“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
في عيد الإستِقلال أسمَعُ الشّعبَ يَقول: كلُّكُم مسؤولٌ عن نِزاعِنا الطّويل. استورَدتُم توابيتنا. فصّلتُم أخشَابَها وفرَشتُم مخمَلَها ونفختُم وساداتها. قَنَصتُم أمواَلنا. فلس الأرمَلَة وقِرش اليَتيم وليرَة الثّكلى. نبشتُم قبورَ مَوتانا وانتزعتُم أضراسَ الذّهَب مِن جثامينِهِم. هجّرتُم أولادَنا. نعلِّمُهُم باعتِصارِ الدّمع وحشرَجاتِ التأوّه. أعتقَلتُم كلَّ أحلامَنا. ماَتت جوعاً وعَطَشاً ويأساً. كلُّكُم بارَكَ احتضارَنا وكتَبَ نعيَّنا. مَشحتمونا بِمشحَةِ الموتى قبلَ أن يُصَلّى علينا. استحقّيتُم رتبةَ الحقدِ على قدسيَّةِ الحَياة.
أَنتُم مصَمِّمو أزياءَ أكفانِنا ومتعهِدو لوازمِ موتِنا المُبكِر. حفّارو قبورِنا الجَماعيَّة وباعَة عِظامِنا لتّجار الموبيليا. أنتم قَتَلَة بالمَعنى الحَرفي. انتدبناكُم لِحُكمِنا فحكَمتُم علينا وتحكّمتم بِنا. نهشتُم لَحمَنا ورمَيتُم عَظمَنا للكلابِ التي تحرسُ بوابات قصورِكم المنيفة. لم ترحموا حتى صوابير المياه في بيوتِنا. ملأتموها بالمبتذلات وأشربتمونا إياها. كلامُكُم مبتذَلٌ، سكوتُكم تواطئٌ، صُراخُكُم دجَلٌ وكلُّ ما فيكُم فساد.
الشّعبُ يَكادُ لا يستثني مِنكُم أحداً. جعلتمونا مسخرةَ الدول وسخريةَ الإعلام في العالم. يزدَريكُم حكّامُ العالَم. يتندّرونَ على وسَخِكُم. بُقَعٌ أخلاقيَّةٌ عصيَّةٌ حتى على مَساحيقِ العقوبات. عَرضتُم مزابِلَكُم أمامَ الأمم الغريبة. لَكُم في كلِّ عاصِمَةٍ قَصرٌ فيما شبابُ بَلدِكُم بلا مستَقبَل. حتّى التّدقيقُ الجَنائيُّ لَم تتفّقوا عليه. سيكشِفُ ماذا اقترَفَت أيديكُم. لَم ينفَجِر لَكم بُكاءٌ بعد انفِجار المرفأ. انفرَجتُم. تاجَرتُم بالمَوتى والجَرحَى والمَنكوبين. بعتُم الهِبات. استَقدَمتُم الشّركاتَ الضامِنَة. تابَعتُم تِجارَتُكم ودِماءُ الناس لَم تُشطَف بَعد. نهّابون مِن طِراز بوني و كلايد. جزّارون مِن رتبَة جاك السفّاح.
إيَّاكُم والتلفّظُ بكلمةِ إصلاحٍ واحدة. الإصلاحُ يأنفُ منكم. نحنُ أيضاً. إياكُم وتَشكيلُ حكومَة. لَم نَعُد نريدُها. شَبِعنا مِن مؤسساتِ دفنِ المَوتَى ولوازِمِه. موتوا أنتُم. كل أماني الناس ألا تَجِدوا مَن يمشي وراء نعوشِكُم. ألا يأتي أحدٌ ليأخذَ بالخاطِر. حسناً فَعلتُم بإلغاء إحتفالات الإستِقلال. العَلَمُ يتنكّس بِحُضورِكُم. لا كمّامَة تَحمي مِن جَراثيمِكُم. أنتُم كورونا أخلاقيَّة التي لا لقاحَ لَها سِوى الحَرق وصبّ الكِلس والدّفن تَحت سابِع أرض.
حَقنتمونا بالقَرَف ولقّحتمونا ضدَّ الوطن وعلّقتمونا على مشانِق الوعود.
أنتم بأغلَبِكُم كَذَبة. تَعيشونَ على الِقصصِ الملفّقة. تلفقّونَ عن بعضِكُم. تلفِّقونَ مع بعضِكُم. أنتم مافيا كاملةُ التجهيز. عِصابَةٌ مزوّدَةٌ بِرصاصِ الكَذِب وشَظايا الوعود. كلُّها خَرَقَتْ جلودَنا. نحن شعبٌ نحمِلُ نُدوباً نيابَةً عَن ألفِ سَنةِ ذِلّ. ألف سَنَةِ ظلم. ألف سَنَةِ فَقر. مثالُكُم الأعلى بابلو إسكوبار وزعيمُكُمُ الروحي يوضاس ومرشِدِكُم الأعلى جاك السفّاح.
سرقتم الدولة. نهبتُم البنوك. استولَيتُم عَلى الأملاك البحريَّة. حوّلتم الأنهُرَ إلى مزابِل والمَزابِل إلى جِبال. لو كنّا في دولةٍ حقيقيّةٍ لتختَخَتْ عِظامُكُم في السجون. لو كُنّا شعباً حقيقيّاً لدَخلنا قصورَكُم بأعقابِ الأحذية. كنّا فَتَحنا خزناتكُم واستَردّينا مِنها أحلامَنا وأحلامَ أولادِنا المُجهَضَة. قصفتمونا بالضرائب. هدّدتمونا بِرَغيفِ الخبز. أذلَلتمونا بالدولارِ الطالِبي. صَومَلتمونا. فنزوَلتمونا. بنيتُمْ دولةَ قطّاعِ طُرُقٍ وقَتَلَة مأجورين. منعتم عنّا الكهرباء وحكّمتُم بِنَا باعَة الأمبير بالدولار. اشتَهَينا الرّزق عَلى أيامِكُم. ضاعت أعمارُنا في طولِ أعمارِكُم. نناديكُم لا تسمَعون.
هجّرتُم أبناءَنا ثمّ نظّمتم مؤتمرات موّلتموها من رواتِبِنا لتدعوهم للعودة.
أَحبطتُم كلَّ كفاءة. وظّفتُم الطراطيرَ وأشباهَ النواطير وأبعدتُم كلَّ ذي ثقافة. تقاسمتُم نفطَ البحر وغازَ البحر. وزعتُم المحارِقَ والمطامرَ على ديوكِ المزابلِ الطائفية. كلُّ الكتبِ المقدّسةِ براءٌ منكم. لا تحلفوا باسمِ المسيح، ولا باسم مُحَمَّدٍ .أُحلفوا فقط باسمِ نتانتِكُم.
كُلُّكُم شاركَ في دفنِ لبنان. مدفَنُه في المَهاجِر وفِي بكاءِ أحلامِنا.
دفنتموه وعَينُكم على جثمانِه. انتم أَكَلَةُ جثمانِ الوطن فَيَا ويلُكُم من غضبِ الناس اذا استيقظَتْ أوجاعُهُم من صمتِها. كُفُّوا شرورَكُم عَنّا. دَعونا نقلِّعُ شَوكَ إحباطِنا بأيدينا. دَعونا فقط. أَقلِعوا عن الكلامِ فلا نسمعُكُم.
لوّثتُم هواءَنا وطعامَنا. ما فعلتموهُ بِنَا أشبَهُ بجريمةِ إبادة. في مناسبةٍ الإستقلال ليتكم تختَفونَ فجأةً. ليتَكُم تستقلّونَ باخرة للآخِرة تقلُّكُم نحو جُزُرِ القصاص. دعونا واستقلالنا. نحن وإياه نتدبّرُ أمرَنا.
أخبَرَنا استقلالُنا أنه يرغبُ بالإستقلال. الإستقلال عنكم…كلُّكُم!