“استياء فرنسي عارم”… وقلق دولي من “تفاقم الأزمة المتشعّبة” عون “ملبّك”… وسلامة يريد “حصانة” فرنسية!
نداء الوطن
لو أنّ قرار إلغاء حفل الاستقلال وتدشين “الغابة” العونية، ألحقه رئيس الجمهورية ميشال عون بقرار إلغاء كلمته، لتفهَّم اللبنانيون جيداً كونها لزوم ما لا يلزمهم ولا يغنيهم عن جوع وعوز. اللبنانيون، فخامة الرئيس، بأغلبيتهم الساحقة كفروا بما بلغته الحال المتردية تحت قبضة المنظومة الحاكمة التي تتربع على رأس هرمها. لستَ وحدك المسؤول أمامهم، لكنك الوحيد الذي قرعت طبول الإصلاح والتغيير على مسامعهم في معركتك الرئاسية ووعدتهم بـ”المنّ والسلوى” متى عدت إلى قصر بعبدا. وها قد عدت، لم يروا من عهدك سوى قاطرة عبور سريع نحو “جهنم”. شبعوا “صف حكي” ولم تعد آذانهم صاغية للخطب الخشبية والوعود الخلّبية. فلا تجهد نفسك بنحت عبارات “النق” الشعبوية وصقل رسائل التهويل السياسية، تكفيك كلمة واحدة صادقة توجهها من أعماق الجوارح إليهم عبر حسابك على “تويتر” تقول فيها بشجاعة القائد المسؤول: “فشِلت”.
الحقيقة موجعة لكن لم يعد من مفرّ للإقرار بها علّها تفتح الباب أمام مصارحة واقعية تلامس أوجاع الناس، أقله تبقى أخف كلفةً وإرباكاً وجهداً من عناء بطولات دونكيشوتية تدعي محاربة طواحين الأزمة بينما هي في الواقع تستجلب رياحها.
فحتى الأمس، كان رئيس الجمهورية منكباً على “التعديل والتبديل” في صياغة خطاب الاستقلال الذي سيلقيه على اللبنانيين مساء اليوم، حسبما كشف مصدر رفيع لـ”نداء الوطن” خصوصاً بعدما اقتحم “تهشيل” شركة التدقيق الجنائي واجهة الأحداث، فأربك هذا المستجد رئيس الجمهورية الذي بدا وفق المصدر وكأنه “ملبّك” لا يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي في مقاربة الأزمات المتشابكة على فهرس خطابه الذي، حسب ما نقلت أوساط “التيار الوطني” سيكون خطاباً “عالي النبرة والسقف”.
وإذا كانت عرقلة ملف التدقيق الجنائي أدخلت بطبيعة الحال مادة دسمة إلى أطباق السجال المستعر بين جبهة الرئاسة الأولى والتيار الوطني من جهة وجبهة رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من جهة ثانية بوصفهما المتهمَين الرئيسيين في إجهاض عملية التدقيق والشريكين المتعاهدين على منع كشف المستور في حسابات المصرف، لفت الانتباه في المقابل ما كشفته مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” عن تواصل مستمر بين سلامة وبعض المسؤولين في باريس حول ملف التدقيق الجنائي، تخللته “رسائل” يطلب فيها حاكم المركزي الحصول على “حصانة” فرنسية تضمن له عدم الملاحقة جزائياً قبل مضيه قدماً في كشف حسابات الدولة، على اعتبار أنه كان طيلة ولاية حاكميته يأتمر بأوامر السلطة السياسية في كل قرش أنفقه، بحق أو عن غير وجه حق، من أموال الخزينة العامة.
وبينما لم يُحسم بعد مصير هذه الرسائل وكيفية التفاعل معها في باريس، نقلت المصادر أنّ خبر إعلان شركة “ألفاريز” انسحابها من ملف التدقيق الجنائي في لبنان قوبل “باستياء فرنسي عارم” إزاء أداء السلطات اللبنانية، نظراً لكون هذا الملف يحتل صدارة أولويات الإصلاح الاقتصادي والمالي المطلوب في الورقة الفرنسية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً كان قد أبدى تشديداً واضحاً على وجوب التدقيق بحسابات مصرف لبنان، وتعمّد إحضار وفد متخصص في هذا المجال معه إلى بيروت لإظهار مدى أهمية التدقيق في عملية إنقاذ الدولة اللبنانية ووقف مسلسل الاستنزاف والانهيار.
توازياً، يتمدد الاستياء والازدراء تجاه الطبقة الحاكمة في لبنان على خريطة المواقف الدولية، وصولاً إلى ما نقله أمس المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبتيش عن شعور دولي بأنّ “الأجانب يهتمون بعافية ومصير لبنان وشعبه وأنهم قلقون لغياب الإجراءات والمماطلة أكثر من النخب السياسية في البلد”، موضحاً أنّ اجتماع مجموعة الدعم الدولية بحث “بقلق بالغ تفاقم الأزمة المتشعبة في لبنان كما استنكر عدم إحراز تقدم في تشكيل الحكومة وعدم وجود إجراءات أكثر حزماً من قبل مؤسسات الدولة والمؤسسات المالية”.