“الحريريون”: باريس غاضبة من باسيل!
ملاك عقيل -أساس ميديا
عبّأ الرئيس المكلّف سعد الحريري فراغ مرحلة تأليف حكومته بتعيينات داخل “تيار المستقبل” جدّدت الثوب التنظيمي للحزب بانتظار عقد المؤتمر العام بعد تأجيل متكرّر.
لكنّ “انتظار” ولادة فريقه الوزاري يبدو أصعب بكثير، وقد يكلّفه “الخروج من الحياة السياسية”. التوصيف يعود للحريري نفسه الذي جاهر حين قدّم نفسه “مرشّحاً طبيعياً” لرئاسة الحكومة بالقول: “هناك مبادرة فرنسية، فإما نسير بها أو نخسر الفرصة. وأنا سعد الحريري. لماذا سأعمل في السياسة. حينها أفضّل أن أترك وأجلس في بيتي”.
وفق المحيطين بالحريري، فـ”الآوان لم يحن بعد لخيار كهذا، والمبادرة الفرنسية لا تزال قائمة. والأهمّ أنّ المقاربة التي يعمّمها باسيل عبر الحديث عن حصص وأحجام وتقسيمات طائفية – سياسية داخل الحكومة ليست موضع استياءٍ داخلي فقط، بل إنّ الفرنسيين يعبّرون عن غضبهم من سلوكيات باسيل التي تعيد عقارب تأليف الحكومة إلى ما قبل 17 تشرين. وهذا الواقع لن يسكتوا عنه على ما يبدو”.
والحريري الذي يجد أنّ الفرنسيين يتبنّون وجهة نظره في موضوع الحكومة، لن يقدّم ورقة الاعتذار لأحد. لا في الداخل ولا في الخارج. يؤكّد القرييون منه أنّ “الرئيس المكلّف لن يكرّر خطأ الانسحاب من الحلبة الحكومية ما أدّى إلى ولادة حكومة حسان دياب. يومها زايد عليه الفريق الآخر بالقول: “حاولنا الإتيان برئيس الحكومة الأكثر تمثيلاً، لكنّه تهرّب من مسؤولياته”. اليوم سعد الحريري لن يترك لهم الملعب مجدّداً”.
وليس مؤكّداً إذا كان قد وصل الى مسامع الرئيس المكلّف ما بات يقوله رئيس الجمهورية ميشال عون أمام بعض زوّاره ممّن يستوضحونه عن مصير الحكومة والعهد: “منذ ثلاث سنوات لم أكن أنا. لم أكن ميشال عون، واضطررت أن أسلك مساراً تسووياً لأصل “بالحسنى” إلى هدفي الأول، وهو مشروع استئصال الفساد. الخيار لم يكن ناجحاً، واليوم أنا أقول للجميع. أنا وإياكم إلى القضاء، وعندها يدان المرتكب الفعلي”.
في مقلب الحريري من لا يعارض فتح ملفات الفساد، ولا حتى التدقيق الجنائي. تقول مصادره: “ربما لو فتحت الملفات من وزارة الطاقة تحديداً لعرفنا السبب الحقيقي لنصف الدين العام”!.
ويستذكر الحريريون قصة “حلم وطن” التي أعدتّها وزارة الطاقة منذ نحو سبع سنوات وبطلاها جبران باسيل ونجله عبر كتاب Bande dessinée (قصّة مصوّرة). تجري أحداث القصة في أيار 2020 حين خطّط باسيل لإنتاجها بفيلم للرسوم المتحرّكة. ويتحدّث الكتاب عن إنجازات وزارة الطاقة منذ تسلّم باسيل حقيبة النفط. ويعاين هو نجله ما تمّ من إنجازه من مشاريع استخراج النفط والغاز وبناء السدود، ومنها سدّ جنّة، ومعامل إنتاج الكهرباء، ومحطة القطار في البترون، والأملاك العمومية التي تحرّرت من المخالفات والاعتداءات عليها، ومعمل الذوق الذي صار واحة للطيور بعدما تخلّص “جيرانه” من انبعاثاته السامة. في الكتاب أيضاً، يقوم باسيل ونجله بجولة أمام مكبّ الدورة (سابقاً) الذي تحوّل إلى معلم سياحي وصولاً إلى مترو بيروت، وحقل بيروت الشمسي، ومحطة التكرير الصحي في العاصمة… !
يعود الحريريون بالذاكرة إلى الوراء ليردّوا على أحد نواب التيار الوطني الذي استخدم عبارة “دا كان زمان” بالإشارة إلى تحذير الحريري من قرار تسميته الوزراء المسيحيين في الحكومة للقول له ولتياره “أفكَرك”ّ!
ويضيف هؤلاء: “منذ مرحلة تسلّمهم حقيبة الطاقة حتى اليوم، يعتمدون منطق البروباغاندا وبثّ الشائعات. وعلى أساسها، يبنون مواقفهم”، مؤكدين أنّ “منطق التسويق بهذه الطريقة لم يعد ينفع، والغرب “قاشع وشايف”، والمنطقة تجتاحها الرمال المتحرّكة الكفيلة ببلع البلد برمّته وليس فريقاً واحداً. وربما لم يعد ينقص سوى أن نرى باسيل يسلّم “الأمانة” (وزارة الطاقة) بعد كلّ هذه الإنجازات التاريخية إلى من يختاره بنفسه ليواكب المرحلة المقبلة”!
ليس في هذه السردية إلا ما يوحي بإنسداد أفق الحلول. ثمّة أزمة ثقة عميقة بين العونيين والحريريين لا يزيدها سوءاً سوى تموضع الفريق الشيعي إلى المنطقة الأقرب لمنطق بيت الوسط لناحية رفض “معايير باسيل”، وتتوّج بوضع الفرنسيين رئيس “التيار الوطني الحرّ” على اللائحة السوداء لمعرقلي تأليف الحكومة.
وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر الحريري أنّ “الحكومة تقترب أو تبتعد من لحظة إصدار مراسيمها بمقدار اقتراب أو ابتعاد القوى السياسية من منطق حكومة الاختصاصيين. وأكبر دليل على أنّ الحريري لم يدع أيّ فريق يفرض عليه حصته داخل الحكومة، هو عدم تسريب أسماء جدّية للتوزير، بل أسماء طامحين للتوزير. بينما المسؤول الأول عن بثّ هذه الأجواء، هو التيار الوطني للتغطية والتمويه على قرار رفضه حكومة الاختصاصيين”.
وتؤكد المصادر: “لن يسمح الحريري للفريق الذي رفض تسميته لرئاسة الحكومة أن ينال امتيازات أكثر من الأفرقاء الذين سمّوه، مع العلم أنّ خيار حكومة الأكثرية، ليس موضوعاً على طاولته، ولن يسير به”.