قد يكون إعطاء طفل حياةً وإحضاره إلى هذا العالم، إحدى أصعب المهمات التي كان علي القيام بها على الإطلاق. فما زلتُ أتذكر مجموعة المشاعر التي غمرتني، من الإنهاك التام إلى البهجة الكاملة. لكن الشعور بأن الحياة التي نعهدها قد تغيرت إلى الأبد، طغى بشكل كبير على أي من تلك المشاعر.
في مطلع هذه السنة، وقبل تفشي وباء فيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم، سافرتُ مع منظمة “يونيسيف في المملكة المتحدة” التابعة للأمم المتحدة إلى دولة ليسوتو في جنوب القارة الأفريقية، للوقوف على بعض من الأعمال الرائعة التي تقوم بها المنظمة هناك، لدعم الأطفال والأمهات اليافعات في جميع أنحاء البلاد. زرتُ عيادة مابوتو الصحية في العاصمة ماسيرو، حيث شاهدتُ عن كثب مدى أهمية الاعتناء بالأمهات والرضع، وتقديم الرعاية والدعم لهم خلال المراحل القليلة الأولى التي تلي ولادة الطفل في هذه الدنيا، وأنتقاله إلى عالم متغير ومعقد يصعب توقعه.
التقيتُ بموظفين في مجال الرعاية الصحية كانوا مصدر إلهام كبير، لجهة تفانيهم في العمل على مدار الساعة، وضمان حصول الأمهات وأطفالهن على أفضل مستويات الرعاية والدعم في هذا المرفق الصحي المتخصص. كان هناك عدد ملحوظ من الخدمات الحيوية التي تتفاوت ما بين رعاية النساء ما قبل الولادة، وتقديم الدعم لهن أثناء فترة الولادة وما بعدها، وصولاً إلى مراحل التلقيح والتدبير العلاجي لأمراض الطفولة خلال السنوات الأولى للمولودين الجدد.
عندما أنجبتُ طفلتي، أدركتُ على الفور أنني بت الآن مسؤولةً عنها، وأن أي شيء أقوم به أو أقوله منذ تلك اللحظة فصاعداً سيكون له تأثير على كيانها وشخصيتها. إن تقديم الدعم بعد الإنجاب هو من الأمور المهمة للغاية، لا سيما خلال الأشهر الثلاثة الأولى، نظراً إلى صعوبة تلك الفترة الحساسة لكونها ترتبط بكثير من التغيرات الحياتية. حالفني الحظ أنا وطفلتي بأن حصلنا على مثل هذا الامتياز في المملكة المتحدة، وعلى جميع المنافع التي يتضمنها (وجودنا هنا). لكن بالنسبة إلى ملايين الأطفال حول العالم، فإن محبة الوالدين تبقى غير كافية لتأمين الحماية اللازمة لهم من مفاعيل تفشي فيروس كورونا.
ففي الوقت الراهن، يشكل “كوفيد – 19” (في كل من ليسوتو وفي العالم أجمع) عائقاً كبيراً أمام الأهالي الجدد في إمكان حصولهم على هذه الخدمات الأساسية. وتفيد منظمة “يونيسيف” بأن أكثر من ثلاثة أرباع الدول في مختلف أنحاء العالم، أبلغت عن وجود ثغرات في خدمات الرعاية الصحية المخصصة للأمهات نتيجة أزمة تفشي فيروس كورونا، فيما أشارت قرابة 17 دولة إلى تراجع بنسبة 25 إلى 49 في المئة في خدمات الرعاية الصحية ما قبل الولادة وخلال الولادة وما بعدها.
قد يكون أحد الأسباب الرئيسة لذلك، هو اضطرار هيئات الخدمات الصحية إلى تحويل موارد بشرية كبيرة، بما فيها القابلات، من أقسام الخدمات المنتظمة التي تقوم بها، للاضطلاع بمهمات ملحة تتعلق بالاستجابة العاجلة للوباء. بالتالي، قد يواجه كل من الحوامل وأهالي الأطفال حديثي الولادة، صعوبات في الحصول على الخدمات الصحية اللازمة بسبب تعطل وسائل النقل وتدابير الإغلاق، أو لترددهم إزاء زيارة المرافق الصحية خوفاً من التقاط العدوى.
وقد التقيتُ خلال الفترة التي أمضيتها في ليسوتو، (إلى جانب العاملين الصحيين في قسم الولادة)، أمهات جديدات يتلقين دعماً من قبل مشاريع تمولها منظمة “يونيسيف” في المجتمع. وكانت اللحظات الأكثر تأثيراً بالنسبة إلي، عندما تحدثتُ مع مجموعةٍ من النساء اللواتي حضرن برنامجاً مخصصاً للأمهات اليافعات، اللواتي كن يلتقين مرةً في الأسبوع لدعم بعضهن بعضاً.
التقيتُ بماتيبوهو، الشابة البالغة من العمر 19 عاماً، وبدت لي امرأة واثقة من نفسها، سعيدة وتحب الرقص. إلا أنها أخبرتني كيف كانت تعاني نوعاً من الاكتئاب الشديد قبل انخراطها في برنامج الأمهات الشابات. شرحت لي أنها لم تكن تدرك التفاصيل المتعلقة بالحمل والتبعات التي يتعين على المرأة تحملها، وكيف أنها كانت طوال فترة حملها غير سعيدة، إلى درجة أنها كانت عاجزة حتى عن الاستحمام. لكن بعدما أنجبت طفلها، انضمت إلى هذه المجموعة الرائعة، وبدأت تتلقى الدعم الذي كانت تحتاجه. أخبرتني كيف اكتسبت الثقة من خلال التحدث مع الأمهات الأخريات، وتعلمت كيف تحب طفلها. كانت مشاهدة ابتسامتها ورؤية مدى سعادتها، أمراً رائعا.
عندما ودعتُ ماتيبوهو في مطلع السنة، في الفترة التي سبقت تفشي الوباء، كانت المرأة قد تمكنت من بناء مستقبل واعد تمثل في إطلاق مشروع تجاري ناجح لدعم طفلها. وكان من المذهل رؤية ما استطاعت تحقيقه من خلال تلقي المساعدة المناسبة من منظمة “يونيسيف” وشركائها من منظمات محلية أخرى، على الرغم من مواجهة عدد من التحديات. إن ما تحقق يظهر فعلاً أن تقديم الدعم اللازم للأمهات وأطفالهن حديثي الولادة من أجل منحهم أفضل بداية في الحياة، يمكن أن يغير حقاً واقعهم.
يُعد وباء فيروس كورونا أكبر أزمة يشهدها العالم، وأكثرها إلحاحاً بالنسبة إلى الأطفال والعائلات منذ تاريخ اندلاع الحرب العالمية الثانية. فالأرواح أصبحت على المحك، وأنظمة الدعم باتت شبه معلقة. وفي هذا الإطار، تبذل منظمة “يونيسيف” جهوداً جبارة في ليسوتو وفي جميع أنحاء العالم، من أجل ضمان حصول الأهالي وأطفالهم على خدمات الرعاية الصحية الحيوية، على الرغم من أزمة تفشي الوباء، في وقت لا يكون في إمكانهم التعامل بمفردهم مع التحديات الجديدة التي تواجههم.
في “اليوم العالمي للطفل” هذه السنة، يتعين علينا أن نقف جنباً إلى جنب ونتخذ الخطوات اللازمة، كي تستطيع الأمهات وأطفالهن الاستمرار في الحياة، والشعور بالاطمئنان والاستقرار. علينا أن نتحرك الآن لحماية جيل “كوفيد”.
(الممثلة البريطانية كلير فوي لعبت دور البطولة في دور الملكة إليزابيث الثانية في مسلسل “التاج” The Crown الذي تبثه شبكة نتفليكس
في “اليوم العالمي للطفل” (20 نوفمبر)، تعمل منظمة “يونيسيف في المملكة المتحدة” على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تمنع وباء كورونا من أن يتحول إلى أزمةٍ دائمة للأطفال. لمعرفة المزيد عن الموضوع، يمكنكم النقر على الرابط الآتي: unicef.uk/JoinClaire)
© The Independent