محمد سيد أحمد-البناء
ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن الإعلام في العصر الحديث كإحدى أهمّ أدوات تشكيل الوعي لدى الرأي العام، وعملية تشكيل الوعي بواسطة وسائل الإعلام ليست بريئة على الإطلاق، فدائماً ما تتحكّم فيها مصالح القوى المسيطرة على هذه الوسائل سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية، وغالباً ما تنحرف هذه القوى بوظيفة الإعلام الرئيسيّة، فبدلاً من أن تسعى إلى تشكيل وعي حقيقي للرأي العام من خلال تصوير الواقع كما هو عليه ونقل الحقائق والمعلومات بموضوعيّة وشفافيّة، فإنّ ما يحدث هو العكس حيث تسعى هذه القوى إلى تزييف وعي الرأي العام بحقيقة ما يحدث حوله سواء في مجتمعه أو إقليمه أو العالم.
وخلال المرحلة الأخيرة ظهر الدور الخطير للجنرال إعلام، حيث أصبح أحد أهمّ الأسلحة التي استخدمها المشروع الأميركي – الصهيوني لتنفيذ مخطط تقسيم وتفتيت المجتمعات العربية في إطار ما عُرف بمشروع «الشرق الأوسط الجديد» أو «الربيع العربي» المزعوم، وتمّ استخدام الجنرال إعلام للتلاعب بأمن واستقرار المنطقة العربية، وخلال هذه الحرب سقطت سريعاً العديد من الأقطار العربيّة بفضل الجنرال إعلام الذي قام بتزييف وعي الجماهير وإيهامها بأنّ ما يحدث داخل بلدانهم هي ثورة ستحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالطبع لم تجن هذه الجماهير أي مكاسب من تصديقها للجنرال إعلام بل فازت أميركا وكيانها الصهيونيّ فقط عبر عشر السنوات الماضية.
ومنذ قرّرت أميركا خوض حربها الجديدة الخبيثة في إطار ما يُطلق عليه الجيل الرابع للحروب، قامت باستخدام الجنرال إعلام حيث سعت لتزييف وعي الرأي العام العربي والعالمي وغسل الأدمغة من خلال الشاشات بأنّ ما يحدث داخل مجتمعاتنا هو ثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأنّ الهدف هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمعات العربية لكي تلحق بقطار النهضة والتقدّم، وزاد الإعلام في تضليله حين حاول تغييب الواقع الفعلي ورسم صورة وهمية لما يحدث على أرض الواقع، وفي ظلّ الإمكانيات المحدودة للإعلام الوطني فلم يستطع مواجهة الآلة الإعلاميّة الأميركيّة – الصهيونيّة الجبّارة وكشف زيفها وتضليلها بل قامت العديد من وسائل الإعلام الوطنية بالدوران في فلك الإعلام الغربي الذي يُهيمن عليه اللوبي الصهيوني ويضخ به مليارات الدولارات، ورغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على هذه المواجهة إلا أنّ الجنرال إعلام ما زال يلعب دوره دون كلل أو ملل، وعلى الرغم من فشل المشروع في تحقيق أهدافه إلا أنه حتى اللحظة يسعى لتزييف وعي الجماهير بحقيقة ما يحدث على أرض الواقع – وللآسف ما زالت الجماهير العربيّة تسمع له وتشاهده وتصدّقه – خاصة على الساحات العربيّة التي ما زالت مستهدفة لزعزعة أمنها واستقرارها بهدف الوصول لمرحلة تقسيمها وتفتيتها.
ولم يكتف الجنرال إعلام بوسائله التقليدية المتمثلة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بل قام بتطوير آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة، فاستحدث أسلحة جديدة تمثلت في ما يُطلق عليه وسائل الإعلام الجديدة المرتبطة بالسلاح السحري الجديد المعروف بالشبكة العنكبوتية – الإنترنت – حيث المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل «الفيس بوك» الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم اليوم و»تويتر» و»يوتيوب» وغيرها، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ليست عامة بل خاصة، حيث أصبح لكلّ مواطن وسيلته الإعلامية الخاصة، وعبر هذا الإعلام الجديد بدأت عمليات تزييف الوعي للمواطن العربي الشغوف بهذه الوسائل التكنولوجية الجديدة والتي يقضي عليها معظم وقته ولا يتركها طوال الوقت، ففي كلّ مكان وزمان تجده متمسكاً بجهازه السحري الذي يستقي منه كلّ معلوماته، حيث تتشكل رؤيته للعالم عبر هذا الجهاز السحري الصغير، وأدرك العدو الأميركي – الصهيوني أهمية الجنرال إعلام الجديد وتأكد أنه قد نجح في ربط المواطن العربي بهذا الساحر الجديد فبدأ في إطلاق جيوشه الإلكترونية لتنشر بذور الفتنة وتشعل نيرانها داخل مجتمعاتنا، وبما أنّ طبيعة التعليم داخل مجتمعاتنا قائمة على الحفظ والتلقين من دون إعمال للعقل والنقد، فإنّ أي معلومات تبث عبر وسائل الإعلام الجديد يتمّ استقبالها وهضمها على أنها حقائق مطلقة، ومن هنا ينتصر الجنرال إعلام وجيوشه الإلكترونية على المواطن العربي.
فالجنرال إعلام صنيعة أميركية – صهيونية، يجب أن نحترس منه وندرك دوره التدميري حيث يقوم بعملية تجريف للعقل الجمعي العربي. فالمعركة الجديدة بيننا وبين الغرب الاستعماري لاستمرار وتكريس تخلفنا قد تجاوزت الأسلحة التقليدية، فلم يعُد الاحتلال العسكريّ ممكناً دائماً كما كان في الماضي، ولم يعد الاحتلال الاقتصادي وسيلة وحيدة قادرة على إخضاعنا وإذلالنا، ولم يعد الاحتلال الثقافي التقليدي كافياً بل تمّ تطوير أسلحته ومنها وسائل الإعلام الحديثة التي أصبحت جنرالاً أساسياً في زمن الجيل الرابع للحروب، وإن لم نلتفت للجنرال إعلام ونواجهه فسوف يستمرّ في تجريف العقل الجمعي العربي، وبالتالي يتمّ تدمير مجتمعاتنا من الداخل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.