أميركا لفرنسا: تعوّمون الحزب.. وهو يسقط مبادرتكم
أحرج وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجدّداً. بدا صعباً على وزير دونالد ترامب،أن يقنع الفرنسيين بما يريده، في حين يعمل ماكرون وفي حساباته جو بايدن.
الدليل على الإحراج هو حضور ماكرون الجزء الأخير من الاجتماع بين بومبيو وبين وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ثم تعفّف قصر الإليزيه عن إصدار بيان حول الاجتماع، فكان بيان الخارجية الأميركية الذي قال إنّ البحث تناول “تأثير حزب الله “الخبيث” في لبنان، والجهود التي تقوم بها واشنطن باتجاه تشكيل حكومة استقرار وإصلاحات”.
لم يُشِر البيان إلى الجهود التي تقوم بها باريس باتجاه تشكيل الحكومة في لبنان، وهذا يعني استمرار الرفض الأميركي للمبادرة الفرنسية، لا سيما أنّ مسؤولين أميركيين كرّروا لأكثر من مرّة رفضهم إعادة تعويم حزب الله سياسياً. لا بل إنّ الضغوط الأميركية على الدول الأوروبية مستمرّة لدفعها إلى تصنيف الحزب على لائحة “الإرهاب”، وفرنسا وحدها لم تلتزم حتى الآن. وهناك من يعتبر أنّ إجهاض المبادرة الفرنسية سيؤدّي إلى تغيير في الموقف الفرنسي.
ما تفرضه توجّهات ترامب التي لا تزال على قيد الحياة في حركة بومبيو، سيشكّل منارة طريق أمام الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، أي أنّ الرئيس الجديد لن يكون سهلاً عليه تجاوز أو إلغاء مفاعيل قرارات ترامب وخياراته. وهذا ينطبق لبنانياً وفي ملفات دول أخرى. وذلك تجلّى في البيان الأميركي حول لبنان.
المسؤولون الأميركيون يتوجّهون إلى نظرائهم الفرنسيين بالقول: “أنتم الوحيدون الذين تجتمعون بحزب الله، وتستقبلونه في اليوم الوطني الفرنسي، وتزورنه في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتوفّرون له تواصلاً دولياً. ولكن عندما تتقدم باريس بمبادرة تجاه لبنان، حزب الله هو الذي يجهضها، بعقبات وعراقيل متعدّدة. وحزب الله لا يريد أيّ حلّ في لبنان، وهو يمثّل الوجه المتعارض مع الرؤية الفرنسية للكيان اللبناني”.
على وقع هذه الخلافات، وبمفاعيل وتأثيرات العقوبات الأميركية، لا تزال عملية تشكيل الحكومة اللبنانية متوقّفة ومتجمّدة. الجميع ينتظر أيّ تطوّرات تتيح تشكيل حكومة وتفرض على طرف من الطرفين تقديم التنازل. والأكيد أنّ حزب الله ورئيس الجمهورية ليسا في وارد التنازل حتّى الآن.
إذا فشلت المبادرة الفرنسية نهائياً، فهل ستستمرّ العلاقة بين الفرنسيين وحزب الله على حالها؟
حتماً لا.
سيخسر حزب الله آخر خيوط تواصله مع الغرب، وأوروبا بالتحديد، فهل سيضحّي الحزب بهذا الخيط كرمى لعيون جبران باسيل؟
الاستياء الفرنسي يتنامى أكثر بعد تسريبات حزب الله التي اتهمت الموفد الفرنسي باتريك دوريل باستخدام العقوبات على جبران باسيل كعصا يلوّح بها لدفع عون وباسيل إلى تقديم تنازلات.
فرنسياً، هناك سؤال أساسي: هل موقف حزب الله في لبنان ينمّ عن حسابات لبنانية صرفة؟ أم يعبّر عن موقف إيراني؟
تراهن باريس انطلاقاً من دورها ونفوذها في لبنان على علاقة جيدة بحزب الله، لحسابات التمتع بقوّة النفوذ لبنانياً، وطمعاً بدور مستقبلي في سوريا، بالإضافة إلى الحسابات الاقتصادية والاستراتيجية مع إيران. في المقابل، وعلى وقع العقوبات المفروضة على طهران، والتهديدات الأميركية المستمرّة لها، التي ستتسارع وتيرتها في المرحلة المقبلة سواء عبر المزيد من العقوبات أو من خلال ضربات، ستكون طهران في موقع حرج، وليس موقع القوّة السابق، ولا في صورة المشروع المتوسّع والمترامي الأطراف. ستجد نفسها مطوّقة، بفعل العقوبات، وبضغوط ومشاريع استراتيجية، على غرار التطبيع الخليجي الإسرائيلي، أو المشروع التركي المدعوم أميركياً، بالتقاطع مع مصالح روسيا.
بعد اتفاق أرمينيا وأذربيجان، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إيران ستجد نفسها مطوّقة جغرافياً أيضاً، على حدودها الشرقية والشمالية، بالنظر إلى التقاسم التركي الروسي للأدوار والتنسيق في إطار تقاطع المصالح، من أفغانستان وباكستان إلى القوقاز. هذا الخطّ التركي الذي يستنسخ النموذج الإيراني سنيّاً، ويراهن على تقاطعات أميركية روسية، سيؤثّر في دور طهران من جهة الغرب، أي لبنان وسوريا، في ظلّ ضغوط أميركية ودولية مستمرّة لتطويق نفوذ إيران، ودفع طهران إلى سحب قواتها من هذه المنطقة.
هنا ستكون إيران امام خيارين أحلاهما مرّ:
– إما مواجهة المزيد من الضغوط عبر استمرار التصعيد سواء في سوريا أو لبنان وتعطيل المبادرة الفرنسية، وبالنتيجة، خسارة فرنسا وكلّ أوروبا، الأمر الذي سيؤدّي إلى إضعافها، وربما إلى تحرّكات داخلية أو حصول ضربات خارجية.
– وإما أن ترضخ طهران في النهاية، وتذهب إلى تسهيل المبادرة الفرنسية في لبنان، التي ستكون خاضعة هذه المرة لشروط أميركية، خصوصاً أنه في حال لم يلبّ التنازل الإيراني المصالح الأميركية، فلا يمكن التعويل على أيّ اتفاق فرنسي إيراني. وبذلك تؤسس إلى إعادة تفعيل المفاوضات حول ملفات عديدة بدءاً من الاتفاق النووي وصولاً إلى دور إيران في المنطقة، لأنه هذه المرة لن يكون بالإمكان فوز طهران بالاتفاق النووي مقابل إطلاق يدها في كلّ دول المنطقة.
الأسابيع المقبلة ستكون بالغة الصعوبة في المنطقة، وعلى الساحة اللبنانية خصوصاً، وستتخذ صعوبتها أشكالاً متعدّدة واحتمالات خطرة.