“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
استقلالُ لبنان أُعلن بحكومة، بحسب رئيس مجلس النواب نبيه بري، والاستقلال نفسه في ذِكراه الـ 77 تدفنه طبقة سياسية، عن سابق إصرار وتصميم، بالتكافل والتضامن، تحت رماد حرائق الفساد ودمار الهدر والسرقة، وصولاً للقضاء على كل ما تبقى، بداية من رفضها قيام أيّ حكومة خارج القواعد التي أرستها المنظومة نفسها منذ قيام الجمهورية الثانية.
فالغيوم بدأت تتلبّد، من تهشيل “الفاريز اند مارسال” اليوم، مروراً برفع نصف الدعم غداً، وصولاً الى قنبلة التحقيق الفرنسي في انفجار المرفأ وما سيتبعه من تردّدات، وما خفي قد يكون أكثر.
وفيما كان اللبنانيون بانتظار كلمة “غير شكل”، عالية السقف، من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، جاءت رسالة الاستقلال الرئاسية ضمن الاطر البروتوكولية المعهودة، تذكّر بتلك التي كان يخرج بها الرئيس الراحل الياس سركيس الى اللبنانيين، يمكن التوقّف عند نقاطها الخمس الاساسية التالية:
1-تقديمه جردة تؤكد على ما سبق وقاله من أننا في جهنم، مع إقراره الضمني بأن المعركة القائمة اليوم هي بين طرفَين غير متكافئَين.
2-ايحاؤه في معرض الحديث عن التحقيقات في مرفأ بيروت، الى ضرورة عدم اقتصار تحميل المسؤوليات على مستوى الموظفين الاداريين من “العيار الصغير”.
3-رميه كرة الضغوط الاميركية في حضن الطبقة السياسية من خلال الدعوة لمؤتمر حوار وطني، جدول اعماله تحديداً، النقاط الخلافية مع واشنطن.
4- الدعوة الّلافتة من خلال توجهه للعسكريين محدداً مهمّتهم الاساسية في الفترة المقبلة، في مجال حماية الوحدة الوطنية، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات حول خلفيته وسبب الرسالة المباشرة في الشكل خلافاً للعادة.
5- ردّة فعله التي بقيت ضمن السقف العادي في موضوع سقوط التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، حيث يبدو اقتناعه الواضح برؤية رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، مع دعوته المجلس النيابي ليكون شريكاً أساسيا في العملية، التي سيكون شبه مستحيل انجازها ما لم يتم كسر الحلقة المفرغة التي ندور داخلها.
وسط هذه الصورة يستمر موضوع التدقيق الجنائي الحدث الابرز، إذ عُلم انه بعد ساعاتٍ من الاجتماع الاميركي الفرنسي في باريس، غادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيروت متوجهاً الى فرنسا. أرجح الظن انه ليس هرباً كما يروّج له البعض، بل “استدعاء” على عجلٍ من قبل الادارة الفرنسية بعدما أيقن الفرنسيون المواقف والنوايا الاميركية. زيارة تزداد الشكوك واللغط حولها نتيجة تزامنها مع “اعتذار” ألفاريز.
“في المقابل،” تعلاية الصوت العوني” و “تهبيط الحيطان البرتقالي” لن يقدّم ولن يؤخّر، على ما يبدو، فما كُتب قد كُتب، وكل الخطوات المطروحة للبحث على طاولة “الوطني الحر” وفي طليعتها دعوات المناصرين للنزول الى الشارع و”تطويق” منازل المسؤولين المعنيين، لن تكون أكثر من “فشة خلق”.
هو مشروعٌ تكتمل فصوله ايا كانت وجهة المحللين بين من يرى في ما يجري تحريضا للشارع للثورة عليهم، “كلن يعني كلن” ،وبين من يرى في ما يحصل استهدافا لميشال عون الشخص والمشروع.
في كلِّ الأحوال ليست الفضيحة الوحيدة من هذا العيار، ولن تكون الاخيرة بالتأكيد، في تاريخ “جمهورية الملفوف اللبنانية”. فهل حقّقت “الفاريز” هدفها الاساسي غير المعلن وانجزت مهمتها السرية، بعدما حصلت على ما حصلت عليه من مستندات ووثائق أقل ما يمكن أن يُقال في وصفها “بالسيادي”؟
في فترة الثمانينات ومع انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، ومع تضييق مجلس النواب على الجيش مالياً، جَمع قائد الجيش آنذاك ضباط فوج المغاوير شارحاً لهم الوضع المالي، موحياً لهم “بقبة باط” بأن يكونوا “ميليشيا” لساعاتٍ ويزوروا منازل النواب لإيصال رسالة واضحة وسريعة “من الزنار ونازل”. فكان له ما اراد وجاءت النتيجة لصالح خطته.
اليوم ميشال عون القائد، هو الرئيس في بعبدا، فهل يعيد التاريخ الى الوراء ويطلب من “حرسه الجمهوري” ان يخوض التجربة ذاتها، اذا كان متعذراً عليه تحريك المغاوير لألف سببٍ وسبب؟
ليست دعوة تحريضية، بل مجرد ذكرى وعبرة تستأهل نفض الغبار عنها… فهل يجرؤ المعنيون؟