الصدارة
كتب د.ناصر زيدان…
في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أسوأ أيامه، وتتخبط البلاد في أزمة سياسية ومعيشية مترافقة مع فراغ حكومي بالغ الخطورة، حصل تفجير هائل وغامض استهدف أنابيب جر النفط من العراق الى مصفاة طرابلس شمال لبنان، ونجم عنه تسرب كمية من النفط الخام وصلت الى الشواطئ البحرية بالقرب من مرفأ الصيادين في بلدتي العبدة وببنين العكاريتين، وملأت الأقنية وبعض الأراضي الزراعية المجاورة.
بيان وزارة الطاقة الذي تحدث عن التفجير، كان مقتضبا، وعزى الأمر الى محاولة سرقة محدودة. علما أن بيان بلدية ببنين حمل على فريق الوزارة الفني، كونه غادر المكان من دون إصلاح كامل الأعطال التي أدت الى تسرب النفط.
وبيان وزارة الطاقة أثار الخشية لأنه صيغ على عجل، بينما لم تجر أي تحقيقات عدلية او أمنية حول الحادث، في الوقت الذي يقول فيه سكان يقطنون بالقرب من التفجير، أن دويا هائلا سمع، وهناك آليات حفر شوهدت في المكان قبل التفجير، ولأن الأنبوب يقع على عمق حوالي مترين عن سطح الأرض، وبالتالي فإن الوصول إليه يحتاج الى جهد كبير.
تتقاطع معلومات الجهات المحلية في الشمال مع تشخيص مصادر سياسية متابعة، على أن تفجير الأنبوب ليس عملا فرديا، وقد لا يكون بهدف السرقة كما قال بيان الوزارة، مستندة الى مجموعة من المعطيات والدلائل الدامغة، على اعتبار أن المواد النفطية التي تسربت لا يمكن الاستفادة منها، لأنها غير مكررة، ويستحيل تكريرها بأدوات بدائية.
وثانيا لأن الأعمال التي حصلت كبيرة وتحتاج لوقت، ولا يمكن لمصالح شخصية ذاتية أن تكون وراء هذه الأفعال، لأنها تحمل مجازفة، ولا تعطي مردودا ماليا للقائمين بها.
ولدى هذه الجهات خشية أن يكون العمل مدبرا، وتقف وراءه جهات سياسية داخلية وخارجية، لتحقيق هدف سياسي، او أمني بعيد المرامي، وذلك لعدة اعتبارات:
فأنابيب النفط التي تصل من كركوك في العراق الى ميناء طرابلس، والتي أنشئت في العام 1935، وقادرة على ضخ 1.4 مليون برميل يوميا، لها فائدة كبيرة على لبنان.
ولبنان يحصل على 11 سنتا أميركيا عن كل برميل، ويستفيد أيضا من 1.5 مليون طن من النفط سنويا بأسعار رمزية.
وبعد أن أوقفت سورية العمل بالأنابيب إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1984، خسر لبنان مردودا ماليا كبيرا من جراء هذا التوقيف، كما عملت مجموعات أمنية على إحداث تفجيرات والعبث بالأنبوب على الأراضي اللبنانية لمنعه من العمل بعد انتهاء هذه الحرب.
التفجير الذي حصل في 14 نوفمبر2020، جاء بعد تصريح رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي عن استعداد بلاده تزويد لبنان بحاجته من النفط عن طريق ضخ كميات في خط الأنابيب ذاته، وقد حصلت تجربة لهذا الضخ أدت الى تخزين كميات من النفط داخل هذه الأنابيب.
وإعادة العمل بالخط سيساعد لبنان كثيرا، وسيؤدي الى ضرب كارتيلات استيراد النفط الى لبنان، خصوصا الذي تحتاجه كهرباء لبنان.
كما أن وصول النفط العراقي الى سواحل لبنان بكميات كبيرة، سيحرره من الضغوط التي يتعرض لها في الممرات التصديرية الأخرى عن طريق ميناء جيهان التركي، ومن خلال تهريبه الى إيران التي تتعرض لحصار وعقوبات.
يبدو واضحا ان هناك تقاطع مصالح كبرى متفقة على تعطيل مستقبل خطوط النفط العراقية التي تصل الى لبنان، أهمها: إبقاء لبنان تحت الأسر والحصار الذي يفقده مكانته واستقلاليته شيئا فشيئا.
ثانيا: وضع معوقات أمام الاستثمار الروسي بواسطة شركة «روسنفت» التي التزمت تأهيل وتشغيل مصفاة طرابلس وخزاناتها الإستراتيجية التي تتسع لحوالي نصف مليون برميل، وقد تكون أحد الأهداف وضع معوقات أمام الانطلاقة العربية الجديدة لحكومة العراق، وربما خدمة الفرع من خط الأنابيب الذي يصل الى ميناء حيفا.