لا يمكن النظر إلى العقوبات التي فُرضت على رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس من الباب السياسي فقط أو من بوابة الفساد والهدر في الدولة، بل من باب وجودي للمكوّن المسيحي.
كان حازماً باسيل في مقابلته الأخيرة مع الزميل بسام أبو زيد عبر قناة “العربية – الحدث”، فبدل أن ينظر إلى الوراء ويقوم بعملية نقد ذاتي للأخطاء التي أوصلت إلى فرض عقوبات عليه، أكّد المؤكد وقالها بطريقة غير مباشرة أن لا فك ارتباط مع المحور الإيراني، وأن علاقته مع “حزب الله” مستمرة على الشكل الذي كانت عليه، أي إن ما بات يُعرف بـ”دويلة حزب الله” ستستمر في كسب الغطاء المسيحي.
من جهة ثانية، وإن كان لباسيل خصومات كثيرة، لكنه يبقى رئيس تيار مسيحي ورئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان وصهر رئيس الجمهورية الذي هو الرئيس المسيحي في الشرق، وبالتالي فانه أمام هول العقوبات الآتية من الولايات المتحدة الأميركية والغرب تطرح مرجعيات دينية مسيحية أسئلة جوهرية ومهمّة في ما خصّ هذا الموضوع.
ومن الأسئلة الأساسية هي أن المسيحي اللبناني شكّل صلة وصل بين الشرق والغرب وساهم في التطور الذي عاشه لبنان، وامتد هذان التطور والتقدّم إلى دول الشرق العربي حيث أن دبي وأبو ظبي حلمتا بأن تصبحا مثل بيروت، فلماذا نصل إلى وقت يصبح فيه رئيس أكبر كتلة مسيحية تحت نير العقوبات الغربية؟
ولا يقتصر الأمر على هذا الشيء لوحده، بل إن أوروبا أولاً من ثم أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية شكّلت النموذج الذي أحبه المسيحي اللبناني ونقله إلى الشرق، فلماذا يتمّ قطع هذا التواصل مع تلك البلدان المتقدمة؟ وتأتي الأسئلة المسيحية ليس إلى باسيل فحسب، كذلك إلى رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حيث أن الرجلين، وعلى رغم الخلاف الشخصي بينهما، يغرقان في الخندق نفسه، وقد استخدما شعار المسيحية المشرقية لتبرير سياستيهما، بينما الحقيقة أن هذا الخط سيوصل المسيحيين إلى الإنتحار الجماعي، ومعه يغرق البلد أكثر في العزلة بسبب إتجاه الدولة اللبنانية إلى المحور الإيراني.
على مرّ السنوات السابقة، لم يصدر عن أي مسيحي سواء كان منتمياً إلى “التيار الوطني الحرّ” او إلى تيار “المردة” كلام يقول إنه سيرسل ابنه ليكمل دراسته الجامعية في جامعات دمشق أو طهران، بل بالعكس فان الطلاب السوريين والإيرانيين يأتون للعلم في بلادنا، وجامعة سيدة البلمند أكبر شاهد على حجم الطلاب السوريين فيها، بل إن اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً يحلم بارسال أولاده للعلم في جامعات أميركا وأوروبا.
ومن ناحية أخرى، فان أحداً من المتخرجين لا يفكر بالعمل في سوريا أو إيران، بل إنه يبحث عن باب رزق في الخليج، أو يفكّر بالسفر إلى أوروبا أو كندا او اميركا او أستراليا.
ولا تقف المرجعيات المسيحية في وجه المكوّن الشيعي أو السني او الدرزي، بل إنها ترى في سياسة الإتجاه شرقاً وتحديداً إلى نظام إيران وسوريا إنتحاراً جماعياً، وهنا المسألة لا تتعلق بعزل طائفة، بل إن سياسة باسيل ومعه فرنجية تغطي سلاح “حزب الله”، وتحمي الدويلة التي تأكل الدولة، إذ إن لا قيامة للبنان في ظل وجود سلاح غير سلاح الجيش والشرعية، كذلك، فانها تؤمن الغطاء لمشروع إيران في لبنان والمنطقة، وهذا المشروع يحمل أجندة مناقضة لأجندة مصالح الشعب اللبناني، وبالتالي فان كل سياسات الفريق المسيحي الذي بات تحت رحمة العقوبات، أي تيار “المردة” و”الوطني الحرّ” لا تجلب إلا المزيد من العواقب الوخيمة، وهي لا تحمي المكون المسيحي ولا تفك أسر المكون الشيعي.
بين أعوام 2008 و2011، حاول العماد ميشال عون أخذ المسيحيين إلى الشام، والتغطية على قداس مار مارون في بكركي والجميزة بمناسبة عيد شفيع الطائفة باقامة إحتفال ديني في براد تحت أعين نظام الاسد، لكنه فشل لأن محاولته مرتبطة بأجندة سياسية وليست وجودية مارونية، والآن أمام فرنجية وباسيل فرصة لتصحيح المسار واتباع أقله مسار الحياد الإيجابي الذي يدعو إليه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل أن تغرق السفينة بالمسيحيين واللبنانيين على حد سواء، وعدم تحويل شعارهم “المسيحية المشرقية” إلى نحر للمكون المسيحي في الشرق.