في الثامن من كانون الأول المقبل يُحال مدير المخابرات العميد طوني منصور إلى التقاعد. بالتأكيد، لم يكن اقتراح التمديد له “أمراً عسكرياً” من قبل قائد الجيش كما صوّرته جهات سياسية، يصادف أنها “عونية”، ولاقتها وسائل إعلامية صنّفت التمديد ضمن خيار وحيد لدى القيادة يرتقي إلى مستوى “مشروع مشكل” داخل المؤسسة العسكرية!
وفق معلومات، تقاطعت لدى أكثر من مصدر، فإنّ اقتراح التمديد طرح فعلاً قبل أشهر كخيارٍ محتمل أمام الوضع الاستثنائي السياسي والاقتصادي والأمني غير المسبوق الذي تمرّ به البلاد، خصوصاً إذا ذهبت الأمور نحو مزيد من التأزيم.
لكن منذ البداية، حَسَم رئيس الجمهورية وجهة البوصلة: “لا تمديد لمدير المخابرات”. على الرغم من علمه بمدى ارتياح قائد الجيش بالعمل مع العميد منصور كـ Team Work، وبأنّ الخيارات مفتوحة أمام اختيار البديل، من دون حصرها باسم واحد.
باختصار، التمديد ضمن المؤسسة العسكرية يتعارض مع وجهة نظر وقناعة “الجنرال” ميشال عون، التي على أساسها خاض سابقاً مواجهات قاسية مع قائد الجيش السابق جان قهوجي الذي مدّد لنفسه بغطاء سياسي وحزبي، كما خاض معركة التمديد لمدير المخابرات الأسبق أدمون فاضل باستدعائه من الاحتياط.
وبالفعل، خلال الفترة الماضية، طرِح أكثر من اسم لمديرية المخابرات. وكما في كلّ المؤسسات الأمنية والعسكرية يخلق الأمر نوعاً من الحساسية الداخلية التي تبقى خلف كواليس وجدران أهل القرار. قبل انفجار المرفأ في الرابع من آب كان النائب جبران باسيل يروّج لاسم العميد طوني سلّوم، الموقوف والمدّعى عليه حالياً في قضية المرفأ.
وطرح أيّ اسم من جانب باسيل كان أمراً متوقّعاً بالنظر إلى المناخات السلبية التي طغت على علاقته مع المدير الحالي، الأمر الذي أدّى إلى منع باسيل نهائياً من التدخّل في شؤون المؤسسة العسكرية في ظلّ علاقة مقطوعة تقريباً أيضاً مع قائد الجيش، اتّجهت نحو مزيد من السلبية بعد حادثة قبرشمون، ودفعت باسيل إلى توجية رسائل مباشرة إلى الجيش.
ثمّة “لينك” وحيد كان ولا يزال يصل “الباسيليين” بالقيادة ومديرية المخابرات، هو المسؤول في التيار جوزف صليبا، الذي يتولّى ملف العلاقة مع الأجهزة الأمنية. وهي مهمّة موكلة أيضاً إلى النائب في التيار أسعد درغام.
من جهة قائد الجيش العماد جوزف عون، كان هناك أيضاً أسماء مقبولة وأخرى مرفوضة. وبالتأكيد، اسم العميد طوني قهوجي رئيس “الفرع الفني” في مديرية المخابرات كان من ضمن مروحة الأسماء المطروحة لدى قائد الجيش، لكن لم يكن الخيار الأوّل.
فقائد الجيش، وفق المعلومات، طرح في البداية اسم العميد كليمان سعد رئيس فرع مخابرات جبل لبنان (دورة 1986). وقد جاء هذا الطرح بخلفية الحفاظ على عدد من ضباط الـ86 ضمن المؤسسة، وهي معضلة قائمة حُسمت بتنسيق كامل بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش، عبر تقدّم خيار تعيين العميد قهوجي مديراً للمخابرات (من دورة 1994) ما سيؤدّي إلى حركة تشكيلات كبيرة داخل مديرية المخابرات ستطال نحو 12 ضابطاً من مساعدي مدير المخابرات وجميع رؤساء الفروع داخل مديرية المخابرات وخارجها من دورة الـ1986.
وفيما يرى كثيرون أنه منذ وصوله إلى قيادة الجيش، “طَحَش” العماد عون باتجاه تجديد الدم داخل المؤسّسة العسكرية، فإن التجربة أثبتت أنّ هذه الحَماسة توقّفت عند عتبة “التحرّر” من ثقل عدد من ضباط 1985. وحين تيسّر هذا، بقيت الأمور على ما هي عليه. أما اليوم، فإنّ خيار قهوجي يعكس ثقة ميشال عون وقناعته به، وأيضاً السير بمشروع إعادة تنظيم الهيكلية وصولاً إلى ربما تثبيت واقع كانت تعيشه المؤسّسة العسكرية في مرحلة معيّنة. فرئيس فرع أيّ منطقة مثلاً كان يمكن أن يكون برتبة رائد أو نقيب. وبمطلق الأحوال، لم يكن قائد الجيش بعيداً أبداً عن هذا الخيار.
وغداً سيجتمع المجلس العسكري في قيادة الجيش، هو المؤلّف من خمسة أعضاء، للبتّ بتعيين قهوجي مديراً للمخابرات خلفاً للعميد منصور. المجلس العسكري، وفق المعلومات، الذي سيجتمع بنصاب كامل، ويقرّ جدول أعماله، سيرفع اقتراح تعيين قهوجي إلى وزيرة الدفاع زينة عكر، للموافقة عليه من دون ممانعة أو تحفّظ، بخلاف الجلسات في الأعوام الماضية التي سيطرت عليها تباينات بين أعضاء المجلس.
ثمّة ما يشبه الإجماع داخل المؤسسة العسكرية وخارجها على مناقبية وكفاءة العميد قهوجي الذي نال أقدمية ضمن ضباط دورته سمحت له بالتقدّم عليهم، ومهّدت له الطريق أمام تعيينه مديراً للمخابرات. وهو يعتبر من نماذج الضباط “الشغّيلة” ضمن مؤسستهم، وبصمت، من دون “ضوضاء” وPR و”تفشيخ” يرافق عادةً ضباطاً يحتلّون مواقع مهمّة وغير مهمّة!
ولعلّ العلامة الفارقة هي رئاسته لـ”الفرع الفني” منذ 1994، وهو الفرع المعنيّ بالتنصّت والتعقّب والرصد. ويعتبر الذراع الأساسية لقيادة الجيش ومديرية المخابرات إضافة الى فرع التحقيق في المديرية.
16 عاماً في الموقع نفسه سمحت له بمراكمة خبرات تؤهّله لشغل هذا الموقع، والأهم حصد ثناء عسكري – سياسي شبه شامل، على عمله وأدائه.
باختصار، ولأنّ لبنان بلد الحساسيات والتوازنات الدقيقة تشمل مروحة التوافق على اسم طوني قهوجي 180 درجة، من رئاسة الجمهورية إلى قيادة الجيش وجبران باسيل وحزب الله وصولاً إلى الأميركيين والفرنسيين…!
لكن هنا تحديداً تبرز نقطة أساسية تتعلّق باحتمال حدوث تغيير على مستوى قيادة الجيش ومديرية المخابرات بعد سنتين مع انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية. مع العلم أنّ من ضمن التحفّظات على اسم قهوجي كان صغر سنّه، مع ترداد عبارة: “بكّير عليه”. لكنّ العارفين يجزمون أنّ “ثنائية عون – قهوجي ستستمرّ، خصوصاً في حالة الفراغ الرئاسي، الذي يتوقّعه كثيرون”.