جورج سولاج-الجمهورية
عندما يعتبر وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أنّ تأجيل الإصلاحات قد يعني نهاية لبنان، وعندما يردّد قادة الدول الصديقة للبنان هذا التحذير، ولا يتحرّك صانعو السياسات، أو بالأصَح معطّلوها ومُعرقلوها عندنا، لاتخاذ أي خطوة إنقاذية، يتساءل اللبنانيون: ماذا بعد؟
أليس لهذا الليل الأسود من آخر؟
على سبيل المثال لا الحصر، يتقاتلون على عدد الوزراء في الحكومة المَعوقة التأليف، وفي كل حكومة. يريدونها موسّعة الى 24 وزيراً ونحن بلد صغير مفلس تائِه، فيما أنّ دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الاميركية لا يتجاوز عدد وزرائها الـ 15، ودولة عريقة مثل سويسرا لا يزيد فيها عدد الوزراء عن 8.
يتقاتلون على وزارة الطاقة حيث يتسرّب الهدر فيها من ألف طاقة وطاقة، وماذا بقي فيها بعدما تسبّبت بما يصل الى نسبة 50 في المئة من الدين العام خلال 10 سنوات؟
يتقاتلون على التحقيق الجنائي في مصرف لبنان، ومصرف لبنان يعتمد أساساً أهم شركتين عالميتين للتدقيق المحاسبي، هما «ديلويت اند تاتش» و»ارنست يونغ»، فيما يتجاهلون منطق وحدة المعايير وعدالة شمولية التدقيق لتطاول وزارات المال والأشغال والصحة والطاقة والداخلية والاتصالات وغيرها، حيث لا تدقيق ولا تحقيق ولا من يسألون. كما يتجاهلون طلب التدقيق الجنائي في كل المؤسسات الرديفة للوزارات. ويُخفون تقارير أجهزة الرقابة، في ديوان المحاسبة، وإدارة المناقصات، والتفتيش المركزي…
وتكاد لوائح الصفقات والسمسرات والهدر والاحتكارات والاهمال وسوء الادارة والمحسوبيات لا تنتهي.
وبعد كل ذلك، يقولون لك إنّ أسباب الانهيار خارجية، وأسباب عدم الانقاذ دولية، وأسباب عدم تأليف الحكومة إقليمية.
لا يصدّق اللبنانيون كيف يُتقِن المسؤولون عندنا لعبة الانكار وتَقاذف المسؤوليات، والاستمرار في هدر الوقت والفرص، والالتفاف على المبادرات وتضييع المساعدات، ونسف القوانين وسحق حقوق الناس، والمضي في أنانياتهم، وكأنّهم يعيشون في عالم آخر أو كوكب آخر، فلا يهزّهم انفجار في حجم انفجار المرفأ، ولا يوقِظ ضمائرهم سرقة أموال اللبنانيين وجنى أعمارهم في قطاع «الميسر المصرفي» المعسّر، ولا يخيفهم انهيار نظام اقتصادي ومالي حر ولا جوع ولا بطالة، ولا هجرة، ولا هلاك وطن.
والجواب بسيط.
بعد الانهيار المالي في الولايات المتحدة الاميركية عام 2008 أُخضِع عدد من أصحاب الشركات المالية الكبرى ومدرائها، الذين جَنوا ثروات خيالية من الانهيار الذي كانوا يتوقعونه لكنهم لم يفعلوا شيئاً لتَجنّبه ومنع خراب بيوت الناس، الى مَسح (SCANER) علميّ لأدمغتهم، فتبيّن أنّ هوس تكديس المال لديهم له تأثير مباشر على الدماغ يوازي تأثير المخدرات.
من هنا نفهم لماذا يعيش غالبية الزعماء عندنا وغالبية أصحاب القرار في المصارف والوزارات وكبار التجّار والمهرّبين في لا وعي، فلا يرحمون البشر ولا يخافون الله.