جموع من المؤيدين لفوز جو بايدن موع من المؤيبالانتخابات الأميركية لدى إعلان النتيجة تجمهروا قرب البيت الأبيض (أ ب)
نظراً لأن الانتخابات الرئاسية الأميركية هي معركة لاختيار “أقوى رجل في العالم”، كان عظيماً لو أُعطي حق التصويت لكل شخص في العالم. وبتلك الطريقة، كان احتمال إحراز بايدن فوزاً ساحقاً كما تمنى كثيرون- بمن فيهم معظم من يقرؤون هذه السطور، بحسب اعتقادي- أكبر بكثير.
بعيداً عن روسيا والبرازيل والهند وهنغاريا والفيليبين وداونينغ ستريت وغيرها من بؤر انتشار فيروس كورونا الشعبوية، قلة من المناطق، خارج الولايات المتحدة، فيها أكثر من أقلية ضئيلة ترغب في ألا تسمع أي خبر عن دونالد ترمب بعد اليوم.
لكننا لا نملك حق الاقتراع. فهذه الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو يعني كل كلمة حقاً حين يقول “أميركا أولاً”، ومع أن الصين قد تعتبر نفسها أقوى دولة في العالم، غير أن الولايات المتحدة هي أقوى الديمقراطيات. لذا، سواء أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا، للناخبين الأميركيين قدرة تأثير في حياتنا أكثر بكثير مما لدينا في حياتهم.
وقبل أن يتعمق البريطانيون في تذمرهم من شذوذ النظام الأميركي وتقلبات المجمع الانتخابي وبطء عملية فرز الأصوات وفكرة أن من يحصل على الحصة الأكبر من الأصوات لا يفوز دوماً.
لا يراودني شك في أن كثيرين في الولايات المتحدة يستهجنون نظامنا [البريطاني] حين يرون رجالاً على رؤوسهم دلاء [من العادات البريطانية الانتخابية] يقفون بجانب رئيس وزراء بانتظار الاستماع إلى نتيجة الانتخابات المحلية، وحزباً قادراً على إحراز نجاح ساحق على المستوى الوطني من دون أن يحصل حتى على نصف أصوات المقترعين في البلاد.
لذا فإن أمكنني استخدام جملة سئمت كثيراً من سماعها حين يدور الحديث عن كوفيد-19 “هذا هو الوضع”. والوضع حالياً فوضوي بعض الشيء، وسوف يظل على حاله لبعض الوقت. وعندما ينقشع الغبار وينقضي الأمر- ونظراً لمهرجان الكلام الدائر على شاشات العالم حالياً، الكلام أكثر بكثير من الأفعال والخطوات- كل ما يهم في هذه المسألة هو من سيستقر في البيت الأبيض بحلول يناير (كانون الثاني).
أتذكرون مشكلة بطاقات الاقتراع في فلوريدا حين وصلت المعركة إلى المحكمة العليا التي أعلنت جورج دبليو بوش الفائز مقابل آل غور؟ هذا رجل تقبل ذاك القرار القاسي بكياسة نعلم أن ترمب غير قادر عليها. طبعاً تذكرونها. لكن ما يذكره التاريخ هو أن بوش أصبح رئيساً بينما خسر آل غور.
في قلبي، أردت لبايدن فوزاً ساحقاً على غرار ذاك الذي سعيت له مع توني بلير في عام 1997. لكن هل زرتم يوماً فلوريدا أو جورجيا أو تكساس؟ ليس الأمر سهلاً، والدليل على مدى توتر ترمب في الساعات الأولى هو اعتباره هذه “الولايات أماكن لم يكن متوقعاً لنا الفوز بها”.
في رأسي، نظراً لدرجة الغضب والاستقطاب اللذين تعيشهما الولايات المتحدة حالياً، شككت في أن الانتخابات سوف تنحصر في النهاية بعدد ضئيل من الولايات، تتحول كل أربع سنوات في التاريخ الحديث إلى مركزٍ للمهووسين بالسياسة في العالم أجمع- لا سيما ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا. أياً كان من يفوز بولايتين من هذه الولايات الثلاث خلال الساعات المقبلة- وأدعو ألا يستغرق الأمر أياماً- يفوز بالمجمع الانتخابي. وبعدها، لا سيما إن كان ترمب من خسر ولايتين من أصل ثلاث- يأتي دور المحاكم. وهذا ما بدا واضحاً من خلال هذيانه المثير للاشمئزاز “لقد ربحنا بالفعل”.
تستطيع غالباً تبين شكل المقاربة التي يعتمدها غريمك من خلال الكلام الذي يقوله عنك. لذا فإن كون أول تعليق أدلى به ترمب في الساعات الأولى هو تغريدة قال فيها إن الديمقراطيين يسعون إلى “سرقة” الانتخابات وورد فيها كذلك خطأ إملائي في كلمة استطلاعات رأي polls التي كتبها Poles (أي البولنديين) جعلني أتساءل إن كان يعرف ما يدور في تلك الولايات الرئيسة الثلاث أكثر منا، أو من الخبراء والمتخصصين بالاستطلاعات، وهو خائف. فترمب الواثق كان ليدع جو بايدن يدلي بتصريح “نحن على طريق الفوز” ويجاري الموضوع وينتظر فرز الأصوات.
وليس من المفاجئ أن تصرف منظمة إعلامية- محطة فوكس نيوز- هو ما بدا أنه دفع ترمب من الثقة والهدوء إلى فورة غضب على تويتر (أزيلت تغريدة البولنديين فوراً) ثم السخط بشأن سرقة الانتخابات في حين أن الفضيحة الانتخابية الحقيقية الوحيدة كانت محاولة الجمهوريين المتعمدة قمع الأصوات، وليس مفادها [الفضيحة] محاولة مثبتة للتلاعب بالأصوات.
بعد مرور أربع سنوات عشناها مع ترمب، يجب ألا يفاجئنا أي من هذا. لا يجب أن يفاجئنا أن حجته ضد “فوكس نيوز” التي تحدثت عن فوز بايدن في أريزونا- وتحديداً [اعتباره] أن على القناة عدم الإعلان عن النتيجة قبل الانتهاء من فرز كل الأصوات- تتناقض تماماً والحجة التي قام عليها زعمه بأن الانتخابات “تُسرق” في الولايات التي تُعتبر متأرجحة. وهي مناطق صدف أنه أحرز تقدماً على منافسه فيها ودعا إلى وقف فرز الأصوات فيها.
أشارت الدلائل إلى أن قصة رئاسة ترمب ارتبطت بمدى قدرة حواجز حماية الديمقراطية والمؤسسات الأميركية على التعامل مع مقاربته وشخصيته الأشبه بكرة الهدم [التحطيم بالكرة الحديدية]. استسلم الحزب الجمهوري باكراً. وكان مجلس الشيوخ ضعيفاً. ومالت وسائل الإعلام إجمالاً إلى تأجيج الاستقطاب الذي يستغله ترمب. أما بالنسبة إلى المحاكم، فالمشهد متباين.
لكن وسط كل الضجيج والغضب، المهم أكثر من أي شيء آخر هو من يحصل على 270 صوتاً في المجمع الانتخابي قبل الآخر. ما زال قلبي وعقلي يقولان بايدن، لكن ذلك قد يتطلب وقتاً. بفضل عمل ترمب المتعمد جداً هذا الصباح، قد تتجه الأمور نحو العنف وهو ما يُعد له منذ رسالة “التراجع للخلف والانتظار” التي أطلقها لمناصريه الأكثر ميلاً إلى العنف خلال المناظرة الرئاسية الأولى.
إن فاز بولايتين من أصل ثلاث، يبقى في البيت الأبيض ويشعر معظم العالم بالغثيان. وإن لم يفعل، ولكن استمر على مساره الحالي وتولى بايدن المنصب في النهاية، سوف تصبح هذه الوظيفة الصعبة أصعب بكثير على نائب الرئيس السابق.
فهذه الانتخابات، ولا سيما طريقة تعامل ترمب معها، قد رسخت الانقسامات التي تمزق أميركا عوض أن تُضعفها.
© The Independent