“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
عَلِقَ الرئيس سعد الحريري عند أوّل تنازل قدّمه على نيّة تأليف الحكومة ومن دون ضوابط أو صكوك “حفظ حق” تجنبه السقوط الحرّ، فكان التنازل عرضةً للضياع. حقيبة “الداخلية” التي أخرجها زعيم المستقبل من بين كلتا يديه وبقرارٍ صادر عنه شخصياً، لم يعد قادراً على إسترجاعها من الجهة المتبرّع لها حتى ولو أراد أو سعى إلى ذلك. بإختصار، الداخلية لم تعد من نصيب الحريري!
من دون خلفيات واضحة تُذكر، عاد الحريري إلى قصر بعبدا طالباً إسترداد حقيبة الداخلية. حدث ذلك قبل زيارة مستشار الرئيس الفرنسي، باتريك دوريل. طبعاً القصر طالب بإيضاحات، لكن الحريري لم يقدم تبريرات سوى أنه واقع تحت ضغط طائفته! بالنسبة إلى القصر فما كُتب قد كُتب. الحريري قدّم تنازله لقاء القبول بصيغة حكومية من 18 وزيراً، الآن وحين تحقّق له ذلك لا يُمكنه العودة للمطالبة باسترداد ما سبق وتخلى عنه وبكامل قواه العقلية! وعلى فرض أن قبلنا هذه الفرضية، فالاسترداد يقابله استرداد آخر!
“ثمن الداخلية هو توقف عجلة تأليف الحكومة حتى يقضي الحريري أمراً كان مفعولاً”. هذا ما يحصل الآن تماماً، كل شيء تفرمل عند طلب استرداد الحريري وزارة المليون خدمة من جيب “العونيين”.
عملياً، الحريري واقع تحت ضغط طائفته وأركانها، من سياسيين إلى المستوى الديني. لم يقدر أحد على هضم هذا التنازل في حقيبة سيادية أساسية، في وقتٍ يتشدّد الآخرون حيال تثبيت تمثيلهم على حقائب سيادية رقيت إلى مصاف “حقوق الطوائف”. بناء على هذه القاعدة، كيف للحريري أن يتنازل عن “حق طائفته”..؟!
ليس سراً أن الرئيس المكلف اُبلغ بـ”سقف مرتفع” رداً على تنازله. أحد رؤساء الحكومات السابقين بات يسير بعكس إتجاهات الحريري، وهذا واضح، أما الخشية فتأتي من تحوّله إلى معارض لاستمرار الحريري في مسار التأليف، بدليل التسريبات الصحافية التي تصدر عن أجواء محيطة به. صحيح أن هذا الرئيس ما زال وحتى الآن يبدي تأييده الكامل لـ”مهمة الحريري”، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، ويُربط بمسار الحريري السياسي ومدى التزامه بالمعايير الداخلية التي تفرض عليه الإحجام عن استخدام لعبة التنازلات، وبفرضية تمكنه من إسترداد “الصنائع” من عدمها، وهو بات مطلباً سنياً صريحاً.
في النتيجة، توقفت مساعي التأليف. حضر باتريك دوريل إلى بيروت، وبدل ان يُستقبل بتسريع وتيرة المداولات، استقبل على بوابة المطار بزخات من تصريحات تستبطن عناوين إيجابية مفتعلة ومختلقة لا أساس سليم لها ولم تجد أي رابط واقعي على الارض. نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي الذي تحدث عن تفاهمات ثم عاد واختفى بعد ذلك فجأةً، في إختفائه دلائل على “كربجة التأليف”. في المحصلة نال فرزلي لقب “”خبير بث أجواء إيجابية” عن جدارة.
كافة المعلومات تُجمع أن رئيس الحكومة المكلف مُعتكف عن أداء أدواره “التأليفية” المنوطة به، ومنقطع عن زيارة قصر بعبدا منذ 10 أيام ولا معلومات عن حصول أي نوع من أنواع التواصل مُذ ذاك، والمهلة قابلة للتمديد وفق المعطيات. آخر حركة أداها تجاه مدّ عناصر التأليف بجرعات دعم كانت إتصال “الثواني المعدودة” الذي أجراه مع رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل بناءً على وساطة فرنسية وعبر هاتف “فرنسي” على مشارف عطلة نهاية الأسبوع الماضي. منذ ذلك الحين لم يحدث شيء، أمّا الحريري فينتظر “تفسير الآخرين” للخطوة الإيجابية التي تمّت تحت رعاية فرنسية. هذا يعني أن الحريري ينتظر مبادرة ولا يحضر لمبادرات!
في الحقيقة، ثمة من يعمل على إحياء الجهود الفرنسية من بوابة إستخدام الإيجابيات التي وفرّها مسعى دوريل (إتصال الحريري – باسيل)، لذلك يُعمل على عقد لقاء بين رئيس تيار المستقبل ورئيس التيار الوطني الحرّ في دارة الأول على الأرجح.
التعويل على هذا اللقاء نابع من الغطاء الفرنسي الممنوح إلى الحريري. فالاخير يزعم أنه “يخشى” من مفاوضة شخصية مصنفة على لوائح العقوبات ما قد يودي بمساعي تأليفه الحكومة. الاتصال الفرنسي أزاحَ هذه العقبة، وفق مصادر مطلعة على المداولات، والباقي لا يتجاوز تصفية النوايا تجاه عقد اللقاء.
لكن حتى الآن، فإن فرضية إجراء اللقاء غير ثابتة بدليل عدم توافر معطيات إيجابية لدى الطرفين المعنيين به، فكل منهما ينتظر الآخر “على الكوع”، رغم تقديم الموفد الفرنسي معطى إيجابي واحد على الأقل، تمثل بإعلانه داخل الغرف المغلقة أن فرنسا “لا يهمها شكل الحكومة، ما يهمها تأليف حكومة قادرة”. كلام من هذا الوزن فُسّرَ على أنه إبداء ليونة من جانب فرنسا لجهة دفع الحريري نحو تخفيف شروطه النابعة من مضامين المبادرة الفرنسية، والقبول بمبدأ تأليف حكومة تكنو-سياسية (أو إختصا-سية).
الليونة المفترضة، ليس من الواضح أن ثمة من يعمل على ترجمتها. ما هو ثابت حتى الآن أن معايير التأليف لدى الحريري لم تختلف بعد، وإستطراداً لدى الآخرين سيما التيار الوطني الحرّ الذي يُطالب بإلتزام “وحدة معايير” في التأليف والتوزير معاً.
من جهة اخرى، فإن بقاء الامور على حالها بل وشدتها وغياب أي بوادر إيجابية على خط التأليف بالتوازي مع إستمرار التراجع سواء على المستويين الصحي أو الاقتصادي أو المالي، يدفع ليس الدولار إلى الصعود فقط، بل إلى إرتفاع منسوب العودة إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ولو أن رئيسها لا يبدي إستعداداً لذلك.
هذا الواقع، واحتمال حدوث تبديل “تكتيكي” في موقف الرئيس حسان دياب تحت ذريعة “الحاجة والضرورة الملحة”، دفع بقوة سياسية محددة إلى التصويب على وزراء في حكومة تصريف الأعمال كانوا في الأمس القريب عناصر فعّالة في حصتها، في مسعى يقرأ على أنه محاولة لـ”سحب الثقة الحكومية” بالممارسة.