الأخبار- علي حيدر
ويبدو أن تعمّد تسريب الخبر، والذي لا يمكن أن يكون بمعزل عن التوافق مع ابن سلمان – ولو عمدت سلطات الأخير إلى نفيه لاحقاً -، يؤشّر إلى وجود قرار بضرورة الارتقاء بالعلاقات الثنائية، وصولاً إلى اتفاق تطبيع كامل بين الجانبين في مرحلة لاحقة. ومن المتوقّع، في أعقاب إعلان ذلك اللقاء المنتظر، الكشف عن لقاءات سابقة مَهّد لها رئيس «الموساد»، وربّما كانت مع نتنياهو نفسه، مثلما حصل بالنسبة إلى الأنظمة التي سبقت السعودية في عقد اتفاقات تطبيع، أي الإمارات والبحرين والسودان.
ويأتي اللقاء الذي ضمّ إلى نتنياهو، رئيس «الموساد» يوسي كوهين ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في سياق سياسي كانت الأنظار مُتوجّهة فيه إلى تطوّر ما قد يحدث على خطّ ابن سلمان – نتنياهو، كامتداد طبيعي لمسار التطبيع العلني، الذي تمّ بتغطية ودعم من ولي العهد السعودي، وشمل حلفاءه ووكلاءه وأدواته، كتمهيد للخطوة التي يُتوقّع أن يقدم عليها هو في الاتجاه نفسه. مع ذلك، فإن هذا الحدث لم يكتمل حتى الآن، بل يُتوقع أن يكون له ما يليه، وإن مَثّل توجّه نتنياهو شبه العلني إلى السعودية تسريعاً غير مسبوق للمسار التدريجي الذي سلكه نظام آل سعود في تطوير علاقاته مع كيان العدو، خصوصاً أن التسريب هذه المرّة اتّسم بالسرعة وكثافة التفاصيل وتأكيده من أكثر من مصدر ووزير.
والظاهر أن الحاجة إلى تطوير العلاقة بين الطرفين أصبحت أكثر إلحاحاً لكليهما ممّا كانت عليه في أيّ وقت مضى، ولا سيّما بالنظر إلى التطوّرات الأخيرة في المنطقة والعالم. إذ يدرك الجانبان أنهما باتا في المركب نفسه عملياً، وتحديداً بعدما بات النظام السعودي يجاهر بنظرته إلى القضية الفلسطينية على أنها عبء ينبغي التخفّف منه وتصفيتها. ومن هنا، لم يبدُ مستغرباً الكشف الإعلامي، بتغطية ودعم رسميَّين، عن توجّه نتنياهو إلى السعودية، في زيارة يُتوقع أن يكون مَهّد لها رئيس «الموساد»، باعتباره المسؤول عن العلاقات بين إسرائيل والدول التي لا توجد معها علاقات رسمية، وعرّاب خطوات التطبيع من الجانب الإسرائيلي. وبحسب ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية عن مصدر رفيع مستوى، فإن رحلة نتنياهو وكوهين استمرّت نحو خمس ساعات. وتُمثّل هذه الرحلة امتداداً لـ«اتفاقيات أبراهام» بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين والسودان من جهة أخرى، وحديث رئيس وزراء العدو عن اتفاقيات إضافية ستُوقّع مع دول عربية أخرى.
وعلى خطّ موازٍ للرسائل الإقليمية لزيارة نتنياهو، لم يفت الأخيرَ استغلالُ هذه المحطّة لتهميش شريكَيه في الحكومة، وزير الأمن بني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، ومحاولة تسجيل المزيد من النقاط بوجههما، وتصويرهما بوصفهما منهمكين في اللعب السياسية الداخلية – الحكومية، فيما هو يواصل مساعيه لتعزيز مكانة إسرائيل الاستراتيجية في مواجهة تعاظم التهديدات المحدقة بها. وعلى الخلفية المتقدّمة، تَعمّد عدم إطلاعهما على الزيارة. أمّا في التوقيت، فقد رأت العديد من التقارير أن الإعلان عن اللقاء أتى ليُوجّه رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، بأن ثمة تحالفاً إسرائيلياً – سعودياً ضدّ إيران، وذلك في محاولة للتأثير في خيارات بايدن حيال طهران والاتفاق النووي معها.
وكانت التقارير الإعلامية كشفت في وقت سابق، وقبل أن يتّضح أن القضية تتعلّق بنتنياهو ورئيس «الموساد»، أن طائرة رجل الأعمال الإسرائيلي، أودي أنجيل، تَوجّهت في تمام الساعة 19:50 من مساء الأحد، من مطار بن غوريون في اللدّ في رحلة مباشرة إلى مدينة نيوم السعودية الواقعة على البحر الأحمر جنوب خليج العقبة. وهبطت الطائرة الإسرائيلية، التي سبق أن استخدمها نتنياهو في عدّة مناسبات، من ضمنها حضور اجتماع عمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، في الساعة 20:30. وكان يفترض أن يرأس نتنياهو جلسة للجنة وزارية في توقيت تَوجُّهه إلى السعودية نفسه، مَهمّتها بحث مواجهة انتشار فيروس «كورونا»، ولذلك تمّ إلغاء الجلسة وتأجيلها إلى موعد لاحق. وفيما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو وبن سلمان بحثا العلاقات الثنائية والموضوع الإيراني، من المنتظر أن يتضح في الأيام المقبلة المزيد من المعطيات والتقديرات حول هذا اللقاء.