطني الحر باعتبار أن «طرح قانون الانتخاب لا سيما الاقتراح المقدم من كتلة التنمية والتحرير يؤدي الى تغيير النظام السياسي».
اما الحزب التقدمي الاشتراكي فيجاهر بمعارضته للقانون الحالي الذي أجريت على اساسه الانتخابات النيابية الأخيرة لاعتبار قانوناً طائفياً ومذهبياً ويضرب صيغة العيش المشترك، وأكد على «ضرورة تطبيق اتفاق الطائف لا سيما إقرار مجلس نيابي غير طائفي ومجلس للشيوخ».
أما حزب الله فلا مشكلة لديه في بقاء القانون الحالي لكونه أدخل النسبية للمرة الاولى في تاريخ لبنان، لكنه لا يمانع العمل على تطوير هذا القانون مع توافق وطني. وأشار عضو الوفاء للمقاومة النائب علي فياض الى ان «لا شيء يمنع البحث في بعض مكامن الضعف التي يعاني منها القانون الانتخابي ولنا بعض الملاحظات التقنية، وكنّا نميل الى دوائر انتخابية مندمجة على الصعيد الطائفي». وتابع «لا داعي لأن نناقش موضوع قانون الانتخاب بتوتر ولا مانع من ترك القانون النافذ».
واعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم ان الجلسة كانت موضوعيّة والنقاش كان متقدماً بشكل يخدم مصلحة البلد وضرورة السير نحو تطوير النظام. وتابع «بادرت كتلة «التنمية والتحرير» إلى طرح قانون انتخابات عصريّ والقانون الحالي ليس الأفضل وليس الأمثل والمهمّ الوصول الى الدولة المدنيّة عبر قانون الانتخاب الذي يشكّل السبيل للوصول إليها».
وأشار النائب فؤاد مخزومي، في مؤتمر صحافي عقده في المجلس بعد الجلسة الى أننا «لم نصل الى مرحلة لنضع قانوناً يعطي المواطن فيه رأيه فعلياً، لان الكتل الكبيرة في النتيجة تركب قانوناً كما رأينا في الماضي. كلنا نعرف ان هذا ضد النص الاساسي للطائف وروحيته، فهو يدعو الى النسبية على اساس المحافظات، وربما في النهاية تمديد موضوع المحافظات». وأضاف: «في هذه المرحلة، هناك مواضيع أهم. في الاسبوع الماضي حصلت جريمة كبيرة في البلد وهي عملية الغاء التدقيق الجنائي الذي ألغي بعقد الفاريز ومارسال. أليست هذه الجريمة بحجم الجريمة التي حصلت في المرفأ. التدقيق الجنائي كان ليوصلنا الى مرحلة نعرف فعلياً عن الـ 140 مليار دولار، وأين ذهبت أموال المواطنين، والـ 110 مليارات دولار التي اختفت من الدفاتر».
فيما سأل النائب جميل السيد «كيف أن القوى السياسية تريد استحداث مجلس شيوخ واجراء انتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة وعلى قاعدة النسبية وإلغاء الطائفية، في وقت كلهم طائفيون ولا يستطيعون تأليف حكومة». وتوقع أكثر من مصدر نيابي من كتل مختلفة ألا يصل النقاش حول قانون الانتخاب الى نتيجة بسبب الانقسام الحاد بين القوى النيابية، مرجحة بقاء القانون الحالي لتعذر الاتفاق على بديل في الوقت الراهن.
عون: رسالتي مستقلة عن الخلافات
وعشية جلسة مجلس النواب لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي يوم غدٍ، أكد الرئيس عون أن الرسالة التي وجهها الى مجلس النواب مستقلة تماماً عن الخلافات والصراعات السياسية، شكلية كانت ام عميقة، لان هدفها معالجة مأساة وطنية كبيرة، لان من دون حل مشكلة التدقيق الجنائي لا يمكن الاتفاق لا مع الدول الراغبة في مساعدة لبنان ولا مع صندوق النقد الدولي والهيئات المالية المماثلة».
وخلال لقائه في بعبدا وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، أوضح عون أن «مسألة التدقيق المحاسبي الجنائي هي قضية وطنية بامتياز والوسيلة الفضلى للخروج من الازمة التي نعيشها».
الراعي للحريري: قدّم تشكيلتك و«اسمحلنا»
وكان عون استقبل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي أشار الى «ان التحقيق الجنائي يجب أن يتابَع من قبل الحكومة والتحقيق يجب أن يشمل كل الوزارات ومؤسسات الدولة بدءاً من مصرف لبنان لكشف الفساد والتحقيق لا يجب أن يتوقف، بل أن يستمر على الرغم من مغادرة الشركة المولجة القيام بهذا العمل».
واضاف الراعي: «الحكومة لا تُشكّل «بالتقسيط» ولقد مرّ شهر والبلد يموت و«بدن يسمحولي فيها» لأنّ رئيس الحكومة يجب أن يقوم باستشاراته ويعود إلى رئيس الجمهورية لبتّ أمر التشكيلة ونريد حكومة غير سياسية تقوم بورشة «طويلة عريضة» للقيام بالبلد من الموت».
وفي سياق ذلك لم ترصد أي زيارة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة الى بعبدا ما يعبر عن عمق الأزمة الحكومية والخلاف المستحكم بين الرئيسين عون والحريري، ما يعني أن الحكومة لن تبصر النور قريباً، فيما ترجح مصادر متابعة لتطورات المنطقة بأن لا حكومة في العام الحالي بانتظار تسلم الرئيس الأميركي الجديد مقاليد الحكم في البيت الأبيض ليتبين رؤيته وسياساته وتوجهاته لملفات المنطقة ومنها الشرق الاوسط. ولفتت المصادر لـ«البناء» الى أن الإدارة الأميركية الحالية لا تريد حكومة يكون لحزب الله وحلفاؤه اليد الطولى والنفوذ الأكبر فيها لكي لا تستطيع الحكومة معارضة ومقاومة المشاريع الاميركية الاسرائيلية الخليجية لا سيما التطبيع وتوطين اللاجئين الفلسطينيين واعاقة عودة النازحين السوريين وإخضاع لبنان اقتصادياً لوصاية البنك الدولي وصندوق النقد.
تضارب معلومات حول قرار الإمارات
وفي سياق الضغوط الخارجية على لبنان، توقفت الإمارات عن إصدار تأشيرات جديدة لمواطني 13 دولة، بما في ذلك لبنان وسورية وإيران والصومال، وفقاً لما نقلته «رويترز» عن وثيقة صادرة عن مجمع الأعمال، المملوك للدولة. وكان لافتاً أن القرار الإماراتي شمل الدول المعارضة للسياسة الأميركية ولمشروع التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي.
لكن تضاربت المعلومات حول حقيقة القرار الإماراتي، فأكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبه أوضح في تصريح صحافي ان «السفير اللبناني في ابو ظبي فؤاد دندن أكد لي انه لم يصدر اي قرار رسمي بهذا الموضوع عن دولة الإمارات، وبالتالي هل المطلوب أن تتحرك وزارة الخارجية والمغتربين لمعالجة امور لم تتخذها دولة الإمارات، بل يتم تداولها بالإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط؟». أضاف وهبه: كلفنا السفير في ابو ظبي بوضع وزارة الخارجية والمغتربين بصورة اية مستجدات او إجراءات تستجد، علماً أننا نولي الموضوع اهتماماً عالياً ونتواصل مع سعادة سفير الإمارات أيضاً. وأشار إلى أنه «ينتظر رداً رسمياً من سفير الإمارات لدى لبنان حمد الشامسي».
تجدد السجال بين دورثي وباسيل
وتجدّد السجال بين السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وقالت شيا في تصريح صحافي إن «باسيل حوّر فحوى لقاءاتنا التي جرت بيننا والعقوبات التي وضعت عليه تُعنى بالفساد، فالعقوبات على باسيل مثال واضح كيف تحاسب واشنطن الفاسدين». وشدّدت على أنه «يجب على الدولة اللبنانية أن تجري إصلاحات فورية». وكشفت أن «هناك ملفات عن شخصيات لبنانية في واشنطن يتم درسها تحت راية العقوبات المتعلقة بالفساد أو بالإرهاب».
ولم يتأخر رد باسيل في بيان لمكتبه الإعلامي البيان بالقول: «لا داعي للردّ مجدّداً على السفيرة الأميركية طالما هي تكرّر ذاتها من دون الإتيان بأي برهان حول اتهام رئيس التيار الوطني الحر بالفساد، وطالما لم تسلّم الدولة اللبنانية أي ملف يتضمّن معلومة او وثيقة او قرينة، الّا اننا نلفت وزارة الخارجية اللبنانية إلى ضرورة أن تذكّر السفيرة الأميركية بضرورة احترام الأصول الدبلوماسية وعدم التدخّل بالشؤون الداخلية للبنان، وخصوصاً لناحية التعرّض غير المقبول للنواب الممثلين للشعب اللبناني».
كتاب صوان الى المجلس النيابي
غلى صعيد آخر، كشف مصدر قضائي لوكالة «فرانس برس»، أنّ المحقّق العدلي القاضي فادي صوان وجّه كتاباً إلى المجلس النيابي أبلغه فيه أنّ التحقيقات التي أجراها مع وزراء حاليين وسابقين وفّرت شبهات معيّنة عن مسؤولية هؤلاء الوزراء وتقصيرهم حيال معالجة وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ. وأكّد المصدر أنّ القاضي صوّان طلب من البرلمان إجراء التحقيقات مع وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، وأسلافه يوسف فنيانوس وغازي العريضي وغازي زعيتر، ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وسلفه علي حسن خليل، ووزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم وأسلافها أشرف ريفي وسليم جريصاتي وألبير سرحان، باعتبار أنّ ملاحقة الوزراء منوطة حصراً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إلا أن مصادر نيابية وقانونية استغربت توجيه صوان هذه الرسالة الى مجلس النواب وهو ليس الجهة المخولة لمخاطبة البرلمان، بل هذا الأمر من اختصاص الوزير. فيما لفتت المصادر الى أن الوزير السابق لا يحاكم أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء بل فقط الوزراء الحاليون وبالتالي يمكن محاكمة الوزراء الحاليين أمام القضاء العادي.