كيف يرد بايدن إذا استهدفه ترمب بنظريات المؤامرة والألاعيب القذرة؟ يتحتم على الرئيس المنتخب تذكر الشيء الذي جعله ينتصر في الانتخابات فيما يستعد الجمهوريون لعرقلة أجندته

ينصح خبراء إستراتيجيون الرئيس المنتخب بايدن بأن يكون الشعب وسيلته في الرد على تشكيك ترمب في شرعيته (رويترز)

 

حين يؤدي جوزيف روبينيت بايدن جونيور القسم بوصفه الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، فإن ارتقاءه سلم المسؤولية ليصل إلى أعلى منصب في البلاد سيجري في ظروف شبيهة للغاية بتلك التي واجهها الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2009.

وعلى غرار الرئيس أوباما من قبل، سيباشر بايدن مهامه الرسمية، فيما يركز الجمهوريون جهودهم على إجراء تحقيقات عدة بشأنه، الغرض منها تشويه سمعة إدارته. وسيجري ذلك في الوقت الذي يصبح فيه بايدن موضوعاً لنظريات المؤامرة التي يروج لها دونالد ترمب بهدف إلقاء شكوك حول مدى شرعية الرئيس المقبل. وطبقاً لخبراء إستراتيجيين وأشخاص مطلعين من الحزبين، فإن قرار بايدن بشأن الطريقة التي سيرد بها على كل هذا، سيكون أحد أهم القرارات التي سيتخذها خلال رئاسته.

ومن الجدير ذكره، أنه منذ الإعلان في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) عن فوز بايدن بالانتخابات، يعمد ترمب وفريق حملته الانتخابية وحلفاؤه في مجلس النواب وفي وسائل الإعلام اليمنية المحافظة، إلى الترويج بلا توقف لسلسة من الادعاءات الكاذبة التي تزعم أن انتصار بايدن جاء نتيجة الغش، لا سيما من جانب أنصار الحزب الديمقراطي من أصحاب البشرة السوداء الذين يعيشون في مدن رئيسة كـ”أتلانتا، وديترويت، وميلووكي، وفيلادلفيا”، وذلك على الرغم من إدلاء هؤلاء الناخبين بأصواتهم القانونية.

هكذا تتراوح نظريات المؤامرة التي تنشرها وسائل إعلام يمنية، وعدد منها صادر من فريق مستشاري ترمب القانونيين أو حسابه الخاص على “تويتر”، بين المزاعم المتخيلة البعيدة الصلة مع الواقع وادعاءات سخيفة، قوبل معظمها بالسخرية من قبل قضاة المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات الذين رفضوا النظر فيها.

ووفقاً لاثنين من المصادر التي تعرف كيف يفكر ترمب، فإنه ليس لديه أي نية للاعتراف بفوز بايدن بالانتخابات، كما أنه يخطط للمضي في التغني بأوهامه حول السرقة المزعومة للولاية الثانية منه عن طريق الغش المتفشي الذي دُبِّر لمصلحة منافسه بايدن. ويتطابق ذلك تماماً مع قضائه سبع سنوات في الترويح الـ”بيرثيريذم” (الولادة المفتعلة) birtherism وهي نظرية مؤامرة لا أساس لها من الصحة، مفادها أن أوباما الذي أبصر النور في “هاواي”، هو في الحقيقة مسلم ولد في كينيا، مما يعني بالتالي أنه غير مؤهل لتسلم الرئاسة الأميركية.

وكذلك سيكون على بايدن أن يواجه أيضاً أعضاء مجلس الكونغرس الجمهوريين ممن يخططون للمضي في التحقيقات العارية من الصحة بشأن ابنه هانتر، ويعتزمون متابعة النوع ذاته من التقصي السياسي بامتياز الذي سعى ترمب لانتزاع أدلة داعمة له من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كتنازل يقدمه الأخير لقاء مساعدات مالية دفاعية بقيمة 400 مليون دولار أميركي. وقد بات معروفاً أن جهود ترمب هذه أدت بصورة مباشرة إلى مساءلته بهدف عزله في العام الماضي.

وقد قطع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يمثل “ساوث كارولينا”، وهو رئيس اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ، على نفسه وعداً بالمضي في التحقيقات بشأن عائلة بايدن وانتخابات 2016، وما بعدها. وحدث ذلك خلال جلسة في مجلس الشيوخ العاجز عن الفعل.

وحينها، أشار السيناتور غراهام بعد ما أنهى جلسة استماع حول تحقيق “مكتب التحقيقات الفيدرالي” بشأن صلات حملة ترمب الانتخابية في 2016 مع روسيا، إلى “إننا لن نتوقف”. وقد طلب السيناتور الجمهوري تشارلز غراسلي، الآتي من “أيوا”، والخليفة المفترض لغراهام على رأس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، طلب معلومات من وزارة العدل حول علاقات هانتر بايدن التجارية. وكذلك أبدى عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين رغبتهم في فتح تحقيقات حول عدد مما يُسمى المخالفات التي يرى ترمب وحملته أنها كانت وراء خسارته في عدد من الولايات الأساسية.

وفي ذلك الصدد، ذكر كيرت بارديلا الذي عمل بين 2009 و2011 متحدثاً باسم لجنة الرقابة التابعة لمجلس النواب الذي خضع وقتذاك إلى سيطرة الجمهوريين، إن تعطش الأخيرين في مجلسي الشيوخ والنواب إلى الانتقام، يمكن أن يشكل خطراً على إدارة بايدن، بصرف النظر عن قدرة الديمقراطيين في السيطرة على مجلسي البرلمان عبر الفوز في انتخابات خاصة مقبلة لمجلس الشيوخ في جورجيا.

وأضاف بارديلا “بغض النظر عما سيحدث في جورجيا، فالواقع أن الجمهوريين قد اعتمدوا باستمرار على دليل عمل بدأوا باستخدامه في 2009… ومن موقع الأقلية التي لا تملك نفوذاً فعلياً، استطاع الجمهوريون في مجلس النواب أن يستغلوا المنبر والإعلام لتدبير إستراتيجية رقابية صارمة مصممة بهدف وضع البيت الأبيض في موقع الدفاع، وتنفيذ هذه الإستراتيجية”. وتابع “أن ذلك الدليل كان ناجحاً جداً، وهذا من الأسباب التي جعلت الجمهوريين يستخدمونه بهدف مساعدتهم على الفوز بالأغلبية في 2010 وعملياً وضع حد لرئاسة أوباما آنذاك، من وجهة نظر الكونغرس”.

واستطراداً، أعرب بارديلا عن اعتقاده بأن الجمهوريين سيحولون رغبة بايدن في توحيد الصفوف، إلى سلاح لإرغام إدارته على التعاون مع تحقيقات من الأنواع التي تجاهلتها إدارة ترمب في العادة.

وكذلك تكهن بارديلا بأنه “سيكون هناك قدر هائل من النفاق العلني حين يبدأ الجمهوريون بالدعوة إلى الرقابة والمساءلة والشفافية، بعد ما أعطوا دونالد ترمب شيكاً على بياض لأربع سنوات”.

وإذ سُئل عن وجوب أن تستغل إدارة بايدن السوابق التي خلقتها إدارة ترمب باستمرار في سياق استخفافها بطلبات الرقابة التي رفعها الديمقراطيون، رد بارديلا بأن الديمقراطيين والبيت الأبيض في ظل بايدن، يجب أن “يُمارسا موقفاً جريئاً” حيال الرقابة بأثر رجعي كي تشمل السنوات الأربع الأخيرة.

واعتبر أنه كانت “هناك أربع سنوات من الهدر، والاحتيال، وسوء الإدارة، والفساد الصريح خلال ولاية ترمب. والأشياء التي نعرف عنها مزعجة بما فيه الكفاية، غير أن ثمة كثيراً مما لا نعرف عنه”. وأردف “لا يوجد نقص في المواد التي يمكن للإدارة الجديدة أن تنشرها كل يوم، ما سيكون من شأنه أن يضع الجمهوريين في الكونغرس في موقع الدفاع… يمكن أن يكون ذلك شيئاً يؤدي إلى تحييد النواب الجمهوريين بشكل فعال أثناء محاولتهم مهاجمة بايدن”.

في مقلب مغاير، اعتبر شخص آخر هو مايكل ستيل، الجمهوري القيادي البارز سابقاً، أنه يتوجب على بايدن أن يتجنب الرد بالمثل على التحقيقات الوهمية ونظريات المؤامرة، بل ينبغي عليه إسكاتها كلها بفعل قوة شخصيته المحضة. وبحسب رأيه، “أعتقد أن بايدن… سيعمد بطريقة… أبوية أو تشبه طريقة تعاطي الجد مع الأمور… إلى مخاطبة الناس بعبارات من قبيل “لا، هذا خطأ، هذا غير صحيح، نحن لسنا هكذا”. وأضاف ستيل، أن على بايدن حين يواجه نظريات المؤامرة، التشديد على كون الطرق التي “أوصلتنا للتو إلى هذا المناخ تشكل طرقاً تنطوي على خيانة للبلاد”.

وأضاف ستيل، أن هؤلاء الجمهوريين الذين يرفضون سلفاً شرعية بايدن إنما “يتغذون من” الخطاب الذي ينشره ترمب وحلفاؤه في وسائل الإعلام اليمنية المحافظة. واعتبر أن مهمة بايدن المتمثلة في استمالة هؤلاء الذين ما زالوا يتبعون ترمب، قد تكون مهمة شبه مستحيلة.

وزاد ستيل أن المهمة “ستكون صعبة، لأن لديك 45 أو 50 في المئة من الشعب ممن لا يؤمنون أنك ستكون رئيساً شرعياً، والشخص الذي هزمته يجب أن يكون في منصبك… إذن ماذا تفعل كي تتغلب على هذه المشكلة؟ لا أدري”. وكذلك افتَرَضَ ستيل أن الأمر قد يتطلب وجود “حدث وطني أو دولي “كي يحرر الناس من هذا الغباء الوهمي المتفاقم باستمرار الذي يحيط بترمب”.

وتابع ستيل “الطريقة الوحيدة التي أراها لتبديده (الوهم) تتمثل في حصول شيء يمكنه أن يهز الأمة بطريقة تجعلها تفتح عينيها وتدرك أننا في حاجة إلى رئيس للتعامل مع مسألة ما أو معالجة مشكلة بعينها”.

في مسار مختلف، لاحظ ريك تايلر، المستشار الجمهوري الذي عمل مديراً للاتصالات في حملة المرشح الرئاسي سيناتور تكساس تيد كروز الانتخابية في 2016، لاحظ أنه بإمكان بايدن تجاوز أعضاء الكونغرس الجمهوريين ومحاولاتهم تجريده من الشرعية إذا وضع أجندته بين يدي الشعب الأميركي بصورة مباشرة.

وأوضح تايلر أن “الجواب هو نفسه دائماً، أنه القيادة، في جمهورية دستورية، أي القدرة على المساومة مع الطرف الآخر ونيل العدد المطلوب من الأصوات، كي تمضي بالأجندة إلى الأمام”. وأضاف “والطريقة التي تدفع بها الأجندة الى الأمام لا تتمثل في احتساب الأصوات في الكونغرس، ولا في إقناع [ميتش] ماكونيل [زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ]، أو في إقناع رئيسة مجلس النواب [نانسي] بيلوسي، أو في إقناع كيفين ماكارثي [زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب]، لأنهم جميعاً لاعبون صغار يؤدون أدواراً في لعبة أكبر بكثير”.

وأردف تايلر “أن طريقة تحريك الكونغرس تتمثل في تحريك البلاد… لأنهم جميعاً تابعون، وسيفعلون تماماً كما يريد أولئك الذين انتخبوهم. وببساطة، على بايدن أن يضع أجندة تنم عن بُعد نظر، يريدها الناس، ويشرح لماذا هي الأفضل بالنسبة للناس. وهكذا سيقتنع الناس ومن ثم سيبلغون ممثليهم في الكونغرس بذلك”. وأضاف تايلر أنه بوسع الجمهوريين “الصراخ قدر ما يشاؤون حول الغش وعدم الشرعية، فيما يقدم بايدن للبلاد ما تريده، مستهلاً ذلك بالأشياء التي يريدها ناخبوهم [الجمهوريون]، مثل الطرق والجسور”.

أما بالنسبة لإمكانية إجراء الديمقراطيين تحقيقات ذات أثر رجعي بشأن إدارة ترمب، بغرض الرد على ألاعيب الجمهوريين، فقد اعتبر ستيل أن الطريقة الوحيدة للتحقيق بشكل سليم في السنوات الأربع الماضية من دون أن تهيمن هذه التحقيقات على رئاسة بايدن وتشغلها تماماً، تتمثل في تكليف مجلس النواب، أو مدع عام يجري اختياره بشكل خاص، بأداء هذه المهمة.

وأشار إلى أنه “لو كنت رئيساً، لما لمست ذلك، بل لعملت مع مجلس النواب أو… من خلال مستشار قانوني خاص”، مبيناً أن مقاربة تلك المهمة بطريقة مخالفة من شأنه أن يثير عاصفة نارية في وسائل الإعلام اليمنية المحافظة.

وحول الشأن نفسه، رأى مايكل ستار هوبكنز، الخبير الإستراتيجي الديمقراطي، أنه على إدارة بايدن تجنب فتح تحقيقات حول ترمب نفسه، تاركة تنفيذ مهمة كهذه إلى محققين على مستوى الولاية، من أمثال سايروس فانس المدعي العام لمدينة نيويورك، وليتيتيا جيمس المدعية العامة لولاية نيويورك.

وأضاف ستار “إذا انتهى الأمر بالجانب الفيدرالي [بمعنى الإدارة الرئاسية] إلى ملاحقة ترمب، فإن ذلك سيمثل القصة المهيمنة تماماً على أول سنتين [من ولاية بايدن] حتى نهاية 2022، ونحن نعرف أن الحزب الحاكم يخسر مقاعد، ولدينا أضيق هامش ممكن في مجلس النواب، لذلك دَعْ ولاية نيويورك تتولى التحقيق بشأن ترمب”. وذكر أيضاً أن وزارة العدل في ظل إدارة بايدن ستحسن التصرف إذا أتاحت لمدع عام مكلف بشكل خاص، التحقيق في أي مخالفات محتملة لأعضاء من إدارة ترمب.

وتابع ستار هوبكنز، “نظراً لرواج الأفكار التي لا تنسجم إلا مع قناعات اليمين في وسائل الإعلام اليمينية، فإن (تحقيقاً فيدرالياً حول ترمب) سيكون عنصراً طاغياً للغاية، في الوقت الذي نحاول فيه الانتهاء من تشريع “كوفيد- 19″، وبينما نحاول أيضاً إصلاح قانون الرعاية [الصحية] بتكلفة معقولة، ومعالجة قانون الضرائب عندنا”. وأردف “وباعتبار أن بايدن يحتفظ بعلاقات مع الجمهوريين، يتحتم عليه أن ينأى بنفسه عن أي شيء يحصل”.

في نفسٍ مختلف، رأى بارديلا، وهو متحدث سابق باسم لجنة الرقابة التابعة لمجلس النواب، أن على أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الكف عن الشعور بالقلق حيال رد الفعل من جانب الأشخاص الذين قد يشككون في شرعية بايدن انطلاقاً من إيمانهم بنظريات مؤامرة سخيفة.

وبحسب بارديلا “أعتقد أنه يجدر بكل شخص أن يتوقف عن المبالاة بما يقوله الجمهوريون ويفعلونه، لأنهم لا يتمتعون بأي مصداقية. إنهم منافقون، إنهم كذابون، إنهم متواطئون في اختطاف ديمقراطيتنا، وعلينا أن نفترض أنهم سيقولون فعلاً أسوأ الأشياء المحتملة التي يمكنهم أن يقولوها”.

وأضاف بارديلا، “نظراً إلى أن البعض قد أشاروا سلفاً إلى أنهم سيطرحون نظريات مؤامرة تتسم بالجنون، فليس من سبب معقول يبرر الاستماع إليهم بعد الآن”. وتابع “ينبغي علينا العودة مجدداً إلى اتباع القاعدة المعيارية التي تتمثل في الكفّ عن إعطاء أي مصداقية، أو أكسجين الدعاية، لمصلحة هؤلاء الحمقى، والعودة إلى العمل المتمثل في الاهتمام فقط بالناس الذين يستحقون أن يؤخذوا على محمل الجد”.

© The Independent

Exit mobile version