الوقت – يعدّ الوجود في المياه الدولية وامتلاك قوة بحرية ذات نطاق تشغيلي كبير، أحد القضايا الحيوية لأي قوة عسكرية، حتى بعيدا عن الوطن.
وللتحرك نحو هذا المفهوم في عالم اليوم، هناك حاجة إلى مزيج من السفن المختلفة، حتى تتمكن من أداء عمليات قتالية مختلفة ودعم قتالي.
في السنوات الأخيرة، بدأت البحرية التابعة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن خلال توفير مجموعات قتالية، تواجدًا فعالًا في المياه البعيدة عن الوطن، من أجل حماية أسطول السفن التجارية من القراصنة، وکانت البادئة في مسألة الوجود الفعال والدائم لإيران في المياه المفتوحة.
ولكن مع استمرار نمو القدرة الكمية والنوعية للقوات المسلحة الإيرانية على المشاركة في المياه المفتوحة والدولية، فإن البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني مستعدة هذه المرة للعب دورها في هذا المجال المهم، وفي إجراءٍ لم تمتلك أجهزة المخابرات ووسائل الإعلام في العالم أدنی معلومة عنه، كشفت عن إنجاز مهم وتاريخي.
بالطبع، اتخذ سلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني الخطوة الأولى للتواجد في المياه البعيدة عن الوطن في سبتمبر 2016، مع إزاحة الستار عن سفينة “الشهيد ناظري”، وبينما اعتمدت في السنوات السابقة بشكل كبير على الزوارق السريعة في الملاحة، وحددت مهمتها بشكل رئيسي في الخليج الفارسي ومضيق هرمز، ولکن مع وصول هذه السفينة الجديدة، قدمت عمليًا الخطوة الأولى لتوجد في المياه البعيدة بخبرات مختلفة.
الحرس الثوري الإيراني إلی المياه البعيدة من خلال الجمع بين عدة مهام
لكن مع الكشف عن سفينة الشهيد روداكي، وإعلان قائد القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية عن وجود هذه السفينة في المحيط الهندي في المهمة الأولى، أصبح واضحًا أن الخطط المتعلقة بوجود الحرس الثوري الإيراني في المياه المفتوحة كانت جادةً للغاية، وكانت الخطوة الثانية للحرس الثوري الإيراني في هذا المجال أقوى بكثير من الخطوة الأولى، والنتيجة هي سفينة مهمة وهجينة. للبدء، من الأفضل التعرُّف علی المواصفات العامة لهذه السفينة.
هذه السفينة التي تبلغ حمولتها 12 ألف طن، وطولها 150 مترًا وعرضها 22 مترًا، هي أثقل سفينة لدی الحرس الثوري الإيراني، وربما تكون إحدى أكبر سفن القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية بعد سفينة “خارك” التابعة لسلاح البحرية في الجيش الايراني.
إن نظرةً على مظهر هذه السفينة تظهر أنها كانت نوعًا من سفن النقل والتجارة، والتي غيرت الآن استخدامها في دور جديد، في مبادرة مهمة وفعالة.
وإذا ألقينا نظرةً على الصور التي تم بثها من هذه السفينة، فيظهر لنا باب كبير يمکن فتحه وتحميله من الجزء الخلفي للسفينة، مما يساعد هذه السفينة في القيام بدور العمليات البرمائية.
وفقًا لذلك، يمكن لمجموعة متنوعة من الشاحنات المجهزة بأنظمة الرادار والصواريخ أو ناقلات الأفراد والدبابات والسفن الحاملة للجنود، أن تدخل البحر بهذه الطريقة أو ترکب على متن السفينة.
حتى الآن، سفينة الحرس الثوري الإيراني هي مجرد ناقلة جنود ثقيلة قادرة على حمل كمية كبيرة من القوات والمعدات، ولكن من الآن فصاعدًا ستکون هناك فوارق ملحوظة.
عند رؤية الصور الأولى من سطح هذه السفينة، نواجه قاذفة 8 لصواريخ كروز المضادة للسفن، والتي يبدو أنها من سلسلة “نور” أو “قدير”. وتعزِّز صورة منصة الإطلاق احتمالية أننا هنا أمام صواريخ من سلسلة “قدير” يبلغ مداها نحو 300 كيلومتر.
وفي الجزء الآخر من هذه السفينة بعيدة المدى، نرى وجود منظومة الدفاع الجوي “سوم خرداد” (الثالث من خرداد)، وعربة دعم خلفها على سطح السفينة. ومنذ فترة، تم نشر صور اختبار النظام الصاروخي “الثالث من خرداد” على إحدى السفن اللوجستية للحرس الثوري الإيراني، وقد تم إثبات القدرة على إطلاق النار من السفينة لهذا النظام.
والآن، بدلاً من إنفاق أموال إضافية لتطوير نظام إطلاق كامل منفصل من الغواصة، قام الحرس الثوري الإيراني، عبر استخدام الخبرات السابقة وإجراء التغييرات اللازمة، بنقل منظومة “الثالث من خرداد” إلى سطح سفينة الشهيد “روداكي”، لتوفير التغطية الدفاعية الجوية والصاروخية لغواصته الكبيرة.
بالطبع، في الصورة المنشورة لسطح هذه السفينة، نری قوارب سريعة يبدو أنها تنطلق من نفس باب الخروج الخلفي، وسيتم استردادها في النهاية من هناك. ويمكن أن تكون هذه السفن فعالةً للغاية في مهام مثل مرافقة السفن، أو العمليات الخاصة الأخرى لنقل القوات الخاصة إلى أماكن مختلفة، وإبقاء السفينة الأم بعيدةً عن أماكن معينة.
في الواقع، لا تقتصر القوة الهجومية والدفاعية لهذه السفينة الكبيرة على الأسلحة الموجودة على سطحها، بل ستكملها مجموعة متنوعة من الأسلحة على القوارب السريعة.
لكن الجزء الأكثر أهميةً في هذه السفينة، هو مسألة القوة الجومائية عليها. جزء من هذه القوة هو المروحية التي نراها على سطح السفينة، وهي من نوع “بيل”، وبالطبع من خلال إفراغ السطح، يمكننا أن نتوقع أن هذا السطح الكبير سيكون قادرًا على استيعاب طائرات هليكوبتر أكبر مثل “مايل 17”.
لكن الأهم من طائرات الهليكوبتر، هي الطائرات بدون طيار المثبتة على سطح السفينة، والتي بدت وكأنها من نوع الإطلاق ومماثلة لنوع “أبابيل”.
تم الكشف عن التثبيت الجماعي لطائرات أبابيل بدون طيار منذ بعض الوقت على الزوارق السريعة للحرس الثوري الإيراني، ودخلت رسميًا في خدمة وحدات عمليات القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية في الخليج الفارسي.
تحتاج هذه الطائرة بدون طيار إلى مسرِّع أولي فقط، ليمكنه الوصول إلى ارتفاع معين وبدء التحليق.
إستخدام هذه الطائرات بدون طيار أو أنواع المروحيات الرباعية الموجودة في هذه السفينة، وكما ذكر قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني، هو في الواقع واحدة من النقاط الرئيسية والمهمة في مسألة الاستطلاع ما وراء الأفق للصواريخ المضادة للسفن المثبتة على متن هذه السفينة.
في الوقت نفسه، فإن هذه السفن قادرة على حمل عدد كبير من الطائرات بدون طيار مثل سلسلة أبابيل 2 من حيث الحجم، ويمكن استخدامها كسفينة أم لقيادة موجة كبيرة من طائرات الاستطلاع أو الانتحار بدون طيار.
وأخيرًا، يجب القول إن سفينة الشهيد روداكي تجربة وخطوة مهمتان، ويعدّ بطريقة ما مبدأً تاريخياً لقوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، ذلك لأن هذه السفينة قادرة بوضوح على الإبحار لعدة أشهر في المياه البعيدة، ويمكن أن تلعب أدوارًا مختلفةً لم يكن القيام بها ممکناً حتى الآن إلا في المياه القريبة.
وفقًا لخطته الجديدة لامتلاك سفن ثقيلة، حاول الحرس الثوري الإيراني الجمع بين عدة أدوار في سفينة ثقيلة واحدة، وجعل السفينة متعددة الأغراض في حالة تشغيلية.
وبناءً على ذلك، يمكن في المستقبل توقع إضافة صواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن أو حتى إطلاق صواريخ كروز لمهاجمة أهداف برية وبحرية بعيدة المدى علی هذه السفينة، مثل سلسلة “أبو مهدي” أو “سومار”.
وبالنظر إلى التجارب السابقة التي تُظهر أن القوات المسلحة الإيرانية تتحرك وفق خطة استشرافية وستتم إعادة إنتاج النسخ الناجحة الحالية في المستقبل، ينبغي القول إن الحركة التي بدأت في البحرية الإيرانية في السنوات الأخيرة، سوف تصبح في السنوات المقبلة موجةً نرى فيها تواجد الأسطول المشترك للجيش والحرس الثوري في العديد من المياه الدولية، إن شاء الله.