أبطال “مسرحية” السرّية المصرفية يُفشّلون “ألفاريز آند مارسال” ويُخلون الساحة لاستمرار الفساد إلغاء التدقيق… جنائي بإمتياز

من المهم معرفة ما حصل خلال الفترة الفاصلة بين قبول “ألفاريز” التمديد وقرارها إنهاء التعاقد

خالد أبو شقرا-نداء الوطن
وسقط التدقيق الجنائي بضربة تحالف “أغلبية القوى السياسية – المركزي”، القاضية. كل الأطراف “داست” على مصلحة الوطن والمواطن لتخرج من نفق التدقيق رابحة. السياسيون سيتسابقون في الأيام القادمة على دعمهم وتأييدهم التدقيق الجنائي. وسيفاخر مصرف لبنان بحمايته السرية المصرفية. و”سيتنطّح” الوزراء والنواب بمهاجمة بعضهم البعض، سيتبادلون الاتهامات نهاراً بشكل علني وسيرفعون الكؤوس مساء لانتصارهم بجولة جديدة على الحقيقة. فيما لبنان خسر قدرته على تطبيق احد أهم الشروط لمساعدته مالياً.

على عكس ما كان متوقعاً أبلغت شركة “الفاريز آند مارسال” وزير المالية غازي وزني في كتاب رسمي ظهر أمس “إنهاء الإتفاقية الموقعة مع وزارة المال للتدقيق المحاسبي الجنائي”، وذلك “نظراً لعدم حصول الشركة على المعلومات والمستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها، ولعدم تيقنها من التوصل الى هكذا معلومات، حتى ولو أعطيت لها فترة ثلاثة اشهر إضافية لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”.

ما بين القبول والرفض

الحدث مثير للإستغراب والتساؤل. فهو يأتي عقب قبول شركة التدقيق تمديد فترة عملها 3 أشهر إضافية في مطلع هذا الشهر. وذلك بعد ان تم الإتفاق في قصر بعبدا على تأمين حقوق المتعاقدين في ضوء موافقة رئيسي الجمهورية والحكومة. “فما الذي دفعها إلى فض الإتفاقية وما المعطيات المستجدة التي بدّلت موقفها لاتخاذ مثل هذا القرار؟”، يسأل المحامي والبروفسور في كليات الحقوق د.نصري دياب. “مع العلم ان أكثر من بادرة إيجابية لحلحلة عقدة السرية كانت قد ظهرت في الأيام الماضية. ومنها مبادرة تكتل “الجمهورية القوية” الذي بادر إلى طرح مشروع قانون بهذا الخصوص. لذا من المهم جداً معرفة ما حصل خلال الفترة الفاصلة بين قرار التمديد وإنهاء التعاقد”. وما لا يقل اهمية برأي دياب هو أن “الوصول إلى التعاقد مع “ألفاريز” في 31 آب تطلب أشهراً طويلة من استدراج العروض والاختيار والإتفاق على تفاصيل العقد. وبالتالي فان الدخول مرة جديدة بمثل هذه الآلية سيستغرق الكثير من الوقت وسيكون أصعب بكثير نظراً لما حدث مع ألفاريز”.

تمييع التدقيق

“مسرحية” السرية المصرفية التي تبادل فيها حاكم مصرف لبنان ووزارتي المالية والعدل ومجلس الوزراء وأغلبية مجلس النواب، باستثناء كتلة “الجمهورية القوية”، دور البطولة في تمييع التدقيق الجنائي وضمان عدم وصوله إلى أي نتيجة، إنتهت إلى غير رجعة. “وهو ما ثبّت مخاوفنا وشكوكنا بأن موضوع التدقيق سياسي بحت”، يقول رئيس مجموعة FFA PRIVATE BANK جان رياشي. “فيما الشركة المدققة عملها موضوعي وعلمي ولن تحرق اسمها وسمعتها في بازار ألاعيب السياسيين و”استقتالهم” في الدفاع عن مصالحهم على حساب بقاء لبنان وسكانه”.

إنسحاب “ألفاريز” أخيراً كان قد سبقه “إنسحاب شركة تدقيق أخرى في فترة إستدراج العروض وذلك بعدما تيقّنت ان الموضوع مفخخ”، بحسب رياشي. هذا الواقع يوفر معلومات أكثر من وافية لكل شركات التدقيق عن محرقة العمل في لبنان ويثنيها عن الإقدام في حال أعيد فتح الملف في المستقبل. خصوصاً مع تسجيل البلد “رقماً قياسياً في الخلافات الداخلية بين الحكومة من جهة ولوبي البنك المركزي والمصارف ومن خلفهم من سياسيين ورجال أعمال الذين يعترضون على أي إصلاح، إنطلاقاً من المحافظة على منافعهم وعدم كشف أوراقهم”، يقول المدير التنفيذي السابق في بنوك وصناديق مالية عالمية صائب الزين. شطارة السياسيين تجلت بأوضح صورها عندما حوروا هدف التدقيق الجنائي من تدقيق على مصرف لبنان بحد ذاته إلى تدقيق على حسابات الدولة، وما يتطلبه برأيهم من قيام الوزراء برفع السرية عن حسابات وزاراتهم في مصرف لبنان مع العلم أنه “لا سرية على حسابات الدولة” للمرة الألف، بحسب رياشي. وما التمييع سوى دليل على ان “السياسيين مرتكبين لمخالفات وليس من مصلحتهم كشفها ومحاسبتهم عليها”. لأنهم يكونون كمن يعلّق مشنقته بيده.

“الكابيتال كونترول” مثال سابق

تفشيل التدقيق الجنائي كشف بما لا يقبل الشك ان المنظومة السياسية حمت نفسها “لآخر نفس”، بواقعة تذكرنا برفضهم إقرار قانون “الكابيتال كونترول” منذ نهاية العام الماضي. وقتها إشترك الأطراف السالفو الذكر، بتفشيل “القانون”. وذلك على الرغم من وضعه أكثر من مرة على طاولة مجلس الوزراء ومناقشته في مجلس النواب. بيد ان رفض رئيس البرلمان “المشروع” عطل صدوره بقانون، ولم يبادر حاكم مصرف لبنان إلى إقراره بتعميم، بعد تعيين نوابه وإكتمال مجلس حاكميته. إذ إن مثل هذا التعميم يجب ان يتخذ من مجلس حاكمية مصرف لبنان وليس بشكل منفرد من قبل الحاكم.

إقتصادياً المشكلة كبيرة جداً إذ لا تتصل بالتدقيق مباشرة بقدر ما تتعلق بمفهوم عدم تنفيذ الإصلاحات التي من دونها لا مساعدات، ولا اموال، ولا ثقة، ولا معالجة لمختلف الازمات، ولا نهوض بل “استمرار الغرق أكثر في ثقب الأزمة الأسود الذي يبتلع كل شيء”، يقول الزين. “وأمام إقفال كل أبواب الحلول الواحد تلو الآخر، والعجز الفاضح عن تغيير النظام وتحقيق الإصلاحات، لن يبقى أمام الشباب اللبناني إلا ترك البلد والهجرة إلى الخارج”.

القدرة المعدومة على التغيير

الإستمرار في تعطيل الإصلاحات يضعه الخبراء فوق طاقة اللبنانيين وقدرتهم على التغيير. فمن بعد أكثر من سنة على رفع الصوت والتظاهر والمطالبة بالاصلاحات عادت الأمور الى نقطة الصفر أو حتى أقل. والمشكلة، بحسب رياشي، انه “حتى التعويل على دور الدول الاجنبية في الضغط لتحقيق الاصلاحات لم يصل إلى نتيجة. حيث ان الدول التي تطالب بالتغيير أعادت تبني تشكيل حكومة على المنوال القديم”.

إنسحاب “ألفاريز” قد يكون الحد الفاصل بين الامل في التغيير والسقوط في مستنقع مصالح الطبقة السياسية التي لن تقدم على إصلاح واحد يقينا شر الأزمة. بل على العكس فانها تشجع الشباب على الهجرة لتبقى كـ”العلق” تمتص دم جهد اللبنانيين في الداخل الخارج. ولعل اكثر ما يبعث على التشاؤم في المستقبل هو تعليق رئيس الجمهورية على خبر فض “الفاريز” عقد التدقيق، “ان هذا الامر المستجد يستوجب حتماً اتخاذ التدابير الملائمة التي تقتضيها مصلحة لبنان”، كما يقول. فما هي هذه التدابير؟

Exit mobile version