الأخبار
يُقسّم التقرير الذي يحمل عنوان «تقرير بشأن العلاقة السعودية الإماراتية في ميزان أطراف الصراع اليمني» مسار تلك العلاقة، التي يعتبر أن أيّاً من أطراف الصراع لم يمتلك «تقييماً ثابتاً» لها، إلى ثلاث مراحل. يُسمّي أولاها «مرحلة الرضى والامتنان»، وفيها «كانت الصورة أن الدولتين تعملان في تكامل وانسجام لإنجاز هدف واحد، أي القضاء على الانقلاب الحوثي». في مرحلة تالية عنوانها «الارتباك والتشتّت»، «بدأ الإرباك والميوعة يصيبان المشهد الصراعي. وبدأت تظهر قوى جديدة. وبدت سياسات الدولتين ومواقفهما عموماً غير واضحة، وأوحت في حالات عديدة بتناقضها»، و»بأن سياستهما ومواقفهما ليست إلا توزيع أدوار، وما ساهم في هذه الصورة هو قيامهما بتأسيس مجلس للتنسيق بينهما». أمّا في المرحلة الثالثة، والمسمّاة «الشك والمراجعة»، فـ»برز الاعتقاد بأن اتفاق الدولتين وتنسيقهما التام بدأ بالاهتزاز، ولكن دون أن ينهار، وبدأت أطراف الصراع تعتقد بوجود خلافات»، خصوصاً «بفعل بعض التطورات التي كان آخرها إعلان دولة الإمارات تقليص تواجدها العسكري في اليمن، وكذلك التقارير التي تحدثت عن نيتها الانسحاب الكامل نهاية العام الجاري (2019)».
يعتبر مُعدّ التقرير، الذي يحمل تاريخ إعداد هو الـ23 من تموز/ يوليو 2019، أن «مختلف الأطراف المحلية تتشارك الرغبة في التأثير على العلاقة السعودية – الإماراتية»، لكن «الحقيقة أنها لا تمتلك خيارات ذات شأن في هذا الصدد، باستثناء الحوثيين»، وأنها «بحاجة ماسة للدولتين أو لإحداهما». ويستدرك بأن إعلان الإمارات تنفيذ انسحاب جزئي لقواتها، «سواء جاء بالتنسيق والتفاهم مع السعودية أو نتيجة لخلافات معها أو كان قراراً منفرداً ولاعتبارات خاصة بالإمارات»، فقد «فتح باب الأمل بتحريك المياه الراكدة، بالنسبة لبعض الأطراف المحلية».
وفي تفصيله لتقييم الأطراف المحلّيين للعلاقة السعودية – الإماراتية، وخياراتهم في التأثير عليها، يورد التقرير ما يلي:
1- بالنسبة إلى حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، «يُعدّ احتفاظ السعودية والإمارات بعلاقة جيدة الوضع الأفضل». إلا أنه على أرض الواقع تُعدّ تلك الحكومة «أكبر المتضرّرين من الوضع القائم»؛ إذ إنها إلى جانب كونها «باتت في حالة عداء شبه صريح مع الإمارات، ولا يبدو أن علاقتها بها قابلة للتعافي بسهولة، فهي أيضاً غير راضية عن مواقف الرياض، على أساس أن الأخيرة، كما تعتقد، لم تقم بما يفي للوقوف في وجه أبو ظبي، بل وتميل إلى الاعتقاد بوجود تنسيق وثيق بين الطرفين». وفي كلّ الأحوال، «ليس أمام حكومة هادي إلا البقاء في كنف الرياض والخضوع لإرادتها، والاستمرار في محاولة إقناعها بإجراء مراجعة للوضع القائم». «ولأنها تعتقد أن الإشكال يكمن في الإمارات وسياساتها، ستستمر في حرب التشكيك في نوايا الأخيرة وشيطنتها وتخوين الرياض منها ومن خططها».
2- بالانتقال إلى «حزب التجمّع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، فـ»يتشابه وضعه وموقف مع وضع وموقف الحكومة، وما يميزه عن غيره من الأطراف، أن استتباب العلاقة بين السعودية والإمارات يشكل تهديداً وجودياً بالنسبة له، وذلك بالنظر إلى الحرب التي أعلنتها الدولتان ضد الإخوان، وهي حرب يعتقد الإصلاح أن الإماراتيين هم من جرّ السعوديين إليها». وعليه، فإن «مشكلة الإصلاح مع هذه العلاقة لا تنتهي عند حلحلة المشهد اليمني ولا عند انتهاء الحرب واستعادة الدولة». إلا أنه ليس أمامه، هو الآخر، «إلا البقاء في كنف السعوديين والتعويل عليهم والاستمرار في محاولة إقناعهم يجدارته وبأنه حليف موثوق ولا يشكل تهديداً وليس له علاقة بالإخوان المسلمين وعقائدهم الدينية والسياسية».
3- بالنسبة إلى حركة «أنصار الله»، فقد «استفاد الحوثيون بلا شك من جوانب القصور والاختلالات في الطريقة التي أدار بها التحالف العربي الصراع في اليمن. لكن لا يزال الوضع الأنسب الذي يرغب الحوثيون في تحققه غير قائم، وهو الوضع الذي يتمثل في نشوب خلاف بين السعودية والإمارات من النوع الذي يلحق الضرر بعلاقتهما، فمن شأن ذلك ليس فقط أن يربك موقف جميع خصومهم، ولكنه قد ينتهي بتفكك التحالف».
4- في ما يتعلّق بـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي للإمارات، فهو «يعتقد أن دعم السعودية لخطط إقامة دولة جنوبية أمر غير وارد، وهناك أيضاً شكوك لديه حول حقيقة موقف الإماراتيين». وعليه، فإن «الحفاظ على علاقة جيدة بالإمارات والسعودية، أو بأي منهما، بما يؤمن له الدعم ليبقى على قيد الحياة»، «سيعد في حد ذاته إنجازاً ونجاحاً لافتاً». على أنه «قد يكون نشوب خلاف بين الدولتين مفيداً للمجلس لجهة أنه قد يخلص الإمارات من الضغوط التي يعتقد أن الرياض تمارسها عليها ويطلق بالتالي يدها في دعمه».
5- لناحية «المؤتمر الشعبي العام»، حزب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، «يعيش الحزب وضعاً استثنائياً وصعباً، ويعود السبب إلى انقسامه المركب، فموقف جناح هادي يماثل موقف الحكومة، وموقف جناح صنعاء يماثل موقف الحوثيين، أما ما يعرف بجناح الخارج المحسوب على الإمارات فلا يشبه في وضعه أي طرف آخر». ويَظهر «تعقيد وضع الحزب في كونه الطرف الوحيد الذي ساهمت تجاذبات الدولتين في تكريس انقساماته، وغير ذلك من المفترض أن انقسامات كهذه ستتكرس حال عانت علاقاتهما من أي خلافات». أما «الاستفادة من حالة الوضع الأمثل لعلاقة الدولتين، أي اتفاقهما على دعمه»، فلن تتحقق «إلا في حالة واحدة هي انتهاء الحرب وتطبيع الأوضاع السياسية في البلاد».
على ضوء ما تقدّم، يخلص التقرير إلى جملة سيناريوات وتوصيات، مستهلاً إيّاها بـ»فرضية إقدام المجلس الانتقالي الجنوبي على اتخاذ خطوة عملية باتجاه فك الارتباط». في هذه الحالة، «من الوارد أن يتسبب ذلك بتفجير الوضع بين المجلس والقوى المعارضة للانفصال، بما فيها الحكومة، وأن يدفع هذه للتصعيد ضد الإمارات، وخطوة كهذه ستحرج السعوديين وستملي تداعياتها عليهم للتدخل وتسجيل موقف، وسيكون الضغط على المجلس وعلى الإمارات خيارهم المرجح». أما في حال بقاء الوضع الراهن فـ»نحن أمام احتمال أن يتسبب وضع كهذا ببعض المتاعب لعلاقة الدولتين المستقبلية بالشأن اليمني، فهو قد يسهم في تأسيس بيئة عدائية ومقاومة لهما أو الأقل غير مطمئنة ومتشككة منهما». وبالنظر إلى «خريطة تحالفات وخصومات الدولتين ومواقف أطراف الصراع من كل منهما، وإلى مكانة ونفوذ السعودية وأهميتها بالنسبة لليمن وقدرتها على التأثير على مستقبل السياسة وأطرافها، فأي أعباء أو تحديات مستقبلية من هذا النوع ستعني أبوظبي أكثر مما تعني الرياض. وقد ينتهي هذا التباين في وجهة الأعباء والتحديات بمعادلة فرص ونفوذ مختلفة تتقاطع فيها مصالح الدولتين وتتسبب بضغوط لعلاقتهما». ومن هنا، تبرز «ضرورة العمل على توسيع دائرة التحالفات الإماراتية في اليمن (التحالفات الرسمية وغير الرسمية، منظمات المجتمع المدني والإعلام خاصة)، إضافة إلى مراجعة وتقييم وتعديل للسياسات القائمة».