سامي كليب ــ 180 post
تميّز الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه كان بين قلّة قليلة من المسؤولين الاميركيين الذين عارضوا اجتياح العراق عام 2003 مذ كان على مقاعد مجلس الشيوخ، وهو ما ألبّ ضده لوبيات سياسية وعسكرية وصناعية ونفطية.
قبل وصوله الى البيت الأبيض، زار باراك أوباما بغداد والتقى رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ثم أكمل بعد وصوله الى الرئاسة خطته القاضية بالانسحاب التدريجي الذي يشرح في كتابه الجديد “A promised land” (الأرض الموعودة أو أرض الميعاد) أسباب قناعته تلك، كما ينتقد بشدة ما فعلته الإدارة الأميركية السابقة في العراق منذ اجتياحه.
يقول أوباما:
“حين إنضممتُ الى وفد صغير من ممثلي الكونغرس الى العراق، بعد نحو 3 سنوات على اجتياحه من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لم تكن الحكومة الأميركية قادرة على نفي حجم الكارثة التي أحدثتها تلك الحرب. فمع تفكيك الجيش العراقي والسماح لأغلبية شيعية بإقصاء عدد كبير من المسلمين السنة وبطريقة عنيفة عن المؤسسات الحكومية، فتح المسؤولون الاميركيون الطريق نحو وضع فوضوي يزداد تعقيدا يوما بعد آخر. اندلع صراع فتنوي دامٍ، تميز بالعمليات الانتحارية والتفجيرات على حفافي الطرقات وبالسيارات المفخخة التي راحت تندلع في الأسواق المكتظة بالناس.
إذا كانت البلاد ما زالت واقفة على قدميها، فذلك فقط بفضل شبان الجيش والبحرية الاميركيين الذين نشرناهم هناك، والذين كانوا قد تخرجوا لتوهم من المدارس، وسقط منهم حتى ذاك الوقت أكثر من 2000 ضحية وآلاف الجرحى.
في الطائرة التي اعادتنا الى الولايات المتحدة الأميركية، فكرتُ بكل أولئك الأطفال ضحايا غرور رجال مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، اللذين حثانا على الحرب بناء على معلومات كاذبة ورفضا النظر الى نتائج قراراتهما.
ان تكاليف تلك الحرب التي كانت حكومة بوش ووسائل الاعلام تصفها بأنها الحرب الوحيدة والشاملة ضد الإرهاب كانت باهظة جدا: أكثر من 1000 مليار دولار، وأكثر من 3000 قتيل من الجيش الأميركي، وأكثر من هذا بعشر مرات عدد الجرحى، أما عدد الضحايا المدنيين العراقيين والافغان فقد كان أعلى من ذلك. ان حرب العراق، قسّمت البلاد.
كان هدفي هو إعادة النظر باستراتيجيتنا العسكرية، واعتماد مقاربة عميقة لما يمكن أن يحدث لاحقا. وبفضل صيغة القوات التي اعتمدها الرئيس بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل شهر من استلامي مهامي، كانت الخطوط الكبرى للانسحاب من العراق قد رُسمت. وانا التزمت في خلال حملتي الانتخابية بسحب القوات القتالية الأميركية من العراق فور وصولي الى السلطة وفي مدة لا تتعدى 16 شهراً.
• نحن فتتنا العراق
نحن اجتحنا العراق، وكسرناه، وساهمنا بانبعاث فرع من “القاعدة” أكثر عنفا، واضطررنا لأن ندفع ثمنا غاليا لمناهضة التمرد في عين المكان. ان جورج بوش اجتاح العراق وزعزع الشرق الأوسط.
في خلال حملتي الانتخابية للرئاسة، وعدتُ الأميركيين بالخروج من السياسة الخارجية التي نخوضها منذ 11 أيلول/سبتمبر. لقد برهن العراق وأفغانستان بلا مواربة، كم أن خيارات الرئيس تتقلص حين تبدأ الحرب. كنت عازما على تصحيح الحالة الذهنية التي سيطرت على إدارة بوش ونقلت العدوى بشكل واسع الى واشنطن، والتي كانت ترى التهديد في كل زاوية طريق، وتعتمد على كرامة منحرفة تنبثق من أحادية وتعتبر ان العمل العسكري أمر عادي لتسوية الأوضاع الجيوسياسية. لقد أصبحنا في علاقاتنا مع الأمم الأخرى، طائشين وعديمي المرونة ومنغلقين حيال وجهة نظر متعددة، وكنت مقتنعا بأن أمن الولايات المتحدة الأميركية لا ينفصل عن تدعيم تحالفاتنا والمؤسسات الدولية، وفضلت العودة الى العمل العسكري كخيار أخير وليس أولا.
• نوري المالكي طالب بانسحابنا
ان العلاقات التي نسجها المالكي مع إيران حيث أمضى سنوات طويلة من النفي، وعلاقاته المتشابكة مع ميليشيات شيعية. كل ذلك جعله مثار شكوك في عيون المملكة العربية السعودية ودول أخرى حليفة لأميركا في خليج فارس، وهذا ما يُشير الى أي مدى عزّز الاجتياح الأميركي الموقع الاستراتيجي لإيران في المنطقة. فهل تم التطرق الى هذا من قبل فريق بوش في البيت الأبيض، وهل توقع أحد هذا الأمر الواضح التوقّع قبل ارسال القوات الأميركية الى العراق؟ ليس مؤكداً. في جميع الأحوال فان الحكومة كانت مرتبكة حول هذا الأمر آنذاك.
المحادثات التي أجريتها مع عدد من المسؤولين الدبلوماسيين وكبار الضباط كانت تؤكد مصلحة البيت الأبيض في الإبقاء على وجود عسكري مناسب في العراق، وان هذا ليس متعلقاً فقط بضمان الاستقرار وتقليص العنف فيه، وانما ايضاً منع إيران من الإفادة من الفوضى التي أحدثناها.
وبما ان هذه القضية كانت في صلب النقاش حول السياسة الخارجية في الكونغرس، سألتُ المالكي عبر المترجم، إذا كان العراق مُستعداً لانسحاب القوات الأميركية. وقد فوجئنا جميعا بجوابه دون تردد، فهو حتى لو كان يشعر بشيء من الامتنان حيال القوات الأميركية والبريطانية، ويأمل بأن تواصل أميركا المساهمة في تمويل تجهيز وتشكيل القوات العراقية، كان موافقاً معي حول أن الساعة قد حانت لتنظيم انسحاب على مراحل للقوات الأميركية.
لم يكن واضحاً أسباب قرار المالكي لمصلحة انسحاب متسارع للقوات الأميركية. أهو موقف وطني؟ أم تعاطف مع الإيرانيين؟ أم استراتيجية تهدف الى تدعيم سلطته؟ مهما كان من أمر حول النقاش السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، فان موقف المالكي كان ثقيل الوطأة والأثر. فأن يشجب البيت الأبيض او جون ماكين طلباتي للانسحاب على مراحل واعتباره مؤشر ضعف وعدم مسؤولية او هرب، فهذا يُمكن فهمه، أما شجب هذه الفكرة حين تخرج عن مسؤول عراقي انتُخب حديثاً فهذه قضية أخرى.
بطبيعة الحال، لم يكن المالكي آنذاك يتمتع بسلطات حقيقية، فقائد قوات التحالف في العراق، الجنرال دايفيد بترايوس، هو الذي كانت له اليد الطولى، ومن خلال الحديث معه، توقعت عدداً من القضايا الحساسة في السياسة الخارجية التي ستشغلني لفترة غير قصيرة من رئاستي.
وفي خلال زيارتى القصيرة الى العراق في نيسان/ابريل 2009، اقترحت على المالكي مجموعة من الأفكار للإصلاح الإداري الضروري، والتواصل على نحو أكثر فعالية مع المكونات السنية والكردية، أجابني بتهذيب وبقي في حالة الدفاع عن النفس. فهو بطبيعة الحال، لم يكن معجباً بالأفكار الفدرالية للرئيس المؤسس جايمس ماديسون حول تفتيت المجتمع. من وجهة نظر المالكي، فان الشيعة كانوا أغلبية، وتحالفه قد فاز في الانتخابات، وان السنة والكرد يؤخرون الخروج من الأزمة من خلال مطالبهم التي لا معنى لها، وان مطالب الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأقليات العراقية وحماية حقوقها انما هو نوع من الازعاج المرتبط بالضغوط الأميركية.
هذا الحوار (مع المالكي) ذكّرني بأن الانتخابات وحدها لا تكفي لإقامة ديمقراطية عملية، وطالما ان العراق لم يتوصل الى تدعيم مؤسساته، وان قادته لم يتعودوا على التسويات، فان المصاعب ستستمر في البلاد، ومع ذلك فبمجرد ان المالكي وخصومه ما زالوا يعبّرون عن خصوماتهم وحذرهم من بعضهم البعض عبر القنوات السياسية وليس السلاح، يعتبر امراً جيداً”.
خلاصة: الواضح من خلال هذا العرض القصير لما قاله باراك أوباما في كتابه عن العراق، انه يحمّل إدارة بوش مسؤولية ما حصل في هذا البلد، من تقسيم وتفتيت وافقار وضرب المؤسسات وانبعاث التيارات التكفيرية الإرهابية. وهو إذ تراجع قليلاً في أثناء حكمه حيال سحب القوات الأميركية بسبب “القاعدة” وايران والاعتبارات الداخلية الطائفية العراقية والمصالح النفطية والعسكرية لأميركا وحلفائها، فانه بلا شك وضع هذا الاجتياح الأميركي- البريطاني للعراق في اطار الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية والاخطاء الشخصية لمجموعة من المغرورين الحاقدين وفق ما وصّفهم، وهذا بحد ذاته يُحسب له..