يراقب المتابعون باهتمام تحركات حزب الله اللبناني، الذي يسعى خلال هذه الفترة إلى ترتيب أوراق تواجده في الشرق الأوسط بعد أن ضمن مواصلة سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية والتأثير على القوى السياسية، والتي لا تزال في حالة جمود ولم تتمكن من تشكيل حكومة جديدة.
ويبدو أن السياسة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن سيتكون مغايرة عن سلفه دونالد ترامب رغم أن هذا الأخير مارس ضغوطا على حلفائه الأوروبيين من أجل تضييق الخناق على أعضاء الحزب المتواجدين على الأراضي الأوروبية لتطويق نشاطاته، وبالتالي خنقه ماليا حتى لا يقوم بتمويل أعماله التخريبية في المنطقة.
وخلال السنوات الماضية، ركز الباحثون على عدة نقاط مهمّة حول مستقبل حزب الله، التي ستبقيه ملتزما بالقتال إلى جانب إيران ونظام بشار الأسد، وهي أن الحرب السورية رسخت مكانته ضمن ما يسمّى بـ”محور المقاومة” وأن التحسينات التي شهدتها إمكانياته انتقلت إلى الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط.
وعملت أذرع إيران في العراق واليمن، والتي تدرّبت على يد حزب الله أو راقبت تكتيكاته حتى قبل الحرب السورية مثل الميليشيات الشيعية في العراق، ضد القوات الأميركية، والتي انبثق عنها حزب الله العراقي، وأيضا الحوثيين في اليمن، على دمج تكتيكاته الجديدة في عملياتها الخاصة.
التماهي مع الواقع
اغتنم حزب الله فرصة مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير الماضي، في ضربة جوية أميركية استهدفته في مطار بغداد الدولي لاستعادة بعض من شعبيته وإعادة إحياء صورته من خلال تصوير الولايات المتحدة على أنها الطرف الشرير، رغم أن هذه الاستراتيجية لم تعد ذات فائدة.
ويرى محللون أن اللبنانيين باتوا أكثر تركيزا على المشقات الاقتصادية واليومية، وليس على الخطاب الأيديولوجي للحزب، وكذلك فإن خفوت أنشطته في سوريا، وبدرجة أكبر في اليمن، جعله أمام معركة شاقة من أجل تعزيز قوته مرة أخرى لمواجهة من يسمّيهم بـ”الأعداء”.
ويواجه حزب الله سخطا كبيرا ليس فقط من قبل القوى السياسية السنية في لبنان، والتي يمثلها رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، وإنما أيضا من شريحة واسعة من اللبنانيين من مختلف الطوائف تقريبا، متهمين إياه بأنه المتسبب الأول في عرقلة خروج البلاد من أزماتها.
وحزب الله هو أحد مؤثثي المشهد السياسي في لبنان، حيث أن له حضورا بارزا في البرلمان، فضلا عن أنه أحد المشاركين في حكومة الرئيس سعد الحريري، وبالتالي فإن إدراج كل الحزب تنظيما إرهابيا قد يعرّض كامل المنظومة السياسية في هذا البلد إلى خطر الانهيار، فضلا عن أنه سيربك التعامل الدولي مع لبنان.
ويجمع المراقبون على أن حزب الله، الذي يقوده حسن نصر الله، تحوَّل من كونه مشكلة لإسرائيل فقط، ليصبح في الآونة الأخيرة صداعا مزمنا لعدد كبير من دول العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فبينما يحتضنه نظام الأسد في سوريا لا يجد قبولا لدى الحكومة العراقية بقيادة مصطفى الكاظمى والذي يسعى إلى تضييق الخناق على ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران.
وما يزيد الضغوط على حزب الله هو إدراجه من قبل العديد من الدول على لوائحها الإرهابية، والتي اعترفت بأن هذا التنظيم بات يشكل تهديدا للنظام الدولي برمته.
وأشارت كسينيا سفيتلوفا، الصحافية الإسرائيلية المتخصصة في شؤون الإرهاب خلال ندوة نظمها موقع “عين أوروبية على التطرف” لمناقشة قضية حزب الله، إلى أنه على الرغم من أن اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول الخليج تعزِّز الأمن في المنطقة، فإن هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية وبناء ترسانته الصاروخية الضخمة، تحول دون إحلال الأمن. ومع ذلك، نجحت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوة أولية جيدة بقطع المصادر المالية عن الحزب.
وسبق أن أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله ضمن القائمة السوداء، بيد أن واشنطن ترى أن هذه الخطوة غير كافية، وتطالب بتصنيف التنظيم بأسره إرهابيا باعتبار أنه يمارس أعمالا غير قانونية بينها تجارة المخدرات وتبييض الأموال وتهريب الأسلحة عبر أوروبا، مذكرة باعتقال قادة خلية للحزب على صلة بتبييض الأموال وتجارة المخدرات في عملية جرت في العام 2016 بتنسيق بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا.
ولعل تبرير التدخل في سوريا لمساعدة النظام في قمع الانتفاضة هو حالة حديثة من قيام حزب الله بتغيير رموزه ورسائله ليتناسب مع الوضع الجديد من خلال إضافة الجهاديين والمتطرفين إلى الولايات المتحدة وإسرائيل كأعداء رئيسيين، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بجوهر أيديولوجيته.
وكان حزب الله قد أصدر بيانا في العام 2009 أعاد فيه تعريف نفسه وأعلن حينها أنه تخلى عن فكرة أساسية تتمحور حول إقامة دولة إسلامية، لكن تلك الوثيقة أبقت على كافة الجوانب الأخرى التي تساعد على استمراريته وخاصة من ناحية توفير التمويلات.
ترتيب الأولويات الميدانية
ظهرت في الفترة الأخيرة محاولات من طرف حزب الله لإعادة تموضعه في أماكن متعددة من المنطقة وفق استراتيجية عسكرية جديدة بهدف التماهي مع الواقع الجديد، الذي يفرض عليه حماية عناصره المنتشرة في سوريا والعراق واليمن.
وأشار مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشره مؤخرا إلى أن حزب الله لجأ إلى بناء أنفاق جديدة في سوريا بعد أن تعرضت الكثير منها إلى التدمير بفعل القصف الجوي من الطيران الإسرائيلي.
ولم يكتف بذلك بل حاول استخدام أساليبه نفسها لاسيما ذات البعد الطائفي المتعلقة بعمليات التشييع، إذ أكدت مصادر أن ميليشيات حزب الله كثفت من نشاطاتها في محافظة حلب والقنيطرة.
أما من الناحية العسكرية فقام بتأمين طرق جديدة محروسة بدفاعات جوية إيرانية بعد تعرضه لضربات على الطرق السابقة، كما قام بحفر خنادق ونشر العشرات من العناصر بأسلحة متطورة مع مناظير ليلية يعتقد أنه حصل عليها من إيران، ما يعني أن حزب الله لديه القدرة على توفير كل ما يحتاجه من إمدادات رغم كل التضييقات عليه.
ويقول ريتشارد بورشيل، الباحث في معهد بوصلة في بروكسل، إن تصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي لا يعد حلا جذريا ذلك أنه من الصعب قطع الإمدادات المالية عنه، خاصة عندما يكون الكثير من أنشطته قانونيا، وإن كان يستخدم العائدات في الأنشطة غير القانونية.
وتخضع المنطقة الممتدة بين مدينة البوكمال والميادين إلى نفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لها على غرار ميليشيا حزب الله العراقي التي تملك حضورا مكثفا في شرق سوريا. واستوحى قادة التنظيم اسم الميليشيا من حزب الله اللبناني الذي كان قد تولى عملية تشكيلها وتدريبها، وهذا ما يفسّر تقارب أسلوب الجانبين.
وتشكلت كتائب حزب الله العراقي في أبريل 2007، في مدينة العمارة جنوب البلاد، باندماج عدد من التشكيلات الشيعية المسلحة نشأ بعضها بعد الغزو الأميركي عام 2003، ومن هذه التشكيلات لواء أبوالفضل العباس، وكتائب زيد بن علي، وعلي الأكبر، والسجاد، وكربلاء.
وفي اليمن، يعكس وجود عناصر حزب الله اللبناني في صعدة المعقل الأساسي للحوثيين، محاولة إيران المتحكّمة في قرار الحزب مساعدة المتمرّدين الحوثيين على الصمود لأطول وقت ممكن بعد أن أشعل التحالف العربي المواجهة ضدّهم في عدّة جبهات بشكل متزامن، الأمر الذي شتّت جهودهم وأضعف قدرتهم على مواصلة الحرب.
ويجمع بين التنظيمين ولاءهما لإيران حيث يعدّان من أذرعها في المنطقة العربية، وبينهما تنسيق وتعاون حيث تحتاج جماعة الحوثي إلى خبرات عناصر حزب الله في حرب العصابات وتهريب الأسلحة وإعادة تركيب المفكّك منها باعتباره أكثر الأذرع الإيرانية قوّة وتحظى عناصره بدورات تكوين في عدّة اختصاصات عسكرية في إيران على يد الحرس الثوري.
كما يشترك الطرفان في استخدام أسلحة ومعدّات مهرّبة من إيران بينها الطائرات المسيّرة والصواريخ، التي يستخدمها الحوثيون في قصف مناطق داخل الأراضي السعودية.
المصدر: العرب