دخلت البلاد اليوم فترة الاغلاق العام، على وقع الاعتراض المستمر من أصحاب القطاعات الخاصة، لما لهذا الأمر من تداعيات سلبية على الاقتصاد الداخلي، وقدرة المواطن على تأمين قوته اليومي. في وقت بدت فيه حكومة تصريف الأعمال في غياب تام من هذه النقطة، عاجزة عن تأمين أبسط مقومات البقاء. وعلى الرغم من التسليم العام بأن لا قدرة لحكومة تصريف الاعمال على انجاز ما يلزم في هذه المرحلة، فإن المصادر المعنية بالتأليف، تتحدث عن اسئلة بدأت تعيد نفسها حول ما يمكن فعله إذا طال تشكيل الحكومة مشيرة إلى أن دعوة الرئيس عون حول التشاور الوطني لم تتم الاستجابة لها بعد. وبالتالي فان الحكومة المنتظرة فهي بعيدة المنال، بحسب ما تشير المعطيات، ولم تحصد زيارة الموفد الفرنسي الى بيروت الى اي تقدم في هذا الاطار، بل ان المراوحة لا تزال مسيطرة على مسار التأليف لا بل أن الأمور عادت الى نقطة الصفر في هذا الاطار.
مهمة دوريل
وعلمت “النهار” ان الحصيلة التي انتهت اليها مهمة الموفد باتريك دوريل تتلخص بانه اصر على تذكير المسؤولين والقيادات السياسية بالتزاماتهم حيال المبادرة الفرنسية فسمع من الجميع إعادة تأكيد تمسكهم بهذه الالتزامات كما بالمبادرة. وأبلغهم دوريل ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتابع عن كثب كل ما يجري في لبنان وان التحليلات التي تتحدث عن انحدار اكثر في الوضع كما عن ازدياد الانسداد السياسي تقلق ماكرون الذي يصر على تأليف حكومة سريعا لوضع المسار الإصلاحي قيد التنفيذ.
ووفق معلومات “النهار” شدد الموفد الفرنسي امام جميع من التقاهم على المسؤولية التي يتحملونها في تسهيل تأليف الحكومة مؤكدا لهم ان ماكرون يقف الى جانب لبنان والشعب اللبناني وأوفده الى بيروت لنقل هذا الالتزام مجددا كما للتأكيد ان فرنسا تعمل مع الأمم المتحدة لعقد مؤتمر لدعم لبنان ويجب تطوير مضمون هذا المؤتمر وجعله للدعم الاقتصادي اكثر منه للإنساني من خلال استعجال تأليف الحكومة سريعا. ولفت الموفد الفرنسي الى ان زيارته ليست إنذارا بالعقوبات كما قيل، وان العقوبات يمكن ان تطاول السياسيين اذا غرق البلد في انهيار اكبر. وعلم ان الموفد الفرنسي تعامل مع المقارنة بين حكومة مستقلين وحكومة مدعومة من السياسيين بتفضيله حكومة كفوئين ذات صدقية ويجب ان تنال دعم رئيسي الجمهورية والبرلمان والكتل النيابية.
الحكومة بعيدة المنال
في الموازاة، بدت المعطيات المتصلة بمأزق تأليف الحكومة عاصية تماما عن التأثر إيجابا حتى الان بمهمة الموفد الفرنسي. وأشارت المعلومات المتوافرة لـ”النهار” في هذا السياق الى ان الأيام الأخيرة التي أعقبت اصدار العقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل وواكبت زيارة الموفد الفرنسي تعتبر واقعيا فترة الشلل المطلق في الجهود المبذولة لتحريك مسار التاليف، علما ان التشاؤم في امكان حلحلة التعقيدات ازداد في ظل التلميحات والاشتراطات التي صدرت أخيرا عن بعبدا والتي تكشف نيات واضحة في التشدد وعدم تسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين.
واشارت المعلومات لـ”اللواء” الى أن أي تواصل بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لم يسجل أمس لكن هذا لا يعني أن زيارة الحريري بعبدا لن تكون واردة في أي توقيت . ولكن مصادر سياسية مطلعة لاحظت عبر “اللواء” أنه ينتظر أن يصار إلى ترجمة النصائح الفرنسية حول الإسراع في تأليف الحكومة التي حملها الموفد الرئاسي الفرنسي فإذا كانت هناك رغبة في السير بها قد تتبدل بعض المعطيات اما إذا استمر الوضع على حاله فقد يطول تأليف الحكومة ولذلك دعت المصادر إلى ترقب إلى ما بعد زيارة دوريل.. لا سيما في ضوء تنصل ممثلي الكتل والتيارات من وزراء تصريف الاعمال.
اتصال بين الحريري وباسيل
وفي حين بدت العقدة الأكثر ظهوراً هي العقدة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ذكرت مصادر متابعة لـ “اللواء” ان هناك من تمنى على دوريل العمل على ترطيب الاجواء بين الرجلين من اجل عقد لقاء بينهما يسهم في معالجة الامور العالقة. واشارت الى ان باسيل عرض لدوريل موقف التيار منذ تكليف الحريري وانه كان مسهّلا للحل كما عرض اسباب التعطيل من وجهة نظره مشيرا الى اطراف اخرى تعرقل التشكيل.
وفي هذا الاطار، لفتت صحيفة “الأخبار” الى ان اتصالاً هاتفياً جرى بين سعد الحريري وجبران باسيل، بحضور الموفد الفرنسي باتريك دوريل، ساهم بـ “كسر الجليد” بين الاثنين، من دون أن يؤثّر على مجرى تأليف الحكومة. فالمحركات لا تزال مُطفأة، لعدم رغبة أي فريق في التنازل للآخر. فرنسا تُحمّل المسؤولية لباسيل، وواشنطن تُريد فرض المزيد من العقوبات عليه، فينتج من ذلك المزيد من الضغوط والتهديد بتفجير الساحة اللبنانية.
وفي التفاصيل، بحسب “الأخبار” ان دوريل سَمع “نصيحةً” من حزب الله خلال لقائه معه، بأن يقوم بمسعى مع رئيس الحكومة المُكلّف، سعد الحريري، حتى يجتمع أو يتواصل الأخير مع باسيل. فلا يُمكن أن يُحمّل رئيس التيار الوطني الحرّ وحيداً مسؤولية العرقلة، في حين أنّ الحريري يتعامل مع الملفّ الحكومي بمنطق “النكايات الشخصية”، ويُريد التنسيق مع الجميع إلا مع باسيل، مُستتراً خلف التنسيق مع رئيس الجمهورية. وبالفعل، قام دوريل بـ”وساطة” بين الحليفين السابقين، تجلّت بمُكالمة هاتفية مُختصرة بين الحريري وباسيل، أثناء اللقاء الذي جمع الموفد الفرنسي مع وفد “التيار”. اتصال أجراه دوريل بالحريري، قبل أن يحوّل الهاتف إلى باسيل، هدفه “كسر الجليد”، على ما تصفه المصادر السياسية المُطلعة، مُضيفةً إنّ الفرنسيين “يُريدون تواصلاً بين الحريري ــــ باسيل يُشكّل خرقاً إيجابياً في المشهد”. هل هذا يعني إيجابية في تأليف الحكومة؟ “كلّا” تُجيب المصادر، مُضيفةً إنّه “ابتداءً من أمس، سيتدخّل دوريل بالتفاصيل أكثر، لجهة الحقائب والتوزيعات”. وتقول إنّ التركيز الفرنسي هو على “حقائب الطاقة والاتصالات والمالية، لكي تكون بيد وزراء غير حزبيين ولا يُنفذون أجندات خاصة، وقد حدّد الفرنسيون الأسماء التي يرتاحون لها”. المشكلة هنا لا تقتصر عليهم، بل تتعداهم إلى من يفتح لهم الباب مُرحّباً وطالباً لمشورتهم. الإعلام الفرنسي واكب سياسة الضغوط السياسية لإدارته. فقد نشر موقع “فرانس أنفو” أمس مقالةً، نقل فيها عن “مُقربين” من الإليزيه أنّ ماكرون “أعطى قادة لبنان إنذارين لتأليف حكومة، من دون جدوى. انتهت المهلة ولا يزال الفاسدون وغير الكفوئين في مراكزهم”. وتجلّت الفوقية والنفَس التقسيمي للبلد أكثر في حديث “أحد المقربين” من وزير الخارجية، جان إيف لودريان: “تفاقم الوضع منذ انفجار المرفأ، هاجر الأغنياء والمسيحيون، وفي غضون أشهر قليلة لن يبقى سوى الفقراء والإسلاميين”. هل يُمكن ماكرون أن يُمارس ضغوطاً أكثر؟ سألت “فرانس أنفو”، ليأتيها جواب أحد المسؤولين بأنّ “المفتاح لدى واشنطن”.
وفي اللقاء ما بين دوريل وباسيل، حاول الأخير التمظهر أمام الموفد الفرنسي بصورة المسهّل لتأليف الحكومة على أساس مبدأ “وحدة المعايير”، بحسب “نداء الوطن”، غير أنّ دوريل لم تنطلِ عليه خدعة “المعايير” وبادر إلى الرد بوضوح ودون أدنى مواربة على طرح باسيل بالقول: “مسألة المعايير هذه تخفي شروطاً تضعونها لتوزير الموالين والمحاسيب في الحكومة”.
ونقلت المصادر عن دوريل تشديده أمام باسيل على أنّ “المعيار بالنسبة لتعيين الوزراء يجب أن يكون اختصاصهم وليس انتماءهم الحزبي والسياسي”، مشيرةً إلى أنّ باريس من خلال كلام موفدها الرئاسي أبدت تصميمها على عدم مجاراة الأطراف السياسية في لعبة تشكيل الحكومة التي باتت أشبه بـ”سباق السعادين”.
وعما تم تداوله حيال طرح دوريل أسماء اختصاصيين ترى فيهم فرنسا مواصفات تخصصية وإصلاحية تخولهم تولي حقائب وزارية معينة، أكدت المصادر أنّه “طرح أسماء مرشحة للتوزير في حقائب الطاقة والاتصالات والأشغال”، لما لهذه الحقائب من أهمية محورية في عملية تنفيذ الإصلاحات المدرجة ضمن إطار الورقة الفرنسية، مشيرةً إلى أنّ دوريل بدا متابعاً بدقة للملف الحكومي اللبناني ومدركاً جيداً للدهاليز السياسية التي تمرّ بها عملية التأليف، وعليه فإنّ مهمته قضت بحض الأفرقاء على العمل والمضي قدماً في فكفكة مختلف العقد، والتي برزت منها مؤخراً على مستوى الحقائب السيادية عقدة التسميات في حقيبتي الطاقة والداخلية، في حين لا يزال حتى الساعة يوسف الخليل، مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، هو الاسم المطروح لتولي وزارة المالية.
دوريل يجول على القيادات المسيحية
وخلال جولته على القيادات المسيحية أمس، في بنشعي والصيفي ومعراب، لفتت الرسالة التي حمّلها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، للموفد الفرنسي لينقلها إلى الرئيس إيمانويل ماكرون “طلباً لدعم فرنسا الطلب الموجّه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أجل إرسال لجنة تقصي حقائق حول انفجار مرفأ بيروت إحقاقاً للعدالة”، بينما وضع دوريل جعجع في أجواء محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين مؤكداً أنه شدد أمامهم على “وجوب تشكيل الحكومة العتيدة في أسرع وقت ممكن، باعتبارها الفرصة الأخيرة للبنان، وإلا فإن الاستمرار بالمماطلة سيضيّع هذه الفرصة وعندها لا مؤتمر دولياً لدعم لبنان ولا مؤتمر سيدر”.
الاقفال العام اعتباراً من اليوم
وفي موازاة المشهد السياسي المتأزم، برز الضياع الذي تمرّ به السلطة إزاء مختلف الملفات الحكومية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والحيوية، انسحب في أبعاده على حالة الإغلاق التام التي تدخل اليوم حيز التنفيذ ليدخل الناس تحت وطأتها في حالة إخضاع وتقييد لحركتهم تحت طائل تغريم كل مخالف والتشدد في قمع المخالفات. وعلقت مصادر طبية على مشهد التفلت من القيود وحالة الازدحام التي شهدتها العاصمة والمناطق عشية موعد سريان الإغلاق الشامل، بالقول لـ”نداء الوطن”: “الأمور لا تبشر بخير والإغلاق مبيّن من عنوانه”، متسائلةً عن “سبب تغاضي الأجهزة المعنية الرسمية عن فرض تدابير التباعد الاجتماعي والتزام وضع الكمامة أمام المشهد المروع الذي شهدناه أمس”، وأضافت: “كيف للمواطنين أن يلتزموا بالإرشادات والتعليمات الاحترازية خلال فترة الإغلاق وكيف يمكن إقناع الناس بجدوى هذا الإغلاق إذا كان وزير الداخلية نفسه أطل قبل ساعات من بدء مفاعيله معلناً أنه ضد الإغلاق وغير مقتنع بجدواه”، مشددةً على أنّه “من الواضح أنّ السلطة لا تملك خطة عمل متجانسة وفاعلة في مواجهة انتشار الوباء ولا وزارة الصحة بصدد الاستفادة من فترة الإغلاق لتعزيز القدرات الاستشفائية والطبية والتمريضية تحسباً للمرحلة المقبلة التي تؤكد كل التقارير والتقديرات أنها ستكون أشد وطأة على مستوى التفشي الوبائي”.