أسرة ابن لادن استقرت لفترة في إيران قبل اللحاق به إلى باكستان- جيتي
أعلنت وسائل إعلام أمريكية، نقلا عن مصادر استخباراتية، مقتل القيادي في تنظيم القاعدة “أبو محمد المصري”، من قبل عملاء إسرائيليين داخل الأراضي الإيرانية.
مقتل المصري أحد أبرز المتهمين بالتخطيط لهجمات سفارتي واشنطن في نيروبي، ودار السلام عام 1998، فتح من جديد ملف وجود قيادات لتنظيم القاعدة في إيران، رغم الاختلاف المذهبي والمنهجي بين الطرفين.
مصالح مشتركة
منذ بدء مرحلة الجهاد الأفغاني نهاية سبعينات القرن الماضي، تحولت إيران إلى محطة عبور لعديد القادمين من دول عربية وغيرها، إلا أن العلاقة توطدت بشكل كبير مع “القاعدة” بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وما تبعها من حملة أمريكية على أفغانستان، التي اعتقل خلالها الكثير من الجهاديين واقتيدوا إلى غوانتنامو، فيما فر جزء كبير مع عائلاتهم إلى إيران.
يقول خبير الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، إن العام 2001 وما بعده شهد وصول زهاء 500 عائلة جهادية إلى إيران، بينهم بعض أبناء زعيم التنظيم أسامة بن لادن، والرجل الثاني حاليا، محمد صلاح الدين زيدان، المعروف باسم “سيف العدل”.
ولا تتعامل السلطات الإيرانية مع عناصر وقيادات تنظيم القاعدة على مسافة واحدة، إذ إن علاقتها الودية تقتصر على التيار الموالي لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، وجلهم من المصريين.
ذكر أبو هنية لـ”عربي21” أن هذا التيار هو تقريبا من بقايا جماعة “الجهاد” المصرية، التي برز منها الظواهري وآخرون، وهؤلاء ينظرون إلى العلاقة مع إيران على أنها علاقة مصلحة.
لإيران عدة مصالح من علاقتها مع القاعدة، أهمها بحسب أبو هنية، هي منع أي هجمات محتملة من التنظيم الذي لا يخفي أنه يعتقد بكفر النظام الإيراني، مشيرا إلى أن طهران أيضا تعي ذلك الأمر.
وقال أبو هنية إن العلاقة كان هدفها المعلن هو أن الرابط بين إيران والقاعدة هو محاربة الولايات المتحدة.
انقسام مثير
بحسب أبو هنية، فإن العلاقة الودية لا تشمل أتباع تيار “أبو مصعب الزرقاوي”، وهم غالبا من الأردنيين والعراقيين والسعوديين وغيرهم، والذين كان الغزو الأمريكي للعراق، وتمويل إيران للمليشيات الشيعية نقطة فاصلة لعلاقتهم مع طهران.
الزرقاوي على سبيل المثال لم يمكث في إيران بعد خروجه من أفغانستان سوى عدة شهور، إذ خرج هاربا منها إلى العراق، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية.
يقول أبو هنية، إن أتباع الزرقاوي لم تكن ترق لهم العلاقة الودية بين قيادة القاعدة وطهران، وهو ما دفع بالأخيرة إلى فرض شبه إقامة جبرية عليهم، بخلاف الآخرين الذين كانوا يتنقلون بحرية داخل إيران.
في أواخر العام 2015، تمّت صفقة بين “القاعدة” وإيران، أثبتت وجود تيار داخل التنظيم معاد لطهران، إذ قام الفرع اليمني من التنظيم باختطاف دبلوماسي إيراني، في فترة كانت فيه الأخيرة تعتقل بعض قيادات “تيار الزرقاوي” من القاعدة.
الصفقة حدثت بالفعل حينها بخروج الدبلوماسي الإيراني، مقابل إطلاق إيران سراح شخصيات بينها نائب الزرقاوي، الأردني خالد العاروري “أبو القسام”، الذي وصل إلى سوريا حينها، وانشق عن جبهة النصرة لاحقا ليؤسس مع آخرين تنظيم “حراس الدين”، قبل أن يغتاله التحالف الذي تقوده واشنطن، الشهر الماضي بغارة في إدلب.
كما تضمنت الصفقة حينها إجبار إيران النظام السوري على السماح لقيادات من “النصرة” بالانتقال من درعا (جنوب سوريا)، إلى إدلب شمالها، ومن أبرزهم “سامي العريدي، أبو ماريا القحطاني، أبو جليبيب الأردني (قُتل)، وآخرون.
وثائق أبوت آباد
قالت وسائل إعلام أمريكية إن الوثائق التي نشرتها الولايات المتحدة عقب العثور عليها بحوزة أسامة بن لادن عند مقتله في 2011، تكشف جوانب من طبيعة العلاقة بين القاعدة وإيران.
الوثائق وهي عبارة عن مراسلات مطولة، الكثير منها لا علاقة لها بالعمل العسكري، أو السياسي، قال خبراء إنها لم تعط جديدا حول شكل العلاقة كما زعمت واشنطن.
إذ قال نيد برايس، أحد مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما، إن كل ما عُثر عليه في “أبوت آباد” لم يقدم جديدا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية.
فيما قالت “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” إن الوثائق لم تقدم دليلا على أن العلاقة بين القاعدة وإيران تتجاوز النزعة البراغماتية بينهما، واحتواء إيران لقيادات التنظيم مقابل كف الأخيرين يدهم عن طهران.
تقول المؤسسة إن ابن لادن دائما ما كانت علاقته بإيران متوترة، ولم ترق إلى درجة التحالف، ويبدو أنه رفض عرضا إيرانيا لتدريب عناصر سعوديين من القاعدة، كما تشير إحدى وثائق “أبوت آباد”.
يعلق أبو هنية على وثائق “أبوت آباد” بالقول إنها “لا تضيف شيئا جديدا للخبراء والباحثين، لكن الولايات المتحدة تعمل على فرض قراءة انتقائية تفتت ابن لادن، وتستخدمه في سياق استراتيجيتها”.
إصرار أمريكي
الولايات المتحدة بدورها، تصرّ على وجود علاقة وثيقة بين القاعدة وإيران، ففي أحدث تقرير صادر عن وزارة الخارجية في حزيران/ يونيو الماضي، اعتبرت الوزارة أن إيران توفر ملاذا آمنا لـ”الإرهابيين”.
ينقل التقرير السنوي عن مدير مكتب مكافحة الإرهاب بالوزارة، ناثان سيلز، أن “إيران تسمح للقاعدة بالتحرك ونقل المقاتلين والأموال إلى دول الجوار بحرية تامة”.
ويذكر التقرير أن متورطين بهجمات كبيرة بينها 11 سبتمبر لا يزالون تحت الحماية الإيرانية، وترفض الأخيرة تقديمهم للعدالة.
فيما قال وزير الخارجية، مايك بومبيو، إن “التساؤل المتعلق بعلاقة إيران بتنظيم القاعدة حقيقي جدا. فقد استضافت القاعدة وسمحت لهم بالمرور عبر أراضيها”.
وكان جزء من مراسلات “أبوت آباد” رُفعت عنه السرية في إدارة دونالد ترامب، كما حاول بومبيو ربط تلك الوثائق بسياسات الرئيس تجاه طهران، ومن ضمنها الانسحاب من الاتفاق النووي.
شهادات الموريتاني
يقول محفوظ ولد الوالد “أبو حفص الموريتاني”، أحد قيادات القاعدة، وهو المشرف على التنسيق بين التنظيم وإيران، إن العلاقة لم تصل يوما إلى درجة الجيد أو الممتاز.
وذكر في تصريحات صحفية وشهادات عديدة أن إيران حاولت مرارا تعميق العلاقة مع القاعدة، إلا أن الأخيرة استمرت بالرفض، ما دفع طهران لنكث وعودها، واعتقال قيادات من التنظيم، وتسليم آخرين لدول أجنبية.
تنقل صحيفة “ذا أتلانتيك” عن الموريتاني قوله إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عرض خدماته على القاعدة لمساعدة عناصرها في تصنيع العبوات الناسفة، إلا أن لا دليل على حصول ذلك الأمر فعليا.
ويقول الموريتاني إن أحد أوجه المساعدات التي قبلتها القاعدة، كان توفير الحرس الثوري جوازات سفر مزورة لعناصر التنظيم، على أنهم لاجئون من شيعة العراق (قبل سقوط نظام صدام حسين).
بحسب الموريتاني، فإن أحد الأمثلة على توتر العلاقة الدائم كان رفض إيران السماح لأسرة ابن لادن بمغادرة البلاد، واللحاق به في أفغانستان وباكستان، ما دفع التنظيم إلى اختطاف دبلوماسي إيراني، وإجبار طهران على السماح لهم بالذهاب، وهو ما تم بالفعل.