} السيد سامي خضرا-البناء
لعلَّك لم تسمع بهذه الحادثة من قبل وفي هذا ظلم عظيم عليك وعلى حقائق التاريخ وحق الأمة ووطنك وأهلك وكرامتك:
في 17 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1961 تداعت الجالية الجزائرية في فرنسا للاجتماع والتظاهر استنكاراً لجرائم الفرنسيين في بلادهم فاحتشد عشرات الآلاف منهم مباشرة بعد خروجهم من مقرات العمل في ساحة الأوبرا للتعبير عن حقهم الطبيعي لنصرة أهلهم وقضيتهم.
حصل ذلك أثناء الثورة الجزائرية (1954–1962) وبعد عودة شارل ديغول للسلطة حيث أخذت الشرطة الفرنسية ومنظمة الجيش السري تنتهج سياسة العنف تجاه الجزائريين المطالبين باستقلال بلادهم، والقضاء على قيادات جبهة التحرير الوطني في فرنسا.
لكن الدعوة إلى التظاهر لم ترُقْ للسلطات الفرنسية الاستعمارية الحاقدة صاحبة التاريخ الأسود فَتَصدَّت لهذه الجموع وفَتَكَت بها حيث وقع المئات من القتلى والمفقودين والجرحى عدا عن المعتقلين الذين بلغُوا الآلاف باعتراف السلطات الفرنسية.
ولم يكتفِ رئيس الشرطة الفرنسية موريس بابون بذلك بل أراد أن يُبدع في جريمته فتفنَّن في إكمال مسلسل المجزرة بما يتناسب مع تاريخ فرنسا الطبيعي مع الدول التي استعمروها فقيَّد أيدي المعتقلين وثبَّت أرجلهم في قوالب إسمنتية ثم رماهم في نهر «السين» فتخضَّبت مياه النهر بدماءِ شرفاء الجزائر من طلاب الجامعات.
وسُجِّلَتْ شهادات حية في أنّ عشرات الجثث ظلت تطفو فوق نهر «السين» أياما عديدة بعد تلك الليلة بينما اكتشفت عشرات أخرى في غابَتَي «بولون وفانسون».
عدا عمَّن أُلْقِي بهم في قنوات المياه الآسِنة والبحر.
وأما الجرحى فَتُرِكوا بمئاتهم على قارعة الطريق ليُلاقوا مصيرهم.
وبعضهم ما زال حياً إلى يومنا هذا ليروي مأساته.
وفي مزيد من مواقف التكبّر والتجبُّر رفضت السلطات الفرنسية لعقود مجرد الاعتذار من الشعب الجزائري وأهالي الضحايا والجرحى الأحياء لأنّ الاعتذار كان ثقيلاً على حكومة لا تعرف إلا احتقار البشر وعبودية المُسْتَعمَرين.
أرادوا الصمت عن هذه المجزرة التاريخية كما أخفوا العشرات مثلها في شتى أنحاء العالم.
يقول الباحث في العلاقات الدولية زيدان خوليف في لقاء معه:
إنّ مواد التاريخ الموجودة في الأرشيف لا يمكن الوصول إليها بقرار شخصي من الرئيس السابق فرانسوا ميتران، متسائلاً:
«لماذا ترفض فرنسا الإفراج عن الأرشيف المتصل بتلك الأحداث حتى اليوم؟!»
حتى أنت أيها القارئ لهذا الكلام لعلك على الأغلب لم تسمع بهذا الحدث من قبل لأنّ التعتيم الإعلامي هو جزءٌ من المعركة.
لِذا لا نرى مَن يتحدث أو يذكر أو يتناول مثل هذه الأحداث التاريخية وذلك لأنّ الدول الكبرى تستمرّ في سياسة ظلم الشعوب.
ففرنسا والتي هي دولةٌ كبرى وعضوٌ دائمٌ في مجلس الأمن والذي يُقرّر مصير الشعوب لا يليقُ بها أن يُتَحَدَّث عما فعلت أو تفعل من جرائم.
بل إنَّ الخانعين والتابعين والمنهزمين لا يعرفون من فرنسا ولا يتحدَّثون إلا عن سحرها وعطرها وأناقتها وفنِّها ونسائها وأزيائها وأسواقها وأطعمتها وسهراتها وموضتها… وهذا غاية البؤس.
حتى أنّ المسؤول المباشر عن الجريمة رئيس الشرطة موريس بابون تُرِك ليتبوَّأ مناصب شتى إلى أن وصل إلى وزارة الداخلية نتيجة إنجازاته!
وبعد عقود من الجريمة كان لا بدّ لتجار البشر ومُدَّعي الإنسانية أن يستفيدوا من دماء أهلنا فَلَمَّح الرئيسان فرنسوا ميتران وهولاند إليها.
وأما الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون فقد اعتبرهُ حدثاً مؤسفاً فحسب!
وحتى شارل ديغول المجرم وهو الذي يُصوَّر في بلادنا على أنه بطلٌ استثنائي وقدوة للسياسيين والعسكريين إلتزم الصَّمْت، لأنّ بعض مَن في لبنان يُصِرُّ على أن يُشوِّه التاريخ والحقائق ولا يعيش إلاَّ على أطلال العبودية.
فكم من وقائع التاريخ مُغيَّبة عنا ليقوم بعض المنهزمين قائلاً: ذهبت إلى الغرب فرأيت الإسلام ولم أرَ المسلمين!