الرئيس ترمب أساء لحماية البيئة والكوكب خلال سنوات عهده وقد يواصل ذلك حتى 20 يناير العام المقبل (غيتي)
ثمة مشهد رائج كثيراً مأخوذ من فيلم الأكشن الرائع “ديسبيرادو” Desperado الذي يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، يظهر الممثل أنطونيو بانديراس في شخصية المارياتشي، والممثلة سلمي حايك في شخصية كارولينا، وهما يبتعدان عن كرة من لهب أشعلتها قنابل يدوية خلفهما. ولقد تبادر هذا المشهد إلى الذهن بين الفينة والأخرى في الأسابيع القليلة الماضية.
حدث ذلك أثناء متابعتي المستمرة للتحركات المحمومة الأخيرة لإدارة ترمب في السلطة، ومن بينها سلسلة عمليات فصل كبار مسؤولي وزارة الدفاع، والتحقير التدريجي للأعراف الديمقراطية، وأخيراً هجومه (ترمب) للخروج على إجراءات حماية البيئة والمناخ.
وخلال عهد ترمب مرت أربع سنوات طويلة بالنسبة للبيئة. ومنذ البداية، بدأ الموالون له المعينون في مختلف الوكالات الفيدرالية، ينفذون أجندة كاسحة شملت أكثر من 100 تراجع عن القواعد والسياسات التي تحمي هواءنا ومياهنا وأراضينا وحياتنا البرية، لمصلحة تخفيف المعايير على أولئك الذين يستخدمون المواد الكيماوية السامة ويتسببون في انبعاثات الكربون.
وقد قادت تلك الجهود “وكالة حماية” البيئة التي عين على رأسها في فبراير (شباط) الماضي عضو سابق في لوبيات صناعة الفحم، بهدف العمل ربما على تحقيق قائمة أمنيات جماعات الضغط، وهي قائمة واسعة.
في مارس (آذار) الماضي، جرى التراجع عن معايير عهد أوباما بشأن المسافة التي يجب أن تقطعها السيارات (لكل غالون من البنزين) التي هدفت إلى تحفيز إنتاج السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه تحسين كفاءة استهلاك الوقود، في خطوة عارضتها عدد من الولايات وشركات صناعة السيارات.
لقد حدث اجتثاث استهدف واحدة من إنجازات أوباما المميزة في معالجة الانبعاثات، من قبل خلفه (ترمب) الذي تقلب بين تجاهل أزمة المناخ وبين وصفها بأنها “خدعة،” مدعوماً بسلسلة من الحجج السيئة من جوقة الحزب الجمهوري.
وكذلك ألغى مسؤولو ترمب إجراءات الحد من التلوث في الأراضي الرطبة، وقتلوا مقترحاً كان يهدف إلى الحد من التلوث الناجم عن محطات الصرف الصحي، وتخلوا عن مطالبة شركات النفط والغاز بالإبلاغ عن انبعاثات غاز الميثان القوي المسبب للاحتباس الحراري، وتلك مجرد أمثلة غير حصرية.
ثمة سمة مميزة أخرى لعهد ترمب تتمثل في تجزئة الأراضي الأميركية العامة بهدف التنقيب عن النفط والغاز والتعدين وقطع الأشجار، إذ بيع مزيد من الأرض إلى قطاعات صناعية، أكثر من أي وقت مضى.
وحالياً، تسابق الإدارة الزمن كي تتمم أجندتها المدمرة قبل نهاية ولاية ترمب الوحيدة. وإجمالاً، جرى اقتراح 23 لائحة تنظيمية منذ يوم الانتخابات.
وتتمثل آخر الأخبار في أن السهل الساحلي لـمحمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي Arctic National Wildlife Refuge، أصبح متاحاً للإيجار بهدف التنقيب عن النفط والغاز.
إنها منطقة بحجم ولاية “ديلاوير”، محصورة بين جبال “بروكس” التي تعد الأعلى ارتفاعاً داخل الدائرة القطبية الشمالية وبحر “بيوفورت”، ويقصدها نحو المليونين من غزالات الرنة caribou في أطول هجرة برية في العالم بهدف وضع صغارها هناك كل صيف. ولقد عبر سكان “غويتشين” Gwich’in الأصليون الذين تجاهلت إدارة ترمب آراءهم باستمرار، عن مخاوفهم بشأن التأثيرات على قطعان غزلان الرنة التي يعتمدون عليها في عيشهم، وكذلك تعد المحمية الملقبة بـ”سيرينغيتي الأميركية” (تيمنا بسهول سيرنغيتي التنزانية)، موطناً للدببة القطبية المهددة بالانقراض إلى جانب الذئاب الرمادية وثيران الـ”موسك” musk oxen، بل تجذب أيضاً الطيور المهاجرة من جميع أنحاء العالم.
لذا، يعني التنقيب عن النفط والغاز هنا، في قلب أكثر الأمكنة البرية (العذراء) في أميركا، توسعاً هائلاً للبنية التحتية، من طرق دائمة ومناجم الحصى ومجمعات سكنية للعمال واستنزاف موارد المياه العذبة، بحسب آدم كولتون، المدير التنفيذي لرابطة الحياة البرية في ألاسكا Alaska Wilderness League.
ولقد أوضح لصحيفة “اندبندنت” أن المحمية تمثل “خياراً عسيراً لاتجاه مستقبلنا في الطاقة.” وأضاف “هل نريد إفساد هذه المناظر الطبيعية البرية من خلال تشبثنا الأخير باقتصاد النفط؟ أم أننا سنعمل على تغيير مفصلي؟”.
وأصبحت المنطقة رمزاً لأزمة المناخ. وبحسب وكالة ناسا، شهد شهر سبتمبر (أيلول) انكماشاً للجليد البحري في القطب الشمالي، ووصل إلى ثاني أدنى مستوى له منذ بدء تسجيلات الأقمار الصناعية لمساحاته، وكذلك كانت درجات الحرارة في عام 2020 أكثر دفئاً من معدلها الوسطي بما يتراوح بين 14 و18 درجة فهرنهايت (8-10 درجة مئوية).
وبصورة عامة، يبدو إطلاق مشاريع تطويرية كبرى في قطاعي النفط والغاز ضمن تلك المنطقة بمثابة غطرسة لا تجدي نفعاً.
حتى القطاع المصرفي الذي يستمر في دعم صناعة الوقود الأحفوري، ابتعد عن هذا النشاط إلى حد كبير. وتعد بنوك “تي دي بنك” TD Bank و”باركليز” Barclays و”غولدمان ساكس” و”ويلز فارغو” Wells Fargo و”مورغان ستانلي” و”جي بي مورغان تشيس”، من بين المؤسسات المالية التي ذكرت إنها لن تمول أنشطة (استخراج) النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي.
في غضون ذلك، يعارض الرئيس المنتخب بايدن بشدة التنقيب في “محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي”، وتعهد بمنع إصدار تصاريح جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي العامة.
وعلى الرغم من وجود أدوات ضغط سياسية، إذ يمكن للرئيس الجديد أن يلغي عروض إيجار اللحظة الأخيرة (ناهيك بالدعاوى القضائية الأربع المنفصلة التي تتحدى التنقيب في المحمية)، حذر كولتون من “الاستهانة بأي شيء”، فإذا تمكنت إدارة ترمب من إصدار عقود إيجار للمشترين بشكل رسمي، فإن ذلك قد يعقد الأمور. ويدرس مسؤولو ترمب كيفية تسريع معالجة المناقصات التي تستغرق عادة شهرين من التدقيق، وكذلك من الممكن أن يؤدي إقحام قواعد تنظيمية في اللحظة الأخيرة إلى إبطاء خطط فريق بايدن في التفعيل الفوري لسياسته المناخية والبيئية المكثفة.
علاوة على ذلك، إذا احتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ بعد إعادة الانتخاب على مقعدين في ولاية جورجيا في يناير (كانون الثاني)، فمن غير المرجح أن يستخدموا قانون مراجعة الكونغرس الذي يسمح بإلغاء اللوائح التنظيمية التي تصدرها الإدارة القائمة، كي لا يصب ذلك في صالح بايدن. وعلى نحو مشابه، يبدو أن بيع الأراضي العامة الأميركية بسعر زهيد سيستمر إلى آخر أيام ولاية ترمب.
وأثارت إمكانية عرض إيجار التنقيب عن النفط والغاز بالقرب من “معلم “تشيمني روك” Chimney Rock الوطني” في كولورادو، المقرر هذا الشهر، أثارت اتهامات علنية لـ”مكتب إدارة الأراضي” بأنه يستعجل تلك العملية.
وقبل أقل من أسبوع من يوم التنصيب، سيعرض المكتب قطع أراضٍ في المزاد للتأجير بهدف التنقيب عن النفط والغاز في ولاية “نيو مكسيكو”، حيث أثارت مجموعات بيئية مخاوف بشأن المستويات المرتفعة لتلوث الهواء في تلك الولاية.
© The Independent