كلير شكر-نداء الوطن
لا تعكس العقد المحلية الحاصلة في مشاورات التأليف، إلا حال الانتظار والضبابية المسيطرة دولياً. فالحراك الخجول الخالي من أي دسم سياسي، لا يشي بأنّ الحكومة قد تولد في وقت قريب، إلا إذا تمكنت باريس من اقناع واشنطن بأنّ التأخير سيجلب المزيد من الويلات، ويحوّل لبنان إلى ساحة مستباحة أمام الأتراك، فتنجح في تسريع خطوات التقاطع الدولي حول لبنان.
أمّا غير ذلك، فيبدو أنّ قطار التسويات الكبرى، لن يحسم اتجاه طريقه إلا بعد عبوره محطة الانتخابات الرئاسية في سوريا، ليكون لبنان التالي على لائحة التفاهمات الاقليمية. ولذا، يبدو أن ملف الحكومة بات مؤجلاً ولا يستحق بنظر اللاعبين الكبار بذل مجهود مبكر عليه، طالما أنّ مراجعته ستكون حتمية ضمن ملفات المنطقة. ولكن هل بمقدور لبنان أن يقبع في ثلاجة الانتظار حتى تحين الساعة؟
في الواقع، فإنّ بلوغ احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية خطوطه الحمراء، هو الخطر المحدق بالوضع الاجتماعي، خصوصاً أنّ حاكم المركزي رياض سلامة يحاذر الاقتراب من الاحتياطي الإلزامي (اذا كان لا يزال متوفراً)، ويحذر من مغبة تفريغ مصرف لبنان من مؤونته من العملات الأجنبية، التي تذهب في سبيل تغطية الفارق بين سعر الدولار الرسمي وبين سعره الحقيقي الذي تتلاعب به السوق السوداء، لا سيما في ما خص المواد الأساسية من قمح ودواء ونفط، ومواد غذائية تحدد لوائحها وزارة الاقتصاد.
وقد وجّه سلامة أكثر من انذار بكونه بات مضطراً لرفع الدعم اذا ما بلغ حسابه من العملات الأجنبية، عتبة “الصفر”، وهو يعلم جيداً أنّ قراراً خطيراً من هذا النوع من شأنه أن يشعل فتيل ثورة جديدة، ولكن هذه المرة ستكون ثورة جياع وفقراء سيحرقون الأخضر واليابس.
ولهذا طرحت امكانية ترشيد هذا الدعم بشكل يسمح بتمديد مهل “سماحه” لفترة أطول إلى حين يخلق الله أمراً حكومياً كان مفعولاً! لكن رفع الدعم بشكل مطلق يحتاج إلى غطاء سياسي تؤمنه كل الأطراف، وهو ليس متوفراً. لا بل، إنّ أياً من الجالسين على كراسي النفوذ لا يجرؤ على ضمّ توقيعه، الرسمي أو المعنوي على قرار تفجيريّ من هذا النوع.
وهنا تشير المعلومات إلى أنّ وزارة الاقتصاد تعيد صياغة لوائح المواد الغذائية التي تستفيد من دعم مصرف لبنان، بشكل تبقي فقط على المواد الاساسية، بالتوازي مع كلام عن امكانية تخفيض نسبة الدعم عن البنزين بشكل محدود جداً.
وبهذا المعنى أيضاً، يبحث الحزب “التقدمي الاشتراكي” في اقتراح متكامل يصفه أهله بـ”الجريء” سيودعه الرأي العام خلال الأيام القليلة المقبلة، للاستفادة قدر الامكان مما تبقى في خزائن مصرف لبنان من العملة الخضراء، وهو كان موضع نقاش مباشر وصريح بين رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائهما الأخير.
وفق الاشتراكيين، يتناول الاقتراح ثلاثة محاور:
المحور الأول يتصل بدعم مادتي البنزين والمازوت، حيث ينص الاقتراح على تحويل هذا الدعم من الشركات المستوردة الى المواطنين مباشرة. ما يعني أن الشركات تستورد بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، ولكن وحدها العائلات الأكثر فقراً هي التي قد تستفيد من البنزين والمازوت المدعومين اللذين يدفع مصرف لبنان فارق سعرهما، على أن توضع آلية علمية تحدد المستفيدين دون سواهم.
المحور الثاني يرتبط بالدواء، حيث وضعت الدراسة لوائح شاملة لكل الأدوية المستخدمة في السوق اللبناني، على أن يكون الدواء البديل generic هو وحده الذي يستفيد من الدعم إلى جانب الأدوية التي لا بديل لها في السوق اللبناني.
المحور الثالث متصل بالسلع الغذائية حيث يدعو الاقتراح لرفع الدعم عن المواد الغذائية غير الأساسية.
وفق الاشتراكيين، فإن هذا الاقتراح يحقق أكثر من هدف: توفير نحو 60% من المبالغ التي تدفع للدعم، ما يعطينا مهلة ستة اشهر اضافية. مساعدة الطبقات الفقيرة في صمودها لتأمين مقومات عيشها. ومواجهة أزمة التهريب التي تقضم جزءاً كبيراً من الدعم.