الموعد الاكثر تفاؤلاً الذي يتسرب بين الحين والآخر هو بعد عامين من اليوم، أي عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون ويغادر قصر بعبدا، وعندما تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي، ورئاسة رئيسه نبيه بري، وعندما يضيع الرئيس سعد الحريري آخر الفرص للبقاء في رئاسة الحكومة، وعندما يتحول حزب الله الى حزب محلي متواضع ضعيف الاثر ما يضطره الى التخلي عن دويلته وعن تحالفاته الحالية، وعندما….
قبل خريف العام 2022، لا أمل بوقف الانهيار، خاصة وأن جميع المذكورين آنفاً مستمرون بلا هوادة في الحفر وصولاً الى القاع، من دون أدنى إحساس بالذنب أو الخجل، أو المسؤولية حتى تجاه جمهورهم الخاص الذي يدفع مثله مثل بقية اللبنانيين ثمن صراعاتهم المدمرة ومغامراتهم الخطرة، ولو بدرجة أقل نسبياً.
لا مجال لإقناع أي من المسؤولين اللبنانيين بالتوقف عن الحفر، لا أكثر، وأعطاء البلد وأصدقائه العرب والاجانب فرصة مساعدته على الخروج من النفق المظلم، الذي لا يبدو في نهايته سوى خطر الاندثار للدولة والشعب.. طالما ان المبرر الوحيد لبقاء الجمهورية اللبنانية، المستقلة، والمعترف بها دولياً، هو تفادي تعديلات غير مرغوبة، وربما سابقة لأوانها، على خريطة المشرق العربي، وتجنب هجرات إضافية للبنانيين..وتحول الباقين منهم الى ميليشيات مسلحة ومتناحرة، وعصابات قطاع طرق.
الصورة قاتمة، خاصة وأن الأمل الذي يلوح في أفق البحث الدولي حول مستقبل لبنان، مبني على تمنيات ليس لها منطق، ورغبات ليس لها أساس، وهي تجافي ابسط قواعد التفكير السياسي اللبناني، الرسمي والشعبي أيضاً.. حيث يبدو المستقبل مقفلاً، لفترة تزيد عن العامين، وتتطلب أزمات سياسية ومعيشية أكبر من تلك التي يواجهها اللبنانيون اليوم.. قبل ان تستيقظ “الجماهير” اللبنانية وتسعى بجدية للعثور على قواسم مشتركة، راسخة، لإعادة بناء الدولة اللبنانية، ومؤسساتها، من نقطة الصفر.
وهذه القواعد المبنية على التجربة والخبرة، والتي تناقض مهلة العامين المتداولة في الخارج، تقوم على إفكار بسيطة جدا، هي ان الرئيس عون يمكن ان يرفض الخروج من قصر بعبدا، وليس مستبعداً أن يطلب التمديد، أو أن يعطل بشكل أو بآخر إنعقاد جلسة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في مجلس النواب، الذي بدوره ليس من المستبعد أن يمدد لنفسه، لتعذر إجراء إنتخابات نيابية جديدة، لأسباب سياسية أو أمنية أو مالية، يمكن توفيرها بسهولة وبلا أي تردد، كما ليس من المؤكد إذا ما جرت تلك الانتخابات في موعدها أن يمتنع الرئيس بري عن الترشح. وفي هذه الحالة يمكن ان يضمن الرئيس الحريري بقاءه نائباً، وربما مع كتلة نيابية صغيرة، بعد أن يكون قد خسر رئاسة الحكومة مرتين على الأقل من الآن وحتى خريف العام 2022.. وبعد أن يكون حزب الله، قد فقد قدرته وحماسته للمضي قدماً في معركته التاريخية مع البيت الحريري، وبعد أن يصبح معنياً بالبحث عن أسلوب جديد للعمل السياسي الداخلي، البعيد عن هيبة السلاح وعن أدوات القوة..
هذا المنطق اللبناني الذي يقاوم معظم التقديرات الخارجية، يستند الى فرضية ان البلد يحتمل أكثر من عامين من تلك الحرب الطاحنة بين العصبة الحاكمة، التي يتفق الجميع على أنها تنذر بدمار الهيكل على رؤوس الجميع، لكنها بلا شك تخدم مصالح ما يقرب من نصف افراد الشعب اللبناني، المستفيدين من تلك العصبة، وتبقي النصف الآخر في العراء أو على أبواب الهجرة، من دولة لم يبق فيها من مقدسات وطنية سوى السرية المصرفية!
عامل وحيد، يمكن أن يخيب الجميع، لبنانيين أو مهتمين بلبنان: حرب كبرى، مستبعدة جداً، لكنها تبدو للبعض مناسبة لتصفية الكثير من الحسابات.. حتى ولو كانت النتيجة بلوغ القاع.