لا إرادياً، ارتبط فيروس كورونا في لبنان، كما في بلادٍ أخرى، بتقنية فحوص الـPCR. فمنذ دخل الفيروس البلاد، في شباط الماضي، رافقته تلك الفحوص التي كانت نتائجها تصدر في العدّاد اليومي للإصابات. هكذا، كان التشخيص بالإصابة من عدمه مرتبطاً بالـPCR، من دون أي تقنية أخرى. لكن، بالتوازي مع الارتفاع التدريجي في أعداد الحالات المشخّصة إيجاباً بالفيروس، نشطت تقنية أخرى كان من شأنها «تشخيص» الواقع الوبائي في البلاد، وهي تقنية الفحص السريع (Rapid test). وهي التي اعتمدتها وزارة الصحة لقياس مدى انتشار الفيروس في البلاد من عدمه، من دون أن تكون بديلاً لفحوص الـPCR، بحيث إن لكل منهما «وظيفته» الخاصة. ففي الوقت الذي يعمل الـPCR على معرفة ما إذا كان الشخص مصاباً بالفيروس أم لا، تعمل تقنية الـRapid test في مكانٍ آخر، وهي أشبه بـ«البوصلة» التي يمكن من خلالها معرفة مدى «الانتشار المجتمعي» للفيروس. وبحسب وزارة الصحة، كان يستخدم هذا الفحص لـ«التوجيه» تمهيداً لإجراء فحوص الـPCR في الحيّز الجغرافي الذي تتخطى فيه نسبة «الإيجابية» مستوى معيناً.

في الآونة الأخيرة، نشطت تلك التقنية. وكان ثمة سبب دفع الوزارة لتنشيطها، برغم معارضتها في البداية إدخال تلك التقنية إلى البلاد. ففي الفترة التي تلت الدفعة الثانية من عودة المغتربين، بدأ عدّاد الإصابات اليومي يتجه صعوداً، حتى بات سيناريو الانتشار المجتمعي حتمياً. وهو ما دفع بالوزارة إلى توسيع رقعة استخدام تلك التقنية، والتي بلغت «ذروتها» مع القرارات الأسبوعية لوزارة الداخلية والبلديات بإقفال القرى التي شهدت أعداداً مرتفعة من الإصابات. خلال تلك الفترة، أرسلت «الصحة» فرقاً طبية لإجراء «مسوحات بالفحص السريع» للبناء عليها نحو التوجه لإجراء فحوص الـPCR. وكان الهدف من تلك الفحوص التي تُجرى عبر الدم وتصدر في غضون عشر دقائق هو فحص الأضداد المناعية للأشخاص (IGG وIGM) لمعرفة ما إذا كان الشخص أصيب بالفيروس ولم تظهر عليه العوارض أم أنها كانت خفيفة أو أنه لم يصب ولكنه يملك مناعة للمواجهة. من هنا، كانت وزارة الصحة تستند إلى تلك النتائج لتقوم بإجراء فحوص الـPCR.
ما الذي حملته تلك الفحوص التي لا تظهر في الغالب إلى العلن؟ في فترة الإقفالات الموضعية، وزّعت وزارة الصحة 65 فرقة طبية على المناطق، لإجراء الفحوص السريعة، وطوال تلك الفترة، أجري ما يقرب من 100 ألف فحص، تأرجحت نسبة «الإيجابية» فيها بين 5,7% والـ6%، ووصلت في بعض الأحيان إلى 7%، على ما يقول الدكتور محمود زلزلي، مستشار وزير الصحة.لكن، هذه النسب العامة قد لا تتوافق في بعض الأحيان مع «التحليق» في بعض القرى المقفلة، والتي وصلت في إحداها إلى 17%! وهذا يرتبط بطريقة التوجيه وأعداد الإصابات العالية التي تسجلها البلدات. وبغضّ النظر عن تلك المرة، لا توحي الأرقام المأخوذة بأن حال الفيروس في البلاد على ما يرام. ما تعنيه أن الفيروس آخذ في الانتشار بصمت، خصوصاً أن نسبة الذين أصيبوا بلا عوارض أو بعوارض خفيفة تتخطى ما يمكن أن يكون مؤشراً طبيعياً. 6% أو 7% من الناقلين الصامتين، تعني أن البلاد في قلب الانتشار، خصوصاً في المدن. وهو ما يعني أن البلاد خرجت مما يُطلق عليه مؤشرات طبيعية التي تفترض ألا ترتفع النسبة، على سبيل المثال، عن 1% أو في أسوأ الأحوال عن 2%، بحسب زلزلي.
البلاد باتت في مكانٍ آخر، هذا ما تقوله الأرقام وما يقوله مراراً وزير الصحة، حمد حسن، الذي حذّر من انتشار «الناقلين الصامتين» في المجتمع.
صحيح أن هذه التقنية يمكن أن تكون في بعض الأحيان «تضليلية»، خصوصاً إذا ما أسيء استعمالها، إلا أنها كفيلة بإعطاء صورة عمّا قد يكون عليه مسار الفيروس. يُذكر أن الوزارة لم تمنح صلاحية استخدام تقنية الفحص السريع للعموم، بل حصرتها في المراكز الصحية والمستوصفات. واليوم، تتحضّر للبدء بتقنية جديدة هي تقنية الـ«ANTIGEN TEST»، حيث تؤخذ العينة من الأنف، أضف إلى أنها لا تستلزم الكثير من الوقت.


إقفال شكليّ والعدَّاد مستمرّ «فوق الألف»
لا يزال عدَّاد «كورونا» محافظاً على مستوى عالٍ من الإصابات يفوق الألف يومياً. ولئن كانت هذه الإصابات تتجه نزولاً، إلا أنها عملياً لا تعني أن الأمور بخير مع تسجيل العدد الأكبر من الإصابات بين المخالطين، أي أن معظم الإصابات محلية. وفي هذا الإطار، سجّل العدّاد، أمس، 1016 إصابة، منها 1006 محلية، ما يرفع عدد إجمالي الإصابات إلى 45 ألفاً و33، منها 847 حالة استشفاء فيما البقية في الحجر المنزلي. أما بالنسبة لعدد الحالات الحرجة، فتبلغ 316، منها 130 موصولة إلى أجهزة التنفس. وهي مؤشر خطر، خصوصاً على عتبة فصل الإنفلونزا الموسمية وعلى عتبة النقص الحاد في غرف العناية الفائقة وأجهزة التنفس. مع ذلك، ليست تلك المؤشرات هي الأخطر، إذ أن عدّاد الوفيات لا يزال يواصل ارتفاعه مع تسجيل 10 وفيات أمس رفعت العدد الإجمالي إلى 827 ضحية.
وزير الصحة، حمد حسن، اعتبر أن «العدّاد لا يعكس اليوم نتائج الإقفال، وأن النتيجة الفعلية تتضح نهاية الأسبوع». لكن، في مقابل التفاؤل الذي يبديه حسن، لا تبدو الأمور على الأرض مريحة، خصوصاً مع مشهد الزحمة أمس في كلّ المناطق ولعل الدليل الأبرز على أن معظم الناس لا يأخذون الفيروس على محمل الجد هو محاضر الضبط التي تُحرر بسبب الخروج من دون استخدام أساليب الوقاية اللازمة.
من جهة أخرى، وفي السياق نفسه، أعلن حسن أن «لبنان وقّع اتفاقيتين في شأن تأمين لقاح كورونا، الأولى عبر منصة كوفاكس لتغطية مليون ومئتي ألف شخص، والثانية مع فايزر لتغطية حوالى مليون شخص، بحيث تتم تغطية كل الفئات المعرّضة للخطر»، مؤكداً أن «هذا إنجاز للبنان حيث سيكون من أوائل الدول التي ستتسلّم لقاح كورونا في الربع الأول من العام المقبل». كما أعلن أن الوزارة «تواصلت مع مصرف لبنان لتأمين تغطية كمية إضافية مدعومة من لقاحات الإنفلونزا (…) بما يخفف الضغط على القطاع الصحي».