الأخبار
قد يكون اليومان المقبلان حاسمَين لجهة تقرير المنحى الذي ستتخذه التطوّرات في الولايات المتحدة، في ظلّ تضافر الوقائع التي تناقض ادّعاءات دونالد ترامب الانتخابية، والتي تضع الجمهوريين عموماً في موقف حرج، بعد تأكيد فوز جو بايدن بولايتَي كارولاينا الشمالية وجورجيا. تطوّراتٌ من شأنها أن تدفع الرئيس الأميركي إلى الاعتراف بالهزيمة، لكنّها لن تمنعه من مواصلة مرحلته الانتقالية، على طريقته الانتقامية، إن كان داخلياً أو خارجياً، بما يصبّ في هدف واحد: عرقلة تسلّم بايدن سدّة الرئاسة، أو حتّى عرقلة عمله بعد تنصيبه
أمّا ترامب، الذي يرفض الحديث إلى الصحافيين منذ عشرة أيام، فقد باشر عمله الرئاسي ظهر أمس بالتوقيت المحلّي، باجتماع لعملية “وارب سبيد” التي تنسّق استراتيجية الحكومة حول التلقيح ضدّ “كوفيد – 19”. وجاء ذلك في وقت صرّح فيه بيتر نافارو، أحد مستشاريه الاقتصاديين، لمحطة “فوكس بيزنيس”، بـ”(أننا) في البيت الأبيض نواصل العمل كما لو أنّنا في صدد ولاية ثانية لترامب”. تصريحٌ يترافق مع قرارات صادرة عن الرئيس المنتهية ولايته تصبّ في إطار رفضه الإقرار بالهزيمة، الأمر الذي يشكّل قطيعة تاريخيّة مع التقاليد السياسيّة الأميركيّة، وهو ما من شأنه تعقيد الفترة الانتقاليّة أمام بايدن الذي يُفترض أن يتولّى مهمّاته في 20 كانون الثاني/ يناير 2021. كما أنّ رفض ترامب هذا يُشكّل “خطراً جسيماً على الأمن القومي”، بحسب ما حذّر، أول من أمس، أكثر من 150 من كبار المسؤولين الأميركيّين، في رسالة كشف عنها موقع “بوليتيكو”. ومن بين الموقّعين، من كلا الحزبين، وزير الدفاع الأميركي السابق الجمهوري تشاك هيغل، والرئيس السابق لوكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن. وطالب هؤلاء في رسالتهم بضرورة وصول بايدن إلى المعلومات “الضرورية من أجل التعامل مع قضايا الأمن القومي الملحّة، مثل التقرير اليومي” الذي يتلقّاه الرئيس والمتعلّق بالتهديدات الموجّهة للولايات المتحدة والعالم.ربّما تشهد مواقف ترامب تغيّراً في الساعات المقبلة، ربطاً بهذه الرسالة أو غيرها من التطوّرات، علاوة على أيّ مواقف قد تصدر عن الجمهوريين، بعد تبيان نتائج ولايتَي كارولاينا الشمالية وجورجيا، أو بعد إعلان وكالات أميركيّة مكلّفة أمن الانتخابات، أن ليس لديها “أيّ دليل” على أن الانتخابات الرئاسيّة جرى اختراقها. وقالت السلطات المحلّية والوطنيّة المكلّفة أمن الانتخابات، وبينها خصوصاً وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتيّة التابعة لوزارة الأمن الداخلي، في بيان مشترك يتعارض مع مزاعم الجمهوريّين والبيت الأبيض، إنّ “انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر كانت الأكثر أماناً في تاريخ الولايات المتّحدة”. وأكدت أنه “لا يوجد أيّ دليل على أنّ أيّ نظام انتخابي حَذَف أصواتاً أو فقَدَها أو عدّلها، أو أنّه قد تمّ اختراقه بأيّ شكل من الأشكال”. إلّا أن ذلك لن يمنع إدارة ترامب من مواصلة إطلاق العديد من المؤشرات على المسار التصادمي الذي ارتأت اللجوء إليه، طالما أنّ الفترة الانتقالية تتيح لها ذلك. في هذا الإطار، أفادت وسائل إعلام أميركيّة بأنّ الملياردير الجمهوري يُفكّر في إقالة المسؤول عن وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتيّة، كريس كريبس، الذي كان قد رفض، في الأيام الماضية، تُهماً تتعلّق بحصول عمليّات تزوير واسعة النطاق.
وما يؤشّر إلى عوائق كثيرة لا تزال تعترض العملية الانتقالية، مواصلة تلقّي أنصار ترامب وابلاً من الطلبات للمساهمة مالياً في “الدفاع عن الانتخابات”. هؤلاء بدأوا، أمس، التجمّع في محيط البيت الأبيض، مطلقين شعارات ترفض التنازل، في حال ثبوت وجود تزوير في الانتخابات. وينوي أكثرهم تطرّفاً التظاهر في واشنطن، اليوم، في حين أعلن ترامب أنّه قد ينضمّ إليهم.
مقاربة ترامب الانتقامية سرت، أيضاً، على تعاطيه مع السياسة الخارجية، إذ منع الأميركيين من الاستثمار في مجموعات صينية تتّهمها إدارته بـ”دعم نشاطات بكين العسكرية”. وقال الرئيس الأميركي، في مرسوم، إنّ هذا الحظر سيُطبّق اعتباراً من 11 كانون الثاني/ يناير المقبل، قبل تسعة أيام من مغادرته البيت الأبيض، ووصول خلفه جو بايدن. وأُمهل الأميركيون الذين لديهم مساهمات أو مصالح مالية أخرى في مجموعات مدرجة على لائحة تضمّ 31 شركة، حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 للتنازل عنها. ورداً على هذا الإجراء، اتهمت الصين واشنطن “باستغلال سلطة الدولة لمهاجمة الشركات الصينية بشكل تعسّفي”. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، إنّ “هذا الإجراء لا يضرّ بالحقوق والمصالح الشرعية للشركات الصينية فقط، بل بمصالح المستثمرين الأميركيين”. في مقابل ذلك، هنّأت الصين بايدن، أمس، بعد أسبوع من فوزه بالانتخابات. وقالت وزارة الخارجية على لسان الناطق باسمها: “نحترم خيار الشعب الأميركي ونعرب عن تهانينا للسيد بايدن والسيدة (كامالا) هاريس”، مشيرةً إلى أن بكين تدرك أنّ “نتيجة الانتخابات الأميركية ستُحدَّد بناءً على القواعد والإجراءات في الولايات المتحدة”.