نوال الأشقر-لبنان24
ملايين اللاجئين السوريين مشتّتون في بقاع الأرض، أرضُهم لم تعد أرضَهم، بيوتهم أرزاقهم قراهم راحت، وبقي نظامهم. وطنهم بات مسرحًا للجيوش والفصائل والمتشدّدين والشياطين من كلّ الأجناس. عن عودتهم سمعوا الكثير من المفردات، مرّة طوعية وأخرى آمنة، لا شيء تحقّق، على العكس أُقرت في بلادهم قوانين تتيح مصادرة أملاكهم، وخوفًا على أرواحهم تجاهلوها، ومضوا يبحثون عن ملاذات آمنة وأوطان بديلة. في عاصمة بلدهم عُقد مؤتمر لعودتهم، الخارجية الأميركية وصّفته بـ “مجرد عروض مسرحية”، والنظام حمّل “الحصار الغربي” مسؤولية إفشال العودة. ماذا بعد مؤتمر دمشق؟ هل سيعود اللاجئون أو جزء منهم إلى سوريا؟ وماذا عن لبنان الذي يستضيف أعدادًا مليونية في عزّ أزمته المالية؟ هل سيتمكن مسؤولوه لا سيّما حلفاء النظام السوري، من إعادة النازحين السوريين من خلال التنسيق مع النظام؟
المؤتمر انعقد على مدى يومين بمقاطعة الولايات المتحدة، الدول الأوروبية والخليجية، أي الدول القادرة على تمويل خطط العودة، ولكن قصّة العودة أكبر من التمويل وفق مقاربة الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصايغ “حتّى بظلّ جائحة كورونا، كانت الأمم المتحدة تستثمر أموالًا بنسب أكبر على المستويات الصحيّة الإقتصادية والإجتماعية، بالتالي لا نقص في الأموال والمساعدات للعائدين، ولكن هؤلاء لم تتوافر لهم الضمانات الأمنية والقانونية، وهي أمور مرتبطة بإنجاز الحلّ السياسي شئنا أم أبينا. وهذه الضمانات فشلت كل الجهات بتأمينها، بمن فيهم الأمم المتحدة التي تقوم بدور محصور بالشقّ الإنساني دون السياسي”.
أكثر من مؤشر يستند إليه الصايغ في حديثه لـ “لبنان 24” ليؤكد عدم فعالية المؤتمر، وعدم رغبة النظام بإعادة من تهجّر. كي لا نذهب بعيدًا “هناك مناطق لا تبعد عن مخيمات النزوح السوري في لبنان سوى بضعة كيلومترات، كالقلمون الغربي والزبداني والقصير، كان يمكن أن يعود إليها 350 ألف لاجىء من عكار وعرسال، ورغم توقف المعارك هناك منذ العام 2016 لم يعمد النظام إلى إعادة من تهجّروا إلى المناطق المذكورة. مناطق أخرى شهدت عمليات تهجير منظّم، ورغم أنّها ممسكومة من النظام لم تشهد عودة النازحين، وهذا مثال على عدم فعالية المؤتمر”.
أسباب ديمغرافية ترتبط بحسابات مذهبية، وراء عدم عودة النازحين إلى هذه المناطق وفق الصايغ “النظام السوري نفسه تحدث عن سوريا المفيدة، والإيرانيون يعملون على استقدام سوريين من مناطق إلى أخرى في سوريا بما يخدم التغيير الديمغرافي على أرض الواقع. أمّا المنطقة القريبة من الحدود اللبنانية فقد تمّ بوضوح إعلانها منطقة عسكرية أمنية استراتيجية، يتمركز فيها حزب الله، ولا وجود للنظام السوري فيها إلّا على المرتفعات في بعض النقاط الحدودية وهي شكلية، وقد حاولت الشرطة الروسية استحداث نقاط تمركز لها في هذه المنطقة بين عامي 2017-2018 ، فحصل إشكال بينها وبين الفصائل الإيرانية الموجودة. وفي الوقت نفسه إكتشفنا في السنوات الأخيرة أنّ هذه المنطقة هي ممرّ للتهريب، وبطبيعة الحال يريدون تركها منطقة فارغة، وهناك وقائع حصلت وأطالب بلجنة تحقيق دولية”.
بادرت روسيا للدعوة إلى المؤتمر، أرادت القول من خلاله، إنّها ما زالت ممسكة بالورقة السورية وتحديدًا بملف النازحين، وفق الصايغ “وأنّ مبادرتها التي أطلقتها قبل نحو عامين لعودة اللاجئين لم تمت، علمًا أنّ تلك المبادرة كانت عبارة عن فلكلور بصفر فعالية. ربما أرادت موسكو بمؤتمرها إرسال إشارة للإيرانيين والنظام السوري بأنّها لن تقبل بإستمرار الفرز الطائفي والمذهبي، وبأنّها متمسّكة بحق هؤلاء بالعودة. كما أنّ الخطاب الذي قدّمه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو خطاب مفاجىء، ألقى خلاله باللوم على المجتمع الدولي والأوروبيين والأميركيين، بحيث اتهمهم بمنع العودة. ولكن بدا واضحًا التباعد في أجندات الحلفاء، بحيث تمسك روسيا الجو في سوريا بيما تحتفظ إيران بالأرض”.
من ناحية ثانية دار نقاش حول مكان انعقاد المؤتمر، أرادت روسيا عقده في موسكو، أو أستانا تفادياً لمقاطعة العديد من الدول المتحفظة عن زيارة سوريا، بالمقابل ضغطت سوريا ومن خلفها إيران لعقده في دمشق. وبأي حال جسّد مشهدية غير فعالة لن تؤدي إلى تحقيق العودة.
لبنان البلد الذي يرزح تحت عبء أزمة النزوح، رفع مستوى تمثيله في المؤتمر، يحيث شارك وزيرا الخارجية والشؤون الإجتماعية. ولطالما كانت هذه المسألة عنوان انقسام بين مكوناته السياسية، بين فريق يضغط للتنسيق مع النظام السوري، معتبرًا أنّ ذلك يشكّل مدخلًا إلزاميًا للعودة، وفريق آخر يرى في ذلك تعويمًا للنظام من دون تحقيق العودة المرتبطة بتوافق دولي غير متوافر. اليوم حكومة دياب تمثل الفريق الحليف للنظام السوري، فهل رفع التمثيل والمشاركة ستحقّق إعادة النازحين السوريين من لبنان؟
يجيب الصايغ “هذه هي المزحة بحدّ ذاتها، هناك عودة بنسب قليلة تساهم بتحقيقها المديرية العامة للأمن العام، عدا ذلك هو إعلان سياسي ميت عن إمكانية العودة من خلال رفع مستوى التمثيل. كما أنّ المشاركة بصوتين، صوت لوزير الخارجية وآخر لوزير الشؤون الإجتماعية، مثّل خطابين غير مرتبطين بالسياسة العامة، الحافلة بالتناقضات، التي أقرّتها حكومة دياب، وتتمحور حول خطاب سياسي يكيل الإتهامات للمجتمع الدولي، ويزخر بعبارات على شاكلة، لم نعد نحتمل، سنعمل، نحن تكبّدنا أعباء، في وقت عجزت الدبلوماسية اللبنانية عن تقديم مبادرة جدّية بصوت واحد، وهذه الأخيرة معنية برفع مبادرتها إلى مجلس الأمن، وليس عبر مواجهة المجتمع الدولي. وباعتقادي حتّى لو رفع لبنان مستوى التمثيل ليرقى إلى رئيس الجمهورية، لن يتمكن من إعادة النازحين، وإذا كان الرئيس ميشال عون قادرًا على إعادة النازحين من خلال التنسيق مع النظام فليذهب إلى سوريا”.