سرُ أنبوبِ نفط عكار
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
من الأخبار غير المُفاجئة لأصحاب القراءات الواقعية، لم يتمكن إجتماعُ باريس من تحقيقِ أي تقاربٍ أميركي – فرنسي، وكذلك الزيارة السرية للرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا، لتصبح المسألة لعبة تقطيع وقت قد لا تخلو من تشكيلة من هنا ومسودة من هناك، تنزل الدولار حينًا وترفعُ وتيرة التهريب أحيانًا، على إيقاع التفلت والانهيار، في إنتظار “خراب واشنطن” و”عمران طهران” ،على وقع “العنتريات اللبنانية” ،كلٌ على قياس صاحبها.
ومن عوالم هذا التفلت الأمني – السياسي، ظواهر التهريب “الشرعي” إلى “الشقيقتين”، الصغرى عبارة عن مخدرات بكل أنواعها، والكبرى “كل ما لذ وطاب” من دولارٍ وبنزينٍ ومازوت وطحين، “على عينك يا دولة ويا شعب”، بين متآمرٍ من هنا و”غافلٍ” من هناك، بأساليبٍ وطرقٍ مُبتكرة “تكعى على مين ما كان”، حتى أولئك الساهرين على حسن تطبيق مندرجات قانون قيصر.
ففي توقيت لافتٍ، جاء حادثُ حريق “خط البترول” في عكار، الذي كاد يتسبب بكارثة بشرية وبيئية، عقب زيارة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى بغداد، وحصول اتفاق “مبدئي” على تزويد العراق للبنان بكميات من النفط الخام تحت باب “المساعدات” لتخفيف كلفة الفاتورة النفطية بالعملة الصعبة، وقد قيل أن ثمة من طرح نقل تلك الكميات عبر الأنبوب البري، رغم الأضرار اللاحقة به عند أكثر من نقطة. فإذا كان الأمر كذلك ألم يكن من واجب السلطات العراقية التنسيق مع لبنان وسوريا حول الموضوع؟ وما هو سرُ ما حصل؟.
غير أن الوقائع تشيرُ إلى غير ذلك ،مسقطة تلك الفرضية، خصوصا إذا ما أخذنا تضارب معلومات البيانات الرسمية، وتسريبات بعض أهل الأمن، إذ أن الإتصالات اللبنانية الرسمية مع دمشق بينت أن من قام بعملية الضخ هو الجانب السوري دون أي تنسيق مع الجهات المعنية في بيروت. أمرٌ غريب في المعيار الرسمي، إلا أنه عادي في لغة المهربين، حيث كثيرا ما درجت العادة أن يعمد “مجهولون” إلى “فخت” الأنبوب في أكثر من مكان تزامناً مع ضخٍ مُبرمج للنفط الخام من سوريا، مع فارق هذه المرة أن أي “تبخيش” مقصود لم يحصل، ولا حتى كانت مسؤولية خطأ “معلم التلحيم” المُتنقل.
في أي حال يبدو أن الحادث بات محط أنظار جهات أبعد من لبنان، والتي كانت بدأت في جمع المعلومات حول باخرة البنزين “اللغز” مقابل منشآت الزهراني، التي كشفت شبكة متشعبة تقوم بتهريب البنزين بطريقة “شرعية” الى سوريا عبر المعابر الرسمية، بالتنسيق مع رجال النظام السوري، حيث تكشف المعطيات عن توفر معطيات مُفصلة عن أسماء المسؤولين المشاركين والذين يغضون النظر عن عمليات تهريب حوالي 500 صهريج شهريًا بين بنزين ومازوت، وهي عملية تطال أكثر من مستوى في الدولة خصوصا بعد نجاح مسؤول رفيع في لفلفة الموضوع.
وتكشف مصادر واسعة الاطلاع أن “الملفات التي أُعدت باتت في عهدة المعنيين في واشنطن، الذين ينكبون على دراستها لإخضاعها للعقوبات المدرجة تحت قانون قيصر”.
بناءً لكل ذلك، تُطرح عشرات التساؤلات حول حقيقة وخلفيات وأهداف ما حصل. فهل هي عملية تهريب على قاعدة “النفط الخام مقابل البنزين والمازوت”، بسبب تعذر الدفع بالدولار؟ من هو المسؤول عن الخطأ المادي الذي حصل والكارثة التي كاد يتسبب بها؟ هل ما حصل جاء نتيجة تجربة لضخ المهربات من لبنان إلى سوريا؟ ماذا ستكشف الأيام القادمة؟ ويبقى السؤال الأهم الذي ينسف جزءا كبيرا مما تقدم، هل كانت عملية الضخ تتم من لبنان باتجاه سوريا؟.
الأكيد الوحيد أن الأمر ليس عملاً فردياً ولا “تشبيحة” على صغير.