مرّة أخرى نقول: نحن في لحظات الحسم. طالبنا القيادات الروحية بلعب دورها لحماية لبنان وبقائه، فلم نلق آذانا صاغية. وفي هذه الأسابيع القليلة المصيرية من عمر لبنان، نعود فنطالب القيادات الروحية، أن تحافظ على وجودنا، وأن تخرج إلى رحاب التاريخ، فلا تظل أسيرة فقاقيع الهواء السياسية الداخلية ولعبة الأمم.
مرّة أخرى، نناشد غبطة البطريرك ونقول: أسلافك صنعوا لبنان الكبير، وحفروا أسماءهم في صخرة التاريخ، فلا تسمح بأن تكون آخر بطريرك يعرف لبنان الكبير، ستلعنك الأجيال، قبل السياسيين، إلى أبد الآبدين. ناشدتك من كندا مع بدايات ثورة 17 تشرين أن تكون بطريرك الحياد، وها أنت بطريرك الحياد، أناشدك من أوستن أن تكون بطريرك الاستقلال الثاني فلا تتردد.
إذهبوا اليوم قبل الغد، إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وطالبوا بتنفيذ اتفاق الهدنة فورا على الجميع. تنفيذه علينا أولا، فيساعدنا المجتمع الدولي أن نخرج من لعبة إيران وصنيعتها حزب الله، فيتأكد حياد لبنان ونحمي أهلنا الشيعة قبل غيرهم، من الطوائف اللبنانية الأخرى، من ظلم الإيديولوجيات غير الواقعية. وعندما نطالب بتنفيذ اتفاق الهدنة علينا. أمكننا المطالبة بتنفيذه على الإسرائيلي أيضا. لبنان وشعبه فوق كل اعتبار آخر.
أين نحن الآن؟
قلنا مرارا استفيدوا من هذه المرحلة الرمادية في اللعبة الدوليّة، وضعوا ورقة لبنانية على طاولة الأمم المتحدة، ولكنكم آمنتم بالرئيس ماكرون ومشروعه. قلنا لكم أن المشكلة في لبنان ليست اقتصادية ومالية وإنما هي سياسية. لبنان جزء من الحرب الإقليمية وهو أصبح الآن على طاولة الحسم. وعليه، فإن مرحلة إبقاء لبنان في الثلاجة، وفترة السماح من خلال التسويات السياسية التي كانت تقودها فرنسا، قد ولّت. المبادرة الفرنسية الأخيرة انتهت وستموت بالضربة القاضية مع قرار الحرب القادمة. كل صرخة لإحياء مبادرة الرئيس ماكرون هي صرخة خارج مسار الزمن، ودليل جهل مطبق للعبة الأمم في الشرق الأوسط. من يراهن على فرنسا، يجب أن يتذكر أن فرنسا لن تخرج عن الإرادتين الأميركية والإسرائيلية. طالبنا بالتعاون لإحالة جريمة المرفأ إلى المحكمة الجنائية الدولية، فلم تستمعوا. لم يكن خافيا أن فرنسا لا تريد ذلك، ولا الولايات المتحدة، وبالتالي فإن القيادات اللبنانية التي ترتبط بهما هي ايضا، لا تريد ذلك. فرنسا لا تريد أن تؤذي إسرائيل كما لا تريد أن تؤذي حزب الله. تعمل من أجل مصالحها. أما الأميركي والإسرائيلي، فلم يكن يهمهما طبعا، حزب الله، بل كانا يسعيان إلى ضمان التورية على إسرائيل. كلها لعبة مصالح، ولكن كل ذلك على حساب لبنان ومصالحه. بئس أولئك الذين ساعدوهم وما زالوا، سواء بصمتهم أو بتواطئهم. التاريخ لن يرحم.
نحن في لحظة الحسم، فمتى تأكد الرئيس ترامب أنه سيغادر البيت الأبيض، فهو وحليفه الإسرائيلي الذي سيسقط مثله أيضا، سيفجران الوضع، وسيفرضان على الناتو التدخل. التهديد الايراني بالقنبلة النووية أعطى الرئيس ترامب والسيد نتنياهو، أقوى مبرر لهما لاستعجال الحرب. لبنان سيكون في عين العاصفة اذا تدخل حزب الله. وهو حتما سيتدخل. لدينا شهر حاسم. لن يأتي ١٥ كانون الثاني قبل أن يحسم الرئيس ترامب الحالة. فإما أن يعود رئيسا لمتابعة سياسته، أو ينهي الخطة الشرق أوسطية، ويفرض أمرا واقعا على خليفته. اتمنى من أعماقي، أن لا يحصل المحظور في لبنان. وأتوقع أن يكون المطار والضاحية أولى الضحايا. وقد نقلت محطة الحدث قبل أيام، أن مؤسسة إسرائيلية مدعومة من الحكومة، حذرت شركات الطيران الأوروبية، وأيضا شركات التأمين العالمية، من متابعة الرحلات الجوية إلى بيروت. هذا يعني أن إسرائيل تبلغ حلفاءها بانتظار الضربة. إن اللبيب من الإشارة يفهم. بهذه الحالة، فإن إسرائيل لن تنكر ضربة المطار كما فعلت بعد أن قصفت المرفأ، حتى ولو أدّى الأمر إلى ضحايا ودمار أكبر. بيروت ليست أهما من برلين خلال الحرب العالمية الثانية.
ماذا نقول إلى أهلنا الذين آمنوا بما سمي «المقاومة»؟
مرحلة الحرب التي بدأت عام ١٩٧٥ تنتهي الآن. الشرق الأوسط الجديد سيبرز قريبا. ومعه تنتفي الحاجة لإيران ولدمى التفتيت الطائفي في المنطقة، فينتهي عصر الخميني وولاية الفقيه وكل الإيديولوجيات غير الواقعية، ونعود الى لعبة العالم الحديث. ما أتوقعه في سوريا هو عقد جنيف ٢ وحل فيدرالي تكون فيه إدلب خاضعة بصورة أو بأخرى، للهيمنة التركية. تركيا ليست خادما في لعبة التفتيت بل شريكا. لعبت لعبة الدين والمذهب وحافظت على لغة العولمة القائمة. ومن ينسى أن تركيا عضو في المجموعة العشرين مع السعودية، لا يدرك لعبة العالم الحديث بعد سقوط المنظومة الاشتراكية. عودوا إلى لبنان. حيادنا هو البديل عن التفتيت والتقسيم فاقبلوه. سيعود لبنان إلى دوره الحقيقي. دور المفكر الذي واجه الديكتاتوريات والتعصب والظلم في أسوأ المراحل العربية، وسيكون الفكر المدافع عن تاريخ منطقتنا الحضارية والثقافية، وجسرا للثقافة بين العالمين الغربي والشرقي.
مرّة أخرى، نقول للقادة الروحيين: إذهبوا إلى مجلس الأمن. إذهبوا اليوم قبل الغد.
وماذا نقول للمواطن اللبناني؟
آن لنا أن نضع الحرب خلفنا. نحن مدعوون إلى بناء لبنان الجديد. هذا يفترض الخروج كليا، من ذهنية الحرب، وإعادة اللحمة لوحدتنا الوطنية. وهذا يفترض أيضا، أن نرفع صوتا مشتركا في وجه كل إنسان: نحن كنا ضحية. كنا ضحية العرب والمجتمع الدولي. هذا الأمر يفسح لنا بالمطالبة وبكل شجاعة وثقة، بتعويضنا ما خسرناه طوال أكثر من خمس وأربعين سنة.
نحن ضحية، يعني أن لا أعداء بيننا، فأنت قاتلت دفاعا عن بقائك وكرامتك، وهو قاتل دفاعا عن بقائه وكرامته. كلنا فعلنا الشيء ذاته لأننا وضعنا في حالة مخدرة ومن يرتكب جرما وهو في حالة تخدير لا يلام. إذا طالبنا معا، بالاعتراف لنا بأننا ضحايا، سنكون كاليهود في العالم الذين صرخوا بعد الحرب العالمية الثانية كضحايا للهولوكوست النازي، فتوحدوا وتعززت قوتهم وحصلوا على مليارات الدولارات من المساعدات. صرختنا توحدنا وتعزز قوتنا وتمكننا من توحيد اغترابنا والوصول إلى كل العالم.
لقد وقفنا في مؤتمر ملتقى متحدون من أجل العدالة للبنان وشعبه، دقيقة صمت حدادا على ضحايا لبنان منذ عام 1975. نعم كل الذين دفعوا حياتهم ثمنا لتلك الحرب وما بعدها، هم ضحايا. علينا أن نتفق على يوم وطني واحد لتكريم كل الضحايا واقترح أن يكون 25 أيار يوم تم تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، يوما وطنيا من كل عام، لتكريمهم.
الاعتراف بأننا ضحية يساعدنا بدفع مقترحنا لعقد مؤتمر وطني تحت عنوان المصارحة والمصالحة على غرار ما حصل في جنوب إفريقيا، فيعترف أمراء الحرب بما جنته أيديهم من جرائم ويعتذرون. هكذا يتساوى الجميع. ثم نعمل على دفع المجتمع الدولي إلى مساعدتنا في برامج عديدة تحت عنوان بناء السلم بعد النزاع، ونطلب هبات، نعم هبات، من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأشقاء والمجتمع الدولي لإعادة بناء البنى التحتية والأنظمة الوطنية بدء بنظام العدالة واستقلالية القضاء. ونقيم محكمة وطنية خاصة للتحقيق في كل ما تم من ممارسات غير شرعية أدّت إلى إفلاس خزينة الدولة وحجز أموال المودعين. فمن تثبت إدانته وجب عليه أن يعيد ما في ذمته. وعلى الأحزاب أن تعيد هيكلة ذاتها لتستقيم مع النظام الدستوري للبنان.