سجناء بعبدا هربوا: متى يأتي دورنا في السجن الكبير؟
زياد عيتاني – أساس ميديا
ليست الفضيحة الكبرى في هروب 69 سجيناً من نظارة قصر بعبدا، وحجم التقصير أو التواطؤ الذي مكّن هؤلاء السجناء من الهروب بهذه السهولة والكمية. بل الفضيحة الكبرى هي ما حملته ألسنة عائلات السجناء الفارين. كانت الوجوه هناك أمام نظارة بعبدا، للشقيقات والأمهات ومعهم لرجال الأمن المنتشرين، تراكم في مخيلتنا الكثير من التساؤلات.
كانت أصواتهنّ، وكأنّها تُجري محكمة ميدانية للقضاء وللأمن. ها هي شقيقة السجين سيمون الصديق تصرخ بأعلى صوتها مؤيدة فرار شقيقها قائلة: “إذا بيجي لعنّا أنا ما برجعوا. العالم فوق بعضهم بالسجن”. أما والدة السجين، إيلي شوقي شمعون فقالت غاضبة بوجه رجال الأمن: “قرار ابني بضرب عناصر قوى الامن والفرار من السجن مبرّر، فالحالة مزرية (كورونا، الصراصير..) شو بدكم بعد؟ ما لازم يهربوا؟”.
أما ذروة الألم، فحملتها والدة السجين حسين، وهي تسلّم ولدها لآمر السجن قائلة: “ابني إجا لعندي عالبيت وأنا رديتو بإيدي لهون، ما بدي ياه ينقتل بالطريق أو يصير معه شي”. وعند مغادرتها قالت لشرطي: “اذا بصير شي لابني بدي إقتل حالي وإحرق حالي هون”.
كانت النسوة هناك تحاكم هذه المنظومة المتلكّئة قضائياً عن تسريع المحاكمات، والمتواطئة أمنياً بتحويل تلك النظارات والسجون إلى ما يشبه زريبة الحيوانات. يوم السبت لم يفرّ الشيعة من نظارة بعبدا، ولا كان فراراً سنياً، ومطلقاً لم تقتحم فرقة مسيحية متطرّفة أسوار السجون لإطلاق السجناء المسيحيين. يوم السبت فرّ اللبنانيون الموجودون في السجن الصغير آملين أن يكون السجن الكبير حيث تقبع عائلاتهم أفضل حال. لقد هربوا من السجن باتجاه كلّ المناطق بتنوّع انتماءاتها الطائفية والمذهبية. هربوا من الجوع والجرب والكورونا. ولعلّ أبشع صورة كانت هي المصير الذي انتهى إليه خمسة منهم، لقد كان موتهم مؤلماً من حيث الشكل والمكان والمصير.
لقد كانت آلية الهروب، سيارة أجرة لرجل فقير، خرج باكراً جداً لجني بعض النقود لعلها تستر عنه الكثير من التعتير.
أما الشجرة حيث كان الارتطام الفظيع، فتقع بمواجهة المجلس الدستوري المنوط به حماية الدستور الذي وُضع لحفظ حقوق الجميع بمن فيهم المسجونين. أما في المصير، فأصعب ما قيل إنّ الأمن استعاد ثلاثين من الهاربين، ومن بينهم أولئك الخمسة الذين قتلوا في ذاك الحادث الرهيب. فبين الثلاثين أم أعادت ولدها خوفاً عليه، وموت تعهّد بإعادة خمسة لم يحسنوا القيادة والتدبير، وعشرات لم يجدوا لهم مكاناً في السجن الكبير، فوقفوا في وسط الأزقة والشوارع بانتظار أن يعاد توقيفهم. الأرجح أنّهم ندموا على الفرار من السجن الصغير.
مساكين هم الفارّون من نظارة بعبدا. لقد خُدعوا بأنّ العيش أفضل في السجن الكبير، وكما يقول المثل السائر: “شرّ البلية ما يضحك”. فلقد كتب ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي جملة قال فيها: “عندما سيعلم الفارون أنّ كيلو البندورة بـ8 آلاف ليرة سيعودون إلى السجن نادمين”.
لقد تمكّن نزلاء نظارة بعبدا من الفرار، فيما نحن، أبناء الشعب، غنياً كان واحدنا أم فقيراً، ما نزال نحاول يائسين الهروب من هذا السجن الكبير، فلا دول مستعدة لاستقبالنا، ولا طائراتٍ تنظّم رحلات لإجلائنا. والأهم الأهم أنّ أكثريتنا لا يملك ثمن تذكرة سفر. فهذه المنظومة الفاسدة سطت على مدخراتنا وجنى العمر، ولم تُبقِ لنا حتّى القليل.