ارشيف الموقع
تحذيرات متزايدة من الشرخ بين إسرائيل واليهود في الولايات المتحدة
غداة إعلان وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو أن بلاده ستعتبر حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل بأنها “لا سامية” وستصنف منتوجات المستوطنات كـ”إسرائيلية” وزيارته مستوطنتين في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلتين، تبنى طلاب جامعة أمريكية موقفا معاكسا.
طلاب جامعة سان فرانسيسكو تبنوا قرارا داعما لحركة المقاطعة الدولية وسحب الاستثمارات من إسرائيل.
وقالت صحيفة “جويش جورنال” اليهودية إنه تم تمرير اقتراح القرار بأغلبية 17 صوتا مقابل صوت واحد وامتناع عضوين عن التصويت. ويدعو القرار الجامعة إلى قطع العلاقات مع أكثر من 100 شركة مختلفة تتعامل مع مستوطنات الضفة الغربية، ووفق ورقة صاغها الاتحاد العام للطلاب الفلسطينيين في الجامعة.
كما كان متوقعا، شجب عدد من أعضاء الجماعات اليهودية هذا القرار، ودعا بعضهم لـ”وقف اللاسامية” واعتبر بعضهم الآخر أن “جامعة ولاية سان فرانسيسكو تعطي الأولوية لـ”الإرهاب والكراهية على سلامة طلابها اليهود”.
ويأتي هذا القرار متزامنا مع إعلان بومبيو الذي أنهى زيارته لإسرائيل اليوم الجمعة. وقال بومبيو في مؤتمر صحافي مشترك عقده في القدس المحتلة مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن واشنطن ستعتبر الحملة العالمية ضد إسرائيل التي يطلق عليها “بي دي إس” بأنها “معادية للسامية”. وأفاد مخاطبا نتنياهو: “أريدك أن تعلم بأننا سنتخذ خطوات على الفور لتحديد المنظمات التي تشارك في سلوك المقاطعة البغيض وسحب دعم الحكومة الأمريكية لمثل هذه الجماعات”، واصفا حركة مقاطعة إسرائيل بـ”السرطان”.
ابتعاد يهود الولايات المتحدة عن إسرائيل
وربما يعكس القرار المذكور ما يشهده المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة من تحولات في الموقف من إسرائيل، بعدما بات أكثر نقدا لها وأقل اهتماما بها خاصة لدى الأجيال الشابة هناك.
وبخلاف الإسرائيليين الذين أيد 70% منهم انتخاب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وفق استطلاعات رأي محلية، إلا أن 70% من اليهود في الولايات المتحدة أيدوا الرئيس المنتخب جو بايدن، كما قالت استطلاعات وتحقيقات أمريكية.
ويؤكد مراسل صحيفة “معاريف” العبرية الكاتب الصحافي شلومو شامير أن مكانة إسرائيل في نظر الأغلبية الساحقة من اليهود في الولايات المتحدة تقبع في حضيض غير مسبوق. ويفترض أن أولئك الإسرائيليين الذين سيتوجهون إلى اليهود في الولايات المتحدة طلبا للمشورة والدعم، سيستقبلون هناك بريبة وبقلة ثقة بل حتى بسخرية.
ويوضح شامير أن مشروع القانون الذي طرح مؤخرا في الكنيست ويقضي بأن تكون حكومة إسرائيل ملزمة بالتشاور مع زعماء يهود العالم في الشؤون التي تعد في نظرهم حاسمة لملايين اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل سيواجه مشكلة.
ويتابع في مقاله: “إذا ما أقر هذا المشروع، فسيكتشف ممثلو حكومة اسرائيل بأنه لا يوجد اليوم بين يهود الولايات المتحدة جهة سيكون للتشاور معها أي معنى. في الجالية المتصدرة في نيويورك لا وجود لمسؤول كبير يكون للأجوبة التي تأتي منه أي تأثير. هذا محزن، ولكنه واقع موجود منذ سنين. فليس للجالية في نيويورك شخصية يتفق عليها كل اليهود وتكون مرجعية لأن تعقب على مسائل تتعلق بحياة الجالية، اليومية والجماهيرية”.
ويقول أيضا إنه عمليا، لا يوجد لأي قسم من يهود امريكا اليوم زعيم تتفق عليه الأغلبية، ليس لمجموعتي ” الحسيديم والحريديم ” في نيويورك اليوم حاخام مرشد أو شخصية ثقافية روحانية رأيها حاسم وله تأثير على جماعته. ويتذكر شيوخ الوسط الحسيدي – الحريدي بحنين وتوق الحاخامات المحبوبين الذين قادوهم في الماضي، بينهم الحاخام ميليوبفارتش والحاخام بوبوب اللذين بعد وفاتهما انقسمت ساحتاهما وفقدتا كل تأثير.
ويضيف: “ليس للمعسكر الأرثوذكسي شخصية محبوبة مثل الحاخام ناحوم لام، الذي شغل لسنوات طويلة منصب رئيس مدرسة دينية – جامعة وشخصية رائدة في الأرثوذكسية الحديثة. كما أنه ليس للحركة الإصلاحية الكبرى في الولايات المتحدة اليوم حاخام يمكن أن يشبّه بالحاخام الكسندر شندلر الذي كان شعبيا وذا نفوذ في مواضيع عامة على كل التيارات في الطائفة، بما في ذلك على الحريديم. كما يشير إلى أن منظمة “أغودات يسرائيل” لا يوجد اليوم مسؤولا يقترب من مكانة الزعيم الذي لا يُنسى موشيه شرار، يهودي حريدي كان محبوبا حتى من غير المتدينين في الطائفة.
غياب إيلي فيزل
ويوضح الصحافي شامير، أنه على مدى سنوات طويلة تباهى يهود الولايات المتحدة بشخصية الكاتب إيلي فيزل، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والناجي من المحرقة، والذي كان يعتبر ممثلا للأخلاق والقيم الاجتماعية لليهود. أما اليوم، فمنذ وفاته في 2016 لا يوجد لليهود في الولايات المتحدة أحد جدير بأن يذكر اسمه في مقام واحد مع اسم فيزل.
وبرأيه يمكن لمندوبي حكومة إسرائيل أن يتشاوروا مع رؤساء منظمات يهودية ليس لهم منذ سنين أي علاقة مباشرة مع الجمهور اليهودي الغفير، مع الشارع اليهودي لافتا إلى أن الموجود هي منظمات متقادمة عديمة كل تأثير لا يعرف الكثير من اليهود هناك حتى بمجرد وجودها.
كما يعتبر أن مشروع القانون المذكور يطرح تساؤلات حول نجاعة إطار هدفه إشراك رؤساء طوائف الشتات في قرارات حكومة اسرائيل. ويخلص شلومو شامير للقول إن مكانة إسرائيل في نظر الأغلبية الساحقة من اليهود في الولايات المتحدة موجودة في الدرك الأسفل بشكل غير مسبوق. وعليه يكرر افتراضه بأن أولئك الذين سيتوجهون إلى اليهود في أمريكا كي يتشاوروا معها سيستقبلون فيها بشك، وانعدام ثقة بل وحتى بسخرية.
حالة انقسام
يشار إلى أن عددا متزايدا من الباحثين والمسؤولين الإسرائيليين السابقين واليهود قد صعّدوا تحذيراتهم مما وصفوه في السنوات الأخيرة من الشرخ في العلاقات بين الدولة اليهودية وبين اليهود في الولايات المتحدة، ومن الهوة بينها وبين الحزب الديموقراطي.
وعبّر عن ذلك الصحافي اليهودي بيتر بينآرت في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في يوليو/ تموز الماضي تحت عنوان “لا أؤمن أكثر بالدولة اليهوديّة”، أكد فيه فقدان إيمانه بإمكانية قيام إسرائيل كدولة “يهودية وديمقراطيّة” بسبب استمرار احتلال الضفة وغزة.
وتبعته في نفس الشهر، مديرة مكتب منظمة “جي ستريت” الأمريكيّة في إسرائيل، عدينا فوغل ألون، في مقال نشرته بموقع “واللا” قالت فيه إن إسرائيل تحوّلت أكثر فأكثر إلى قضية انقسام في الولايات المتحدة، “انقسام بين الحزبين، انقسام داخل الحزب الديمقراطي، وانقسام داخل المجتمع اليهودي.
وأضافت فوغل ألون أن “الانتقادات على السياسات الإسرائيليّة ليست جديدة” وزعمت أن “الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الديمقراطية والجمهورية، عبّرت عن عدم رضاها من غياب الرغبة الإسرائيلية للمضي قدماً في حل الدولتين. ولم تخف الغالبية العظمى من اليهود الأمريكيين أبدا عدم راحتها من السياسات الاستيطانية وتأبيد الاحتلال”.
المصدر: جويش جورنال