“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
أودعَ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “أمر اليوم” في قصر الاليزيه: “لا حكومة بمشاركة حزب الله الخبيث”.
طالع الكلام يؤشّر إلى موجة ضغوطات أميركية جديدة سيُباشر بتنفيذها تجاه لبنان وضعت باريس في أجوائها لمنع بيروت من تأليف حكومة “غير متوازنة”، أو هكذا يجدها الغرب.
تريد “إدارة ترامب” فرض معاييرها السياسية ليس فقط على الادارة الأميركية الجديدة بل وحتى على من يفترض أنهم حلفاء. “هبط” بومبيو في باريس وعلى رأس جدول أعماله حزب الله.
لم تعلّق العاصمة الفرنسية على مضامين “البيان الحربي الأميركي” المصاغ في ربوعها. تُدرك جيداً أن كلام الوزير الأميركي يحمل استهدافاً لها في جانبٍ منه في ظل عودة مبعوثها باتريك دوريل لتوه من بيروت و “غبار” لقائه أرفع جهة سياسية برلمانية في حزب الله ما زالت آثارها على بزته، وعلى ما يظهر، لا تريد باريس تدشين معركة او تباين مع إدارة راحلة قد تنعكس على إدارة وافدة!
تتعامل العاصمة الفرنسية مع بومبيو على قاعدة أنه وزير خارجية تنتهي صلاحيته في مدة أقصاها ٢٠ كانون الثاني المقبل، لذلك هي غير ملزمة تجاه إدارته بشيء حتى ولو كلف ذلك تسييل حبر على ورق صالح للتلف! على العكس من ذلك، بدا النقيض تماماً في بيروت. ثمة “حاضنات سياسية” ما زالت تتعامل مع بومبيو ومن خلفه “الإدارة الترامبية” على أنها أمر واقع مكرّس! هؤلاء، لم يستيقظوا بعد من كابوس أن ترامب خسر وهو في صدد الرحيل. يتعاملون مع المسألة كما يتعامل معها هو تماماً، من خلال تغريداته التي ما زال يدعي من خلالها أنه فاز في الانتخابات! بناءً على ذلك يرسمون خطوطهم السياسية.
الترجمة العملانية لكلام بومبيو جاءت من بيروت من خلال التشدّد في مسار تأليف الحكومة. تشدّد اتّبعه الرئيس المكلف سعد الحريري بدقة متناهية. يتعامل الحريري مع مسألة تأليف الحكومة كأنها “قضية شخصية”. يُصرّح أمام أوساطه أنه لا يتشاور في مسألة التأليف إلّا مع رئيس الجمهورية ميشال عون ويرضى بما يرضى به، وحين يصعد إلى قصر بعبدا يطلب منه الرئيس “مفاتحة” الكتل الباقية بأمر التأليف، فيعود الحريري أدراجه ويعتكف في بيت الوسط رافضاً ذلك، ثم وبعد عدة أيام يعود ويصعد إلى القصر ويسمع نفس الكلام ثم ينزل! هكذا ببساطة يقضي الحريري وقته في التأليف. صارت اللقاءات في قصر بعبدا مضيعة للوقت وعنوان للعرقلة.
بات الجميع يعلم، بمن فيهم البواب الجالس عند مدخل القصر الجمهوري، ان مسألة الحريري نابعة من فيتو مفروض عليه. الحريري كان وما زال أسير الفيتو الاقليمي – الدولي المعمم على التأليف. ثمة معايير وضعت لرئيس تيّار المستقبل حتى يُنجز “ملف التأليف”، من بينها عدم السماح بعودة حزب الله إلى الحكومة وعدم إتاحة الفرصة أمام التيار الوطني الحر والعهد بشكل عام لالتقاط الأنفاس. حتى ذلك الحين ستبقى الأمور على ما هي عليه. هذا الكلام ردّدته السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا أكثر من مرة قبل ان يقوله بومبيو من باريس، حتى كلمة إختصاصيين مجّردة من القاموس حيال حزب الله، أو غيره!
عموماً، هذه الأجواء وجدت تفسيرها في بيروت. المعلومات المتوفرة لـ”ليبانون ديبايت” تفيد أن لقاء رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف الذي عقد غروب الاثنين في قصر بعبدا لم يسفر عن شيء. ما حمله الحريري إلى القصر لا يغدو كونه “كلام يكرّره في كل مرة، والرئيس يرد عليه من خلال إعادة إسماع الضيف مضامين كلامه السابق بالتحديد”. إذاً نحن ندور في حلقة مفرغة.
الجديد هذه المرة، ان اللقاء اتسم بأجواء سلبية نتيجة “تجميد الحريري مساعيه عند نفس النقطة، اي حصرية البحث في التأليف بينه وبين الرئيس فقط”. الاجواء كلها تشير إلى أن الحريري، بات يرزح تحت جملة متغيرات جديدة نقلها معه إلى القصر بنية فرضها وإسقاطها على المسألة الحكومية، كطبيعة تمثيل القوى وخريطة توزيع الاسماء داخلها.
يريد الحريري “تمحيص كل اسم باسمه”، ولو تسنى له، لكان أحالها إلى أحد الافرع الأمنية للتدقيق في طبيعة قربها من حزب الله والتيار الوطني الحر! هذه المتغيرات، دفعت برئيس الجمهورية إلى إعادة تذكير الحريري بمطلبه الاساس القائم على “حكومة موسعة تضم الجميع، مع الاحتفاظ بحق الجميع في التسمية طالما أن المعيار هو اتاحة الفرصة لاطراف محددة بالتسمية”.
كلام من هذا القبيل أعاد دفّة المشاورات إلى نقطة الصفر، ما يحيل القضية الحكومية برمتها إلى المجهول في ظل عدم الاتفاق حتى على ابسط النقاط والتراجع عن مجموعة اتفاقات سبق وأن أبرمت. جو من هذا القبيل دفع بمرجع حكومي سابق إلى إسداء نصيحة إلى الرئيس المكلف عبر “ليبانون ديبايت”، قوامها “دراسة مجموعة خيارات باتت ملكه من بينها صياغة تصوره الحكومي الكامل، من الصيغة حتى الحقائب والاسماء بناءً على ما توصل إليه من تفاهمات مع رئاسة الجمهورية، وإسقاطها على مسودة واضحة المعالم، ثم الصعود بها إلى قصر بعبدا في أقرب أجل ووضعها في عهدة رئيس الجمهورية -الذي يصفه الحريري بالشريك في أمر التأليف- وبعدها ينزل الحريري إلى قصره ويجلس هناك منتظراً قرار رئيس الجمهورية، فإما أن يرفض الصيغة بالكامل ويكون الحريري بذلك قد دفع عنه المسؤولية، وإما أن يستمهل عون ويبعث خلف الحريري لمناقشة أمر التشكيلة”.
هذا الحل – المخرج المنبعث من بين جنبات شركاء الحريري، أقرب إلى “فرض حكومة احادية الشكل منه إلى تقديم صيغة حكومية بالتشاور مع رئيس الجمهورية”، ستكون عملياً موضع رفض من قبل الفريق الآخر الذي سيسقط عليها الحُرم، وتزامنها مع موجة الضغوطات الاميركية الجديدة، سيخلق إنطباعات أخرى لا تقل عن تصويرها كـ”تشكيلة أمر واقع لن تعبر!”.